شعب صائم وثائر ومعطاء لن تهزمه قوى الثورة المضادة
وتتواصل ايام شهر رمضان المبارك ولياليه، فيستحضر المواطنون مدلولاتها وذكرياتها. فقد أحيا الشعب ذكرى وفاة السيدة خديجة بنت خويلد، زوجة رسول الله وشريكته في توطيد دعائم الاسلام وام المؤمنين ووالدة فاطمة الزهراء عليها السلام، واستحضر البعض دورها كامرأة شريكة لمحمد بن عبد الله عليه افضل الصلاة والسلام في مشروعه التحرري التغييري، وكيف انها ضحت بما لديها من اجل ذلك. خديجة الطاهرة خلدها التاريخ بحروف من نور لمواقفها التي بدأت باعتناق الاسلام كأول امرأة فعلت ذلك. ومع اقتراب النصف من رمضان يستذكر المؤمنون مولد الامام الحسن بن علي عليه السلام الذي تصدى للحكم التوارث الاستبدادي الذي دشنه معاوية بن ابي سفيان وحول مسار التاريخ الاسلامي ليصبح محكوما بالقبائل بدلا من نظام الحكم الذي اراده الاسلام والذي يمنح الناس حق الادارة اليومية في ظل التشريع الاسلامي. ومن الضرورة بمكان ان يستوعب شعبنا معاني هذه الذكريات ومدلولاتها ليواصل حراكه من اجل التغيير مستوحيا منها ما يشد ازره في مسيرته الطويلة من اجل الحرية والعدل. والأمل ان يستوعب المواطنون اهمية التضامن الاجتماعي خصوصا في شهر رمضان المبارك، فيحوطون عائلات الشهداء والسجناء بالرعاية والاهتمام والتقدير. كما نأمل ان يعي المسلمون معاني التقوى التي هي الغاية من الصوم كما نصت عليه آية فرض الصوم “يا ايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”. هذه التقوى تتعمق في النفس حتى تصل مستوى الانسلاخ من كل خوف او خشية الا من الله سبحانه وتعالى، وعندها يتحقق مفهوم الحرية التي يجدر بهؤلاء المؤمنين العمل من اجلها. فلا يمكن تحقيق العبادة الكاملة في ظل الاستبداد والاستعباد والجور.
يخطيء من يعتقد ان الخليفيين يمتلكون سيادة حقيقية على البلاد او انهم يصنعون القرارات السياسية الكبرى بشأنها. فمنذ ان اسقطهم الشعب عمليا بثورته في الشهر الاول من ثورة 14 فبراير استقدموا الاجانب لانقاذهم واسناد طاغيتهم على كرسي الحكم، فسقطوا كقوة سياسية فاعلة واصبح وجودهم معتمدا على دعم قوات الاحتلال الجديدة بالاضافة لمصدر الدعم الامني الاساس (بريطانيا). اصبح الخليفيون وكلاء للاجانب مكلفين بتنفيذ اوامرهم بشكل كامل. وقد اكد الخلاف الذي ظهر الى السطح مؤخرا بين الديكتاتور وعمه امورا عديدة اكدت النظرية المذكورة، منها ما يلي:
اولا: ان ايا من الطرفين المتنازعين لا يملك اي قرار حول المسار السياسي المحلي. فظهور خليفة بن سلمان الى السطح فجأة انما كان محاولة لاستعادة الدور الذي سلبه منه ابن اخيه. فهو رئيس وزراء بالاسم فقط، والطاغية هو الذي يعين الوزراء الذين ينفذون اوامر ديوانه ويأتمرون بأمره ويعلمون ان رئيسهم لا يملك من القرار شيئا. فالبوق الخليفي (وزير خارجيتهم) مثلا يستلم اوامره من الديوان، وكذلك وزراء الداخلية والعدل وسواهما. وليس لدى خليفة من نصير سوى محمد المطوع الذي لا يملك من السلطة شيئا بل هو عبد مأمور. وجاء تواصل خليفة بن سلمان مع سماحة السيد عبد الله الغريفي في سياق محاولاته اثبات الوجود او السعي لاسترداد شيء من الصلاحية، واظهار قدرته على مد الجسور المقطوعة مع الشعب. ولكن خطوته باءت بالفشل، فقد قرر الطاغية حصر ما سمي “العقوبات البديلة” بالسجناء الجنائيين فقط ولا تشمل السياسيين. وقد أصرت القوى الثورية على رفض تلك العقوبات وحذرت منها مؤكدة انها أسوأ من السجن لانها تحطم معنويات السجين المحاصر في منزله والخاضع لاجراءات مشددة تكسر ارادته وتشعره بالوحدة والاستعباد وتضاؤل قيمته الانسانية. ثم جاء تواصل خليفة بن سلمان مع دولة قطر في السياق نفسه. وبدلا من تقوية نفوذه بهذه التحركات ازدادت عزلته واصبح مغضوبا عليه من الامارات بشكل خاص. فالامارات تتأهب للانقضاض على الكيان القطري لضمه للامارات ان استطاعت الى ذلك سبيلا. وهكذا عادت مبادرات خليفة بن سلمان عليه بالفشل، فيما أصر الشعب على مواصلة درب الكفاح السلمي حتى يتم التخلص من العصابة الخليفية المجرمة بدون تراجع او مساومة.
ثانيا: الامارات هي التي تتحكم كما تشاء حتى في ملفات البحرين الداخلية. ولذلك شعرت بغضب شديد عندما اتصل خليفة بن سلمان بحكومة قطر، وشطبت عليه بشكل كامل. وليس مستبعدا ان يتم اقصاء خليفة بن سلمان من منصبه بعد ان اظهر تحديا لابن اخيه وداعميه، الامر الذي لا يمكن ان يمر دون عقاب. وثمة ضغوط على الطاغية لاتخاذ موقف حاسم بانهاء عهد عمه في الحكم، مهما كلف ذلك. وفي الوقت نفسه تسعى بريطانيا للابقاء على البحرين كقاعدة لها وموقع نفوذها الاساس في الخليج، تارة بشكل مباشرواخرى عن طريق الامارات. بريطانيا تمارس هيمنة مطلقة على البحرين، وربما هي التي تأمر طاغيتها بزيارة لندن لتقوية وجوده للتعتيم على ضعفه وخوره، ولا يملك حق رفض الزيارة، فهو عبد مأمور لانه سلم البلاد لغيره فسقطت هيبته واصبح جسدا له خوار بدون روح. وجاء حضوره الاخير دورة سباق الخليل بمدينة وينزسور ليؤكد اصرار البريطانيين على اظهاره على غير حقيقته من حيث الضعف والخور والرفض الشعبي لحكمه. وجاء تحرك خليفة بن سلمان خارج توافق البيت الخليفي نتيجة شعوره اليائس والمحبط، الامر الذي زاده عزلة. ثم جاء اجتماع بعض اعضاء مجلس الطاغية مع سماحة السيد عبد الله ليزيد الوضع تعقيدا ولينال من مصداقية المشاركين في ذلك اللقاء الخاوي من اي معنى، وليكشف تعقيدات ازمة البحرين على كافة الصعدان. اما القوى الثورية فهي الاكثر تحررا من هذه العقد والاقوى اصرارا على التغيير الشامل، والاقل اهتماما بالسعي لاسترضاء الخليفيين.
ثالثا: ان حل ازمة البحرين ليست بايدي الخليفيين ابدا، بل اصبحت قضايا المنطقة مترابطة وشعوبها مضطهدة بشكل غير مسبوق. فهناك حملة شعواء على الاسلاميين بشكل خاص، شيعتهم وسنتهم، وتسعى قوى الثورة المضادة التي تضم السعودية والامارات ومصر والخليفيين والكيان الاسرائيلي، لسحقهم تماما، كما تستهدف القوى الوطنية الاخرى التي تطالب بالتغيير. ويؤكد ذلك اقدام الخليفين على اعتقال مواطنين محسوبين على تيار الاخوان المسلمين مثل ابراهيم الشيخ ومحمد خالد، وعلى الوطنيين مثل عبد الله هاشم. فالامارات تعادي الاسلام السياسي بلا حدود، والسعودية ايضا. مع ذلك فان نضال شعبنا والشعوب العربية الاخرى ضرورة لمنع هيمنة تلك القوى على المنطقة. فبرغم التحالف القائم بين هذه القوى الشريرة الا ان عوامل ضعفها مختزنة في علاقاتها الخارجية المضطربة من جهة وفي صراعاتها البينية التي ستتفجر الى العلن في وقت غير بعيد من جهة اخرى.
ان شعبنا الذي انطلق في ثورته في 14 فبراير يؤمن بحتمية انتصاره على اعداء الوطن، فهذه هي النتيجة الطبيعية لكفاحه المتواصل، ويتمنى ان لا يقوم احد باعادة خيوط التواصل مع الخليفيين الذين لفظهم شعب البحرين واصر على انهاء حقبتهم في الحكم. انه هدف نبيل قابل للتحقيق بشرط احكام القطيعة مع العصابة الخليفية ومع من يسعى لاطالة امد حكمها. الشعب ثار من اجل التغيير الشامل، ولن يسمح لاحد بالتشويش على اهدافه الجوهرية، ويأمل ان يتمتع المواطنون جميعا بالصبر والصمود على ذلك الطريق، فما ضاع حق له مطالب، والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
17 مايو 2019