ثورة اللؤلؤة لا تخمدها قوات سعودية – اماراتية خائرة
ثمانية اعوام مرت على التدخل السعودي – الاماراتي العسكري في البحرين، وهو التطور الاخطر في التاريخ المعاصر للبلاد. ففي السابق كانت التدخلات تحدث باشكال اخرى، اغلبها غير واضح للعيان. صحيح ان كافة الانتفاضات الكبرى واجهها البريطانيون بقواتهم المسلحة، واستشهد العديد من المواطنين، وهذا ما حدث في نهاية اكتوبر 1956 بعد العدوان الثلاثي على مصر. يومها دعت قيادة الهيئة للنزول الى الشوارع احتجاجا على ذلك العدوان، فتصدت لهم القوات البريطانية بعنف وقتلت العديد منهم. كما تدخلت في انتفاضة 1965 واودت بحياة عدد من البحرانيين. ولكن تلك القوات كانت موجودة في البحرين التي كانت تحت ما يسمى “الحماية البريطانية”. ولكن ما حدث في 14 مارس 2011 كان مختلفا. فلم يكن هناك اي شغب او اعمال عنف او تهديد بالعمل المسلح، بل كانت هناك ثورة شعبية سلمية متحضرة تهدف لاحداث تغيير سياسي ينهي عقود التوتر الناجم عن الاستبداد السياسي للعصابة الخليفية التي حكمت البلاد بالنار والحديد. الشعب البحراني تأثر بالثورات الاخرى في العالم العربي ضمن ما سمي “الربيع العربي”، خصوصا في ضوء ما جرى في صيف 2010. فقد انقضت العصابة الخليفية بامر من الطاغية على الشعب، ومارست بحقه ابشع اصناف التنكيل والتعذيب. فاعتقلت حوالي 500 من ابنائه ومن ضمنهم علماء ومفكرون ونشطاء وزجت بهم في طوامير جهاز الامن الوطني السيء الصيت، ومارست بحقهم صنوفا جديدة من التعذيب وثقتها منظمات حقوقية دولية. كما اختطفت مرتزقة الخليفيين سبعين من الشباب وعذبتهم بوحشية حتى اوصلتهم الى حافة الموت قبل ان ترمي بكل منهم في منطقته. هذا في الوقت الذي كانت الجمعيات السياسية منخرطة في ما سمي “المشروع الاصلاحي” الذي فرضه الديكتاتور على البلاد.
هذه الحقائق هيأت ارضية خصبة للثورة. فما ان توفرت ظروفها الاقليمية حتى هب الشباب في 14 فبراير 2011 في اكبر ثورة عرفتها البحرين في تاريخها المعاصر. وعلى مدى شهر كامل كانت البلاد تعيش حالة ثورية منقطعة النظير، خصوصا بعد ان استقر الثوار بميدان اللؤلؤة. شعر المواطنون بوجودهم الاخلاقي والمعنوي والسياسي للمرة الاولى بعد عقود من الاستعباد والاضطهاد والتنكيل على ايدي الطغاة الخليفيين. استمرت فعاليات الثورة بدوار اللؤلؤة، فخرجت التظاهرات التي توجهت تارة نحو دار الحكومة واخرى باتجاه المرفأ المالي، وثالثة باتجاه وزارة الداخلية ومراكز التعذيب ورابعة نحو قصر الصافرية. كل ذلك ضمن الثورة البحرانية التي بقيت الاطول عمرا والاوضح اهدافا والابعد عن التدخلات الاجنبية. كان هناك تلاحم منقطع النظير بين ابناء البحرين، شيعة وسنة، اسلاميين ووطنيين، الامر الذي أرعب الديكتاتور وعصابته وحلفاءه. فما كاد يمر شهر واحد حتى استدعيت القوات الاجنبية للتدخل العسكري. وفي الساعات الاولى من الرابع عشر من مارس اخترقت القوات السعودية والاماراتية الحدود على جسر البحرين – السعودية وفاجأت الجماهير النائمة بعدوان عسكري غبر مبرر وغير مشروع. وما ان استقر بها المقام حتى اصدرت اوامرها باستهداف المرابطين في دوار اللؤلؤة، فشنت عدوانها غيلة بينما كان المرابطون نياما. فسقط الشهداء الواحد تلو الآخر، وتم تدمير الوجود الشعبي في تلك المحطة التاريخية المهمة. وفي غضون ايام قليلة اعلن المحتلون على لسان وكلائهم الخليفيين حالة الطواريء وفرضت الاحكام العرفية، ودخلت البلاد بذلك مرحلة فاصلة في تاريخها. فقد سلم الخليفيون السيادة للمحتل الاجنبي الذي شارك في قمع الثورة وقتل العديد من نشطائها. وستبقى صورة هامة الشهيد احمد فرحان المفضوخة تعبيرا صارخا عن وحشية التحالف السعودي – الاماراتي – الخليفي الذي انسلخ من القيم الانسانية وتحول رموزه الى وحوش مفترسة انتقمت من ابناء البحرين بتوحش وسادية.
اعتقد الطاغية وجلاوزته ان الثورة البحرانية قد انتهت وذلك بعد ان زج بالآلاف في طواميرالتعذيب ومارس بحقهم ابشع اساليب التوحش والتنكيل. ولكن خاب ظنهم، لان الشعب البحراني اثبت بسالته وصموده ووعيه، وافشل مخططهم بالنزول الى الميادين بشجاعة واستبسال وعزم. ثمانية اعوام مرت الآن على ذلك التدخل المتوحش،ولم يستطع المحتلون كسر شوكة الشعب او تغيير اتجاه مساره السياسي، فما يزال المواطنون يتظاهرون ويحتجون ويطالبون بسقوط الحكم الخليفي. والاهم من ذلك ان الظلم الخليفي عم البلاد وقطاعاته الاجتماعية والسياسي. وقد استنفذ الطاغية وعصابته كافة الاساليب المدمرة لكسر شوكة الشعب ووحدته، ولكن فشله اصبح واضحا. فالثوار لا يبارحون الميادين، والرموز صامدون وراء القضبان، وامهات الشهداء تدعون ليلا ونهارا لمحق الحكم الخليفي. انها ملحمة صراع متواصلة لم تخفت منذ ان انطلقت قبل ثمانية اعوام، بل هي آخرذة في التصاعد والثبات والصمود. فقد استنفذ الخليفيون ما لديهم من اساليب بدون جدوى. فالهتافات تتواصل بوتيرة واضحة “الشعب يريد اسقاط النظام”، و “يسقط حمد”. انها شعارات غير مسبوقة ولا يمكن هزيمتها او ازالتها من الوجدان الشعبي بعد ان اصبحت عنوانا لبقائه.
ما هي الدروس المستوحاة من تجربة السنوات الثماني من التدخل العسكري السعودي – الاماراتي؟
يمكن طرح النقاط التالية كمؤشر لمسار الثورة خلال السنوات الثماني الاخيرة وما سوف يليها:
اولا: ان الشعب اقوى من الحكم الجائر الذي لا يستند الى شرعية شعبية او دستورية. وان تفرعن الطغاة لا يوفر لهم غلبة ميدانية او اخلاقية، بل ان هذا التفرعن يؤدي بهم للغرق، كما حدث لفرعون وجنوده.
ثانيا: ان التحالف العسكري السعودي – الاماراتي نمر من ورق. فبرغم وجوده على ارض البحرين محتلا، الا ان الخليفيين لم يثقوا فيه يوما، بل اصبحوا يستجدون الآخرين لانقاذ حكمهم. فقد جاؤوا بـ 30 الفا من الباكستانيين والآلاف الاخرى من الدرك الاردني، بالاضافة لقوات المارينز الامريكية التي تتمركز في قاعدة عيسى الجوية في جنوب البلاد. ثم لماذا تبرع الطاغية ببناء قاعدة عسكرية بريطانية في الوقت الذي يعاني الشعب فيه من الحرمان ونقص العائدات وتضاؤل المستلزمات الحياتية ورفع الدعم عن اهم المواد الغذائية كالخبز والرز واللحم، وكذلك الماء والكهرباء.
ثالثا: ان الشعب استطاع تجاوز الازمة بعد اسابيع من التدخل العسكري السعودي – الاماراتي، فعاد الى الميادين ورفع الرايات والهتافات وكرر مطالبه المشروعة وتواصل مع العالم لاطلاعه على حقيقة الوضع السياسي والحقوقي، ونجح في وضع الحكم الخليفي على قائمة الانظمة الاشد انتهاكا لحقوق الانسان. وهاهو يؤكد حضوره يوميا بالاحتجاج والتظاهر داخل البلاد وخارجها. بل ان صمود الشعب هو الذي دفع شابا مثل الرياضي حكيم العريبي، لتحدي الحكم الخليفي بمفرده والحصول على الجنسية الاسترالية في غضون اسابيع من الافراج عنه من سجن تايلاندي.
رابعا: ان شعبنا تعلم من هذه الدروس حقائق ثابتة، اهمها عدم القبول بنصف حل او الرضوخ لارادة المحتل الذي يعتبره عدوا لدودا، وعدم مسايرة الطاغية الذي استدعى قوات الاحتلال لانقاذه من السقوط المحتوم. كما تعلم ضرورة استعادة نقاء البحرين وحريتها لتستطيع ان تمارس دورها كبلد معطاء وفر لاهله اسباب الكرامة والعزة، واعتبر ولاءهم لتربته اهم معايير الانتماء وصدق العلاقة.
لقد كانت تجربة شعب البحرين مع الاحتلال السعودي – الاماراتي ذات دلالات ومعان ودروس وعبر ليس لها حدود، اهمها ان الحق يؤخذ ولا يعطى، وان على الباغي تدور الدوائر.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
15 مارس 2019