شعب البحرين يتنصل من الخيانة الخليفية
الصفقة الخاسرة: ستهزممها فلسطين بدعم امة العرب والمسلمين
لمن نكن نريد لوطننا ان يكون مزبلة يرمي الآخرون فيه قاذوراتهم، فهي ارض الايمان والعلم والعلماء، وهي ارض الاحرار والمناضلين وموطن الشهداء والثوار. ولذلك فحين يقرر محتلوها ان يزيفوا هويتها باحتلالهم الغاشم، ويستقبلوا فيها كل محتل آثم فان ألمنا يتضاعف وشعورنا بالأسى والكأبة لا يعادله شيء. وعندما انطلقت ثورة شعبها في 14 فبراير 2011 كان على رأس اهدافهم تطهيرها من الذين باعوها بثمن بخس للآخرين في مقابل بقائهم على كرسي الحكم ظلما وعدوانا. لم يكن الشعب مازحا في ثورته تلك، بل كان يعلم ثمن الحرية التي يصبو اليها، فقدم من اجلها الشهداء بدون حساب، وبرموزه الكبار الذين كانوا امام واحد من خيارين: الاستسلام او السجن، فقال كل منهم: رب السجن أحب الي مما يدعونني اليه. سارت جحافل الابطال زرافات ووحدانا نحو الهدف، متوكلين على الله، لا يرجون الا وجهه، ولا يطمعون في شيء سوى كسب رضاه. كانت الامة المقهورة المظلومة نصب اعينهم، فاستسهلوا الصعوبات ورضوا بالتضحيات، وصمدوا في ساعة الشدة، فكان ما كان. يعلمون ان للظلم صولة قد تطول، ولكنهم واثقون ان العاقبة للمتقين وان دولة الظلم ساعة ودولة الحق الى قيام الساعة.
البحرين حولها الطغاة اليوم الى بوابة للاستسلام والخيانة امام اعداء الامة. وحيث انهم فقدوا كرامتهم وقرارهم منذ ان استدعوا قوات الاحتلال الاجنبية للاستعانة بها على ابناء الشعب البواسل، فقد تحولوا الى عبيد أذلاء امام اشباه الرجال الذين ترتعد فرائصهم امام اعداء الامة ولكنهم يستأسدون على الشعوب المغلوبة على امرها. البحرين ممثلة بشعبها البطل الشهم، هي التي استقبلت الحاج أمين الحسيني في 1936 ممثلا لفلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني آنذاك. شعب البحرين يشعر دائما بانتمائه لامة العرب والمسلمين، يعيش آلامها وأمالها، ويحتضن فلسطين بقلبه ووجوده. هذا الشعب هو الذي رفض في العام 1948 قبول دعوة قائد السفينة الامريكية التي رست في مياهه، عندما دعاهم لحفلة على ظهرها، ووقع اعيانهم رسالة وجهوها له قائلين: اننا نرفض قبول الدعوة لان امريكا اعترفت بالكيان الاسرائيلي. اولئك الاعيان عبروا عن حقيقة مشاعر الوطن والشعب، واعربوا عن رفضهم كيان الاحتلال بشهامة وأنفة وكرامة. شعب البحرين هو الذي نزل في نهاية اكتوبر 1956 الى الشوارع محتجا ضد العدوان الثلاثي على مصر، الذي اشتركت فيه كل من بريطانيا وفرنسا الى جانب “اسرائيل” لاحتلال قناة السويس. وهو الذي لم تنم له عين في الايام الستة التي استغرقتها حرب حزيران في 1967، بل ترك طلابه قاعات الامتحان ليتظاهروا محتجين ضد الاحتلال والدول التي تدعمه.
هذا الشعب الأبي يشعر بالحسرة والألم ويتفجر غيظا عندما يرى ارضه ساحة لاستقبال المحتلين الذين فتح الخليفيون لهم الابواب على مصاريعها لحضور المؤتمر الخياني الفريد الذي فرضه تحالف قوى الثورة المضادة على الامة. هدف هذا المؤتمر انهاء القضية الفلسطينية بشكل دائم والغاء مشروع الدولة الفلسطينية، وغلق ملف الصراع الذي كان مصدر الهام للثوار ودعاة التغيير في المنطقة. وثمة نقاط عديدة يجدر ذكرها ذات صلة كما يلي:
اولا: ان المؤامرة على القضية الفلسطينية هذه المرة كبيرة ومتعدة االاطراف. فهي لا تقتصر على الولايات المتحدة التي ما برحت داعمة للصهاينة ومعادية للعرب والمسلمين ومصرة على الحفاظ على التفوق العسكري الاسرائيلي، وملتزمة بالحفاظ على ما تسميه “أمن اسرائيل”، بل تضم اطرافا عربية في مقدمتها السعودية والامارات. وهذا تطور خطير. ففي السابق كانت المبادرات الامريكية تترك لواشنطن وحدها بينما تبدي هذه الاطراف تحفظاتها على اي مشروع تصفوي. ولكن في هذه المرة تم توسيع دائرة التآمر لضمان نجاح خطة تنفيذ المؤامرة الخطيرة التي تعتبر جريمة ضد الانسانية، وتحديا للقرارات الدولية وتجاوزا للامم المتحدة والرأي العالم العالمي المناصر لقضية فلسطين.
ثانيا: ان الاغراءات المالية هي السلاح الاول لفرض الخطة الامريكية المدعومة من قوى الثورة المضادة. ووفقا لما رشح عما سمي “صفقة القرن” فان الاموال السعودية خصوصا من السعودية والامارات ستستخدم لاغراء ذوي النفوس الضعيفة من الفلسطينيين والانظمة العربية المعنية بالقضية، للقبول بالمال في مقابل التنازل عن ارض المعراج. هذه الاموال ستصرف على بناء مدن جديدة في سيناء وربما الاردن لتوطين من يريد العودة من فلسطينيي الشتات. بينما سيسمح للكيان الاسرائيلي بالاستيلاء على مساحات واسعة من الضفة الغربية والسماح ببناء المزيد من المستوطنات، وتهميش دور السلطة الفلسطينية وربما العمل على الغائها اذا اعتضرت على المؤامرة البشعة. المال العربي هذه المرة يستخدم سلاحا ضد القضية الفلسطينية ولتسهيل بيع ارض المعراج والمسجد الاقصى والتاريخ العربي الاسلامي في فلسطين.
ثالثا: ان تمرير الصفقة يقتضي خلق اجواء مؤاتية، وفرض صمت اعلامي لمنع اي صوت معارض. ولذلك افتعلت ادارة ترامب الازمة مع ايران لإلهاء المنطقة بالنزاع معها فيما يتم فرض المؤامرة على الواقع. ويتضح الآن ان قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران اتخذ في وقت مبكر كخطوة ضرورية لافتعال النزاع مع الجمهورية الاسلامية. ولوحظ حماس الدول التي اصبحت شريكة في المؤامرة وتحريضها امريكا على الانسحاب من الاتفاق. وما قرع طبول الحرب الا خطوة واحدة على طريق تهيئة الاجواء وتوفير ظروف تمرير الجريمة. يضاف الى ذلى كافة التصنيفات التي اصدرتها ادارة ترامب ومنها وضع جهات عديدة على لائحة الارهاب مثل حزب الله اللبناني والحرس الثوري الايراني وحماس والجهاد الاسلامي وربما جماعة الاخوان المسلمين. يضاف الى ذلك فرض سياسات خطيرة لمصادرة حرية التعبير على نطاق واسع في الدول المشاركة في الجريمة واصدار قوانين صارمة تقضي بسجن من يعترض علنا على المؤامرة او يشجب الحكومات المشاركة فيها. فان نطق احد من المواطنين بكلمة اعتراض ضد المؤامرة، او بث تغريدة على وسائل التواصل الاجتماعي اصبح مخالفا لـ “القانون” واعتقل وتعرض للتنكيل. وقد طبقت هذه القوانين بتوحش على شعوب البحرين والسعودية والامارات ومصر، حتى اكتظت السجون وتوسعت دائرة الاعدامات.
رابعا: عندما احتاج إقرار المؤامرة علنا لمؤتمر موسع، اختيرت البحرين لعقد المؤتمر على اراضيها. لماذا؟ لان المؤامرة قبيحة وقذرة وجريمة لا تغتفر، ولا تريد السعودية او االامارات تصدر المشهد كاطراف علنية شريكة في تلك المؤامرة. والعصابة الخليفية هي الحلقة الاضعف في التوازن السياسي الاقليمي لانها تعتمد في وجودها وامنها على الدعم الانجلو – امريكي وقوى الثورة المضادة التي تضم السعودية والامارات ومصر والعصابة الخليفية بالاضافة للكيان الاسرائيلي. البحرين، ارض الايمان والطهر والنقاء وعشق فلسطين تم اختيارها لكسر شوكة اهلها ولان حكومتها هي الاضعف والاكثر عبودية للقوى الاخرى ولا تملك سيادة على البلاد، وليس بامكان الخليفيين الادلاء باي رأي بل عليهم تنفيذ الاوامر بحذافيرها بدون تردد او مساءلة.
هذه بعض الحقائق ذات الصلة بالجانب العملي لوضع المشروع الامريكي الرهيب الذي اطلق عليه “صفقة القرن” موضع التنفيذ. وتأتي هذه التطورات بعد إجهاض الربيع العربي ومنع مشروع التغيير الذي كان سيؤدي لتغيير واسع في المنطقة ويطيح بانظمة الاستبداد التي تعتمد على الدعم السياسي والعسكري والامني الغربي لبقائها. فالتحالف الشرير الذي يستهدف المنطقة وسيادتها وشعوبها واستقرارها واستقلال قرارها تغول كثيرا في ظل القوانين القمعية وفرض احكام الطواريء وتحييد منظومة حقوق الانسان وتخلي الغربيين عن مبادئه وقيمه خصوصا ازاء الديمقراطية وحقوق الانسان. وحتى الآن لم تظهر اعتراضات ذات شأن ضد “صفقة القرن” سوى من الشعب البحراني الذي تدفعه بصيرته للتعرف بشكل حقيقي على استيعاب ما يجري حوله. وثمة بعض الفصائل الفلسطينية التي فوجئت بالمؤتمر المذكور في البحرين من حيث سرعة عقده وسعة دائرته وهدفه الجوهري المتمثل بالاجهاز النهائي على القضية الفلسطينية وفقا للمنظور الامريكي والاسرائيلي.
ولكن برغم الاضطهاد والقمع والتنكيل والقوانين التسلطية فقد آلى شعب البحرين على نفسه ان لا يسمح للعصابة الخليفية باستخدام البحرين منطلقا للمؤامرات الشريرة او التآمر ضد قضية الامة المحورية التي صمدت سبعة عقود متواصلة وتنطوي على عناصرالنصر وتحظى باحترام شعوب العالم ودعمهم. سيتواصل رفض الصفقة المشؤومة ورفض عقد المؤتمر الآنف الذكر على ارض البحرين الطاهرة. والامل ان تستوعب الشعوب الاخرى خطر الموقف وتنطلق للتصدي له ومنع وقوع محاذيره. هذا هو موقف شعبنا البحراني الاصيل الذي كان وما يزال وسيستمر وفيا لقضايا امته ودينه وانسانيته. فالصمود افضل الخيارات ورفض المنكر واجب اسلامي وانساني، والله غالب على امره، ولكن اكثر الناس لا يعلمون.