مع الثورة السودانية من اجل التغير والتصدي لقوى الثورة المضادة
بارك للمسلمين عامة وشعبنا البحراني المظلوم حلول عيد الفطر المبارك، جعله الله منطلقا لتجديد روح الثورة والتغيير.
احتفت امة المسلمين بعيد الفطر المبارك بعد ان اكمل ابناؤها فريضة الصوم خلال شهر رمضان الفضيل الذي ذاع صيته في الآفاق بسبب انتشار المسلمين في بقاع الارض. وبعث رؤساء الدول الكبرى رسائل تبريك لشعوبهم ولعامة المسلمين بحلول العيد، وفي ذلك اعتراف بدور هذا الدين في حياة العالم. وفي البحرين استقبل العيد بمشاعر اختلطت فيها الغبطة بالحزن، والتعب بالامل. فهو مناسبة لا يستطيع احد تجاوزها او تجاهلها خصوصا بعد ان يؤدوا صلاة العيد ويقرأوا فيها الدعاء المشهور: اللهم بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا”. ولكن المشاعر تفرض نفسها على الانسان. فلا يمكن اجباره على اظهار الفرح عندما يكون في مصيبة او ألم. وشعب البحرين يعاني من آلام مبرحة ناجمة عن استمرار الخليفيين في حكم البلاد بالقوة والاكراه، وليس بارادة الشعب المظلوم والمستضعف. فهل يستطيع احد اجبار عائلة الشهيد علي جواد الشيخ على اظهار الفرح يوم العيد؟ الشهيد علي قتله الخليفيون يوم عيد الفطر (الذي صادف 31 اغسطس 2011). وهو اليوم نفسه الذي حل فيه عيد الفطر هذا العام. هل يستطيع احد اجبار والدته على الفرح والاستبشار وهي تتذكر كيف صكت اسماعها انباء قتل طفلها الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة لحظة استشهاده؟ هل يمكن لاحد ان يفرض على عائلات الشهداء عبد الكريم فخراوي او علي صقر او جاسم مكي محم او العشيري اظهار الفرح وقد راوا أجساد ذويهم مقطعة بالتعذيب الوحشي؟
مع ذلك لعق الكثيرون جراحهم، وألوا على انفسهم ان لا ينسوا شهداءهم لحظة او يتنازلوا عن حق اهلهم في القصاص العادل من الطاغية وعصابته الذين ولغوا في دماء الشعب وسفكوها رخيصة بلا انسانية او مشاعر نبيلة. هذا الشعبق الصابر الممتحن خبر الشدائد وعانى الاهوال في ظل الاحتلال الخليفي، وتضاعفت معاناته تحت الاحتلال السعودي – الاماراتي. واصبح يفكر دائما بعقل منفتح ونفس انسانية ومشاعر نبيلة تجاه من يقاسون معاناة مثله. فقد وقف مع الشعب الفلسطيني ماضيا وحاضرا، ورفض الاحتلال الاسرائيلي، وخرج خلال شهر رمضان في مسيراته ضد الصهاينة ومن اجل القدس. ورفع صوته ضد التطبيع الخليفي مع محتلي فلسطين. ويعرف الطاغية وعصابته ان هذه المشاعر ستتحول الى موجة غضب جديدة تسحقهم وترمي بهم في مزبلة التاريخ. ولذلك عمد لتجريم دعاة الحرية والكرامة، وسعى لمنع وصول رسالتهم للشعب. واخيرا اصدر قرارات قمعية فاقعة تجرم من يتابع حسابات الاحرار وطلاب الحق، او يعيد نشر تغريداتهم. وبذلك أحكم الستار الحديدي المفروض على البحرين واهلها، فلا مكان لحرية التعبير اطلاقا، بل ان من يعبر عن موقفه فمصيره السجن والتعذيب وسحب الجنسية. فكل شيء من امكانات الدولة التي يفترض انها ملك الشعب ومن اجل حمايته، تم تحويلها لخدمة العصابة الخليفية والدفاع عن مظالمهم وجرائمهم التي يرتكبونها بدون توقف بحق الشعب. وبدلا من تسخير امكانات الدولة لتحسين مستوى معيشة المواطنين، يتم هدرها لحماية الخليفيين وعصاباتهم الاجرامية. شعب البحرين سيواصل دعمه فلسطين واهلها وقضيتها، وسيرفض الاحتلال الصهيوني بدون مواربة او مجاملة او تراجع، ولن تردعه الاجراءات الخليفية الطائشة، فانما هي مقدمات لسقوطه الابدي انشاء الله تعالى.
شعب البحرين تابع ايضا ما يجري في السودان، وتوقف عند العدوان العسكري على المعتصمين السلميين بهدف اجهاض ثورة الشعب السوداني. ولقد فهم اعداء التغيير ابعاد هذه الثورة، ورأوا فيها، ان نجحت، شرارة جديدة لثورات عربية تطيح بعروض الطغاة. العدوان الدموي على الثورة السودانية تكرار طبق الاصل للعدوان على دوار اللؤلؤة في البحرين في 17 مارس 2011، الذي كان باكورة تدخل التحالف السعودي – الاماراتي في شؤون الدول الاخرى وسعيه لبسط نفوذه على العالم العربي. وهو نسخة اخرى للعدوان على مسجد رابعة العدوية في مصر الذي ادى لاستشهاد مئات المصريين المعتصمين هناك. هذا العدوان المتكرر على قوى التغيير العربية من البحرين الى مصر فالسودان، نذير شؤم للعالم العربي وشعوبه، فالامارات اليوم تتصرف كدولة كبرى، تعيث في الارض فسادا، تحتل اغلب موانيء البحر الاحمر، وتحتل الجنوب اليمني كله، وتسعى للسيطرة على ليبيا بدعم المنشق مصطفى حفتر. وكانت قد سعت لبسط النفوذ على الجزائر بعد انهاء حكم الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة قبل ثلاثة شهور. ان لدى ابوظبي طموحا يفوق ما لدى اية دولة اقليمية اخرى. وما اثارة مقولة “التوسع الايراني” الا محاولة من قوى الثورة المضادة لصرف الانظار بعيدا عن تصرف هذه القوى في الاقليم، خصوصا الامارات التي تستخدم المال النفطي الهائل ودعم الكيان الاسرائيلي لتوسيع نفوذها على حساب الآخرين. والمعروف عن حاكم الامارات الفعلي اليوم انه عدو لحرية الشعوب والديمقراطية، وعدو لدود للتيار الاسلامي بشقيه السني والشيعي. وقد اكدت صحيفة “نيويورك تايمز” مؤخرا مشاعر الكراهية العميقة لدى ولي عهد الامارات، محمد بن زايد لكل من ايران والاخوان المسلمين، وهي كراهية تحولت لبرنامج عمل سياسي وامني وعسكري يهدف لمحاصرة تيارات الاسلام السياسي في العالمين العربي والاسلامي.
وهكذا يزداد المشهد السياسي العربي وضوحا في ظل التطورات المتواصلة في هذه المنطقة من العالم. هذا الوضوحي يكتنفه غموض ايضا حول مستقبل العالم العربي وشعوبه، وما اذا كان سينطلق مجددا لانهاء الحقبة السوداء التي سيطرت فيها قوى التخلف والاستبداد والظلام على المسرح السياسي بدون تردد. ان من الضرورة بمكان القيام بما يلي:
اولا: استيعاب حقيقة مشروع الامارات في العالمين العربي والاسلامي، واستيضاح مدى قوة تحالفها مع السعودية وما اذا كان هناك نقاط تماس ساخنة بينهما. فهل لدى الامارات مشروع سياسي حقيقي؟ ام انها اكثرطمعا في بسط النفوذ والنأي بالنفس عن الصراعات الداخلية؟
ثانيا: اعادة النظر في العلاقات البينية بين قوى التغيير العربية والاسلامية، والسعي لتجاوز سلبيات الحقبة الماضية التي استدرج فيه بعضها لانتهاج سياسات اضعفت صفوف قوى التغيير ومنها التطرف والمذهبية والطائفية. فمن يريد ان يغير وضعه عليه ان يتغير من داخله، فيصدق مع ربه ونفسه ولا يسمح لاحد بحرفه عن مسار استهداف الطغاة (ان الله لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بانفسهم). صمت الكثيرون عندما اجتاحت قوات التحالف السعودي – الاماراتي اراضي البحرين لتضرب ثورة شعبها، فساهموا في تقوية التحالف الذي وجه سلاحه لهم لاحقا.
ثالثا: اعادة النظر في كافة استراتيجيات التغيير لدى الاطراف المعنية بالتغيير في هذا العالم الذي بدا حتى الآن مستعصيا على ذلك. فهل ثمة مشروع لانهاض الشعوب العربية على ارضية عملية وسياسية متينة؟ هل هناك ما يشير الى ان مشروع قوى الثورة المضادة يتضمن اية محاولة لاحلال الديمقراطية في العالم العربي؟ ام ان بالامكان المساومة على ذلك الهدف والتعايش مع قوى الاستبداد؟ تجربة الثورة السودانية ستشكف الكثير من ذلك.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
7 يونيو 2019