العدوان على اليمن حلقة من مسلسل قوى الثورة المضادة
لم يكن لدى طاغية البحرين ما يستطيع ابرازه من انجاز في الذكرى الرابعة للعدوان الذي قادته السعودية وشارك فيه. فمنذ الشهور الاولى للعدوان سجلت قواته الفاشلة خسائر جسيمة في الارواح والمعدات، وسقطت طائراته التي يستقوي بها على الشعب. يضاف فشله هذا لمبادرات فائلة عديدة في مقدمتها استدعاؤه قوات الاحتلال السعودية – الاماراتية، وسعيه لاستئصال شعب البحرين الاصلي (شيعة وسنة) بمرتزقة اجانب، واستدعاؤه البريطانيين لتوفير الامن لحكمه وعصابته. اربعة اعوام من العدوان الآثم على الشعب اليمني ادت لتحطيم النظام السعودي الذي كان يأمل ان يحقق انتصارا سريعا على اليمن ويحتلها ويسقط شعبها من المعادلة السياسية ويفرض ما اسماه “المبادرة الخليجية”. لقد ارتكب اخطاء فادحة باستعدائه شعب البحرين والاعتماد على الدعم الاجنبي من السعودية والامارات وامريكا وبريطانيا. اربعة اعوام من القصف والمتواصل والتدمير وانتهاك القوانين الدولية وتمهيد الاوضاع لحدوث اكبر مجاعة في المنطقة وتدمير حضارة عمرها آلاف السنين، كل ذلك لم ينجح في كسر ارادة المقاومة لدى الشعب اليمني، بل ان المعتدين تكبدوا من الخسائر المادية والمعنوية ما حطم كبرياءهم وافقدهم احترام شعوبهم فضلا عن احترام العالم لهم. يضاف الى ذلك ان اليمن اصبح مادة للتندر بسخافة المشروع العسكري السعودي – الاماراتي – الخليفي وعنوانا لفشل لا يستطيع احد التعتيم عليه او انكاره او تبريره. لقد نزلت ملائكة السماء لتدعم شعب اليمن وارسل الله على جيش ابرهة وجلاوزته طيرا أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل، فجعلهم كعصف مأكول.
بعيدا عن مقولة التهديد الايراني والحفاظ على امن السعودية وحماية حدودها، ثمة هدف كبير وراء ذلك العدوان. فقد ولج تحالف قوي الثورة المضادة لثورات الربيع العربي من بوابات الخبث والاستعلاء والاستكبار، فتوحدت تلك القوى لكسر ارادة الشعوب العربية قاطبة وليس شعب اليمن فحسب. كان التدخل السعودي – الاماراتي لضرب ثورات الشعوب تعبيرا عن شعور عميق لدى قادة هذه البلدان بالخطر الذي تمثله الشعوب وثوراتها على انظمتهم الرجعية الخائرة التي تعتمد في وجودها على الدعم الاجنبي وليس على الشعوب. تدخل هذا التحالف الشرير بابشع الاشكال والاساليب، واستهل باكورة عمله الشيطاني باجتياح البحرين في منتصف مارس 2011، معتبرا ذلك التدخل اختبارا لمدى امكان تكرار ذلك السيناريو مع ثورات الشعب الاخرى. وتضافرت جهود قوى الثورة المضادة لصنع اجواء التدخل بعد ان استطاعت ضمان صمت العالم على التدخل العسكري في البحرين. فاظهر التحالف السعودي – الاماراتي بدعم اسرائيلي امريكي بريطاني قدرة على خلق الازمات الداخلية في اغلب البلدان التي شهدت ثورات شعبية، بهدف افشال مشاريعها التغييرية ومنع سقوط انظمتها الديكتاتورية. فبعد التدخل الغاشم في البحرين شعر التحالف السعودي – الاماراتي بقوة وهمية بالقدرة على تغيير مسار التغيير، فتدخلت في سوريا بحرف مسار المطالب التي طرحها المحتجون، وتحويلها الى مشروع ارهابي اتى على الاخضر واليابس. وتدخلت في ليبيا بدعم جماعة حفتر ومنع قيام حكومة وطنية ديمقراطية، وحالت دون استقرار ليبيا لمنع قيام نظام سياسي ديمقراطي يحتذي به الآخرون. وتدخلت في مصر لمنع سقوط نظام حسني مبارك كله، وحصرت التغيير بازاحة حسني مبارك عن الحكم مع ترك نظامه فاعلا في الساحة السياسية. وقد فتحت السعودية ابوابها للحكام المخلوعين لمنع تفاقم الازمات، ومنع حصول التغييرات الجوهرية التي تنشدها الشعوب قبل ان تصل الى حدود دول مجلس التعاون الخليجي.
لقد سعى تحالف قوى الشر المتمثلة بالسعودية والامارات والعصابة الخليفية لمنع حدوث تغيير جوهري في المنظومة السياسية اليمنية، فما ان هب شعبها للتغيير حتى قام تحالف قوى الثورة المضادة بطرح ما سمي “المبادرة الخليجية” التي اكتفت بتغيير شخص الحاكم، علي عبد الله صالح، مع ابقاء نظامه برئاسة عبد ربه منصور هادي. هذه المبادرة كانت ضعيفة منذ البداية ولا تتضمن تغييرا جوهريا، وانحصرت بابعاد شخص الرئيس علي عبد الله صالح، بينما عمدت للسيطرة على البلاد من خلال عملائها المحليين واستهداف المجموعات المسلحة المحلية مثل جماعة انصار الله التي يقودها السيد عبد الملك الحوثي. وبعد بضع سنوات من ازاحة علي عبد الله صالح عن الحكم ورئاسة نائبه هادي، تغيرت المعادلات الداخلية واصبح هناك رفض للمبادرة الخليجية التي اعتبرت جزءا من مشروع “الثورة المضادة”. وجاء التحرك الشعبي في العام 2014 ليسقط الورقة الخليجية، ويسيطر على اغلب مناطق اليمن بما فيها العاصمة صنعاء. بهذه السيطرة اصبحت جماعة “أنصار الله” القوة المسلحة الاولى القادرة على حفظ النظام والامن، فقامت بتشكيل حكومة من القوى الصامدة التي رفضت مسايرة السعودية والامارات. وتحت عنوان “اعادة الشرعية” تحركت فلول العدوان لضرب اليمن وتدمير شعبه وحضارته، وتمزيق شعبه. . شعر تحالف قوى الثورة المضادة بالهزيمة، فشن عدوانه الوحشي على اليمن في محاولة يائسة لتغيير الوضع الراهن، والقضاء على جماعة انصار الله وتكريس الهيمنة السعودية – الاماراتية على اراضي اليمن خصوصا بعد ان عمدت ابوظبي للسيطرة على كافة المنافذ المطلة على باب المندب. واستمرت الحرب حتى الآن اربعة اعوام عجاف لم تستطع السعودية المدعومة من امريكا واوربا تحقيق نصر يذكر، بل خسرت المئات من الجنود واصبحت المبادرة العسكرية بايدي جماعة انصار الله.
هذه الاطلالة على مسار التغيير في اليمن لا ينفصل عن مسار التغيير في البحرين، فكلاهما حدث بدعم قوى اجنبية بدوافع الطمع والجشع واثبات الوجود وبسط الهيمنة. ولم تعتقد قوى الثورة المضادة يوما بان عدوانها على اليمن سيصل الى ما وصل اليه الآن من جمود وركود ومصداق لفشل سياسي وعسكري. هذه السنوات الاربع ساهمت في اعادة صياغة ذهنية اليمنيين ذوي الاباء والشموخ، لترفض الاحتلال الخارجي المتمثل بعدوان قوى الثورة المضادة. يشعر اهل اليمن اليوم تحت قيادة عبد الملك الحوثي انهم اكثر امنا واستقلالا وقربا من تحقيق المطالب الشعبية التي تؤدي لقيام نظام سياسي ديمقراطي بعيدا عن الاملاءات الخارجية. لذلك مطلوب من الشعوب التي غلبت على امرها وقمعت ثوراتها اعادة النظر في الموقف ازاء هذا التحالف الشرير الذي استخدم كافة الوسائل القذرة لضرب اكبر مشروع تغيير عربي في العقود الاخيرة. هذا التحاف يمارس كافة اساليب التضليل والافساد المالي والاخلاقي والقيمي لمنع التغيير وبث روح الاستسلام والخنوع لدى الجماهير بدعم صهيوني غربي ماكر. هذا الدعم يقدم في مقابل ترويج التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي والهيمنة الغربية على المنطقة. فهل هذا ما كانت الشعوب العربية تطمح لتحقيقه عندما تحركت قبل ثمانية اعوام مطالبة بالتحول الديمقراطية وانهاء حقبة الاستبداد والديكتاتورية؟ شعبنا البحراني اثبت انه الاكثر وعيا وصمودا وإدراك وصدقا لدماء الشهداء وتمسكا بثوابت الامة من الحرية والاستقلال والاخوة، ولذلك رفض هذا التحالف الشرير وصمد ثمانية اعوام متواصلة، وسيواصل هذا الصمود حتى يحقق مطالبه بعون الله تعالى.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، وفك قيد أسرانا، وتقبل قرابيننا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
29 مارس 2019