والذي خبث لا يخرج الا نكد
نظام السعودية يصفي 37 بريئا ضمن حربه على الحرية
سبعة وثلاثون رجلا وشابا ويافعا من ابناء الجزيرة العربية قطعت رؤوسهم كالاضاحي في وقت اعتقد البعض ان السياف السعودي قد افتضح امره قبل ستة شهور وانه سيتوقف عن الافاعيل التي يمارسها بحق الابرياء. ما أبسط الطيبين من ابناء امتنا الذين اعتقدوا ان تقطيع جثة جمال خاشقجي بالمنشار الكهربائي قد وضع حدا لبطش ولي العهد السعودي الشاب الذي رآى لعاب حكام الغرب يسيل طمعا في ما استحوذ عليه من مال الامة. ما أطيب قلوب الكثيرين الذين صدّقوا تظاهر الغرب باهتمامه بالقضية سببا لوقف الاضطهاد الذي يمارسه جلادو الجزيرة العربية بحق ابنائها. وهو الاضطهاد الذي دفعهم في الثاني من يناير 2016 لاعدام الشهيد الشيخ نمر باقر النمر. يومها لاذ “العالم الحرب” بالصمت ازاء تلك الجريمة الشنيعة التي هزت ضمائر اهلنا في شرق الجزيرة العربية والبحرين. كان ذلك الطود الشامخ صوتا للمظلومين الذين خرجوا بالآلاف في شوارع البحرين مطالبين بالتغيير. لقد تحولت ثورة شعبنا الى هاجس يرعب الظالمين والطغاة، فلم يعد المشاركون فيها هم المستهدفين فحسب، بل كل من روج لها او تعاطف معها او دعمها بالكلمة او المال. فاعتبر طغاة التحالف الشرير المناهض لثورات الشعوب، كلماتها وشعاراتها “ارهابا” يحكم من يتفوه بشيء منها بالاعدام او السجن او الابعاد. لقد كان حقد الديكتاتوريين على ثورة الشعوب اعمق مما يتصوره العقل. فالهتافات التي هزت ارض ميدان اللؤلؤة لم تبارح آذان الظالمين الذين ولغوا في دماء العرب والمسلمين عقودا. وبعد ان استطاعوا احتواء انتفاضات الشعوب بقيت ثورة البحرين وحدها التي تجلجل اصداؤها في مسمع الزمن، فتمردت على الزمان والمكان بكل جدارة وتواصلت على مدى ثمانية اعوام برغم القمع والاضطهاد والانتقام.
سيسجل التاريخ ان الثالث والعشرين من ابريل 2019 كان واحدا من ايام الله، فقد صعدت فيه ارواح ثلة طاهرة من البشر الى ربها بعد ان حزب سيافو البيت السعودي رقاب اصحابها. بدا العالم غير آبه بما حدث، فكأن هؤلاء الضحايا بلا قيمة او شأن او انسانية، والله سبحانه وتعالى يقول: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم، وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا أليما”. استيقظ ابناء الجزيرة العربية على صيحات التكبير والتهليل تنطلق من اوداج الشهداء السبعة والثلاثين، لتدك قلاع الظلم والكفر والاستبداد والديكتاتورية ولتحرك اجساد النائمين على انغام مأساة كبيرة حصدت ارواح ثلة من خيرة البشر.كانت الاصوات مرعبة، فهي تنبعث من جوف تزدحم فيه الآهات والافكار ويتصل اهلها بخالق السماوات والارضين يطلبون منه الفرج العاجل لتخليصهم من براثن طغاة العصر. في الزمن الرديء تحول صعاليك الجزيرة العربية الى “ملوك” يتصرفون في عباد الله بالفحشاء والمنكر ويؤكدون توحشهم بلا حدود. يعرف طغاة آل سعود ان النفر الذين قطعوا رقابهم كانوا من خيرة الشباب والعلماء، وانهم انما رفعوا لواء الاصلاح بدون ان يمارسوا شيئا من الفساد الذي يمارسه الارهابيون المتخرجون من جامعات التكفير والارهاب السعودية. ولذلك عجلوا بضرب رقاب الضحايا بدون توقف او تأمل اوتردد. انها الروح الشيطانية التي ترى في فناء الجنس البشري شرطا لبقاء عروشهم المنهارة. لقد تقمص الخليفيون الروح الاموية التي تمردت على سبط رسول الله ومزقت احشاءهم في كربلاءبدون رحمة او رأفة.
لقد كان يوما مزدحما بالآهات والنفثات، ومصدر امل للمظلومين والمستضعفين، وعنوان نصر مؤزر للامة التي بقيت حتى الآن خارج الزمن، في ظل حكم الاستبداد والظلم والارهاب. السعوديون كانوا قد اتخذوا، مع الاماراتيين والاسرائيليين، قرار تصفية الوجود الاسلامي في كافة البلدان العربية، حتى التي انتصرت شعوبها على الاستبداد والظلم. وللمرء ان يتصر حجم الخسائر البشرية والمادية التي منيت بها البشرية لتلبية حاجات بعض المنتفعين والساذجين. تقدم الشهداء الى المقاصل بنفوس هادئة وخطى بطيئة، ربما بانتظار وصول ذويهم للتوديع الاخير. ولكن الطغاة حرموهم من كافة متع الدنيا واصروا على تقديمهم للغافلين انهم “ارهابيون”. كان الواحد منهم يشعر بعظمة الموقف وهو يتوجه الى المقصلة، عارفا انه لم يبق من دنياه الا بضع دقائق، يرتفع بعدها الى الملكوت الاعلى.
يظن طغاة السعودية والامارات والبحرين ان القتل سيكون رادعا حاسما ضد اية محاولة للتغيير، فما ابعدهم عن الصواب. ويكفي للتدليل على خطأ هذا الافتراض استحضار بعض جرائم القتل التي مارستها هذه الانظمة بحق الابرياء من شعوبها، لتتضح حقيقة مهمة ان الاضطهاد والتعذيب والقتل لا تكسر همم الرجال ولا تمنع حدوث التغيير. وتؤكد التطورات ان العكس هو ما يحدث. فكلما تضاعف حجم الظلم السلطوي واريق المزيد من الدم توسعت دائرة الغضب وتصاعدت وتيرة التمرد ورخصت النفوس في سبيل التغيير. في العام 1988 اعدم السعوديون 16 من الحجاج الكويتيين بتهم واهية، فلم يمر عامان بعد ذلك الا وشهدت مملكة الصمت اصعب تحد لها منذ وجودها، متمثلا باجتياح القوات العراقية اراضي الكويت وتهديد منظومة مجلس التعاون الخليجي. كان ذلك اهانة شديدة لنظام حكم يتظاهر بقوته الذاتية، ولكنه وجد نفسه مرغما على الاستعانة بالقوات الاجنبية لانقاذ منظومته السياسية واخراج القوات العراقية من الكويت. وتواصلت حملة الاعدامات في الجزيرة العربية بمعدلات تزداد عاما بعد آخر، حتى بلغ عددها قرابة الـ 300 حالة اعدام سنويا. وفي يناير 2016 ارتكب آل سعود جريمة قتل الشيخ نمر النمر في تحد واضح للدين والعلم والانسانية، فكان الرد الالهي اهانتهم في العدوان على اليمن وسقوط المئات من جنودهم قتلى في ذلك البلد، برغم الفارق الهائل في الامكانات العسكرية والمادية. درس قرآني آخر للعقوبة الالهية في الحياة الدنيا لم يستوعبه القتلة والسفاحون. وقبل سبعة شهور دفع الغرور والصلف ولي عهد السعودية لارتكاب جريمة مقززة في وضح النهار، فبعث فريقا من جلاوزته لقتل الاعلامي جمال خاشقجي بمبنى القنصلية السعودية في اسطنبول، بطريقة وحشية استخدم فيها منشار كهربائي. وما تزال خيوط تلك الجريمة تلف عنق المسؤولين السعوديين برغم محاولات الادارة الامريكية غلق صفحتها..
اما حكام البحرين فلم تقم لهم قائمة بعد سقوط مصداقيتهم ووجودهم في غضون شهر واحد من ثورة 14 فبراير. واصبح وجوهم مرتبطا بشكل وثيق بوجود قوات اجنبية سعودية واماراتية على ارض البحرين. واصبح ديكتاتور البحرين عبدا لحكام السعودية والامارات بدون شخصية او كيان مستقل. وانتقاما لهزيمته الكاملة عمد للانتقام من رموز الشعب وعلمائه ومفكريه ونشطائه، ولكن سرعان ما اتضح ان اجراءاته القمعية لا تؤدي للهدف الذي يسعى له. فالشعب يواصل ثورته بالاحتجاجات اليومية والنشاط السياسي والحقوقي في الداخل والخارج. وبالغ هذا الديكتاتور في سياساته الانتقامة ومنها سحب هوية المواطنين الاصليين، واستبدالهم بمجنسين ياتي بهم من الخارج. وتصاعدت النقمة الدولية ضده، ففاجأ منتقديه باصدار قرار باعادة الجنسية لـ 551 بحرانيا. هذا القرار املي عليه من قبل داعميه، ولن تكون له جدوى عملية. ويعرف الضحايا معنى ذلك. فسوف يبقى الشعب معرضا للتهديد المتواصل وستبقى الجنسية سلاحا يستخدمه الحكم ضد مناوئيه بوحشية مفرطة. هذا بالاضافة لقتل العشرات من المواطنين واصدار احكام الاعدام بحق اعداد متزايدة من السكان الاصليين. الحكم الخليفي اصبح عدوا للشعب البحراني بدون حدود، يسعى لاستبداله بشعب آخر يستورده من الخارج، ويستهدف رموزه ويقضي على شبابه ويقتلع الامل من نفوس ابنائه.
هذه الاجراءات جميعا لن تمنع حدوث التغيير، بل ستدفع الكثيرين من الاحرار للشعور بالكرامة والاحساس بضرورة مواصلة الحركة المطلبية حتى تحقيق الاهداف المرجوة. انه طريق طويل محفوف بالخطر والتضحيات، ولكن ليس هناك بديل لذلك، فالعودة مجددا للتعايش مع عصابة تمارس الجريمة بحق الوطن والشعب كل يوم ليس خيارا ابدا. ان سياسات التصفية التي يمارسها السعوديون والخليفيون قد استنفذت اهدافها ولم تستطع القضاء على الرغبة في التغيير والتضحية من اجل ذلك. قد يتأخر التغيير ولكنه آت بعون الله تعالى، فذلك قدر المجاهدين والصابرين والصادقين، وكلها من سمات شعب البحرين الاصلي (شيعة وسنة).
اللهم ارحم شهداءنا الابرار واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
26 ابريل 2019