اضراب السجناء خطوة اخرى على طريق الطلاق الابدي مع الخليفيين
عندما تدعو فصائل معارضة ومجموعات ثورية بحرانية لاسقاط النظام الخليفي فانها لا تطالب بامر غير منطقي او ممكن او انه يمثل وجهة نظر محدودة الانتشار. قد يكون الامر كذلك قبل انطلاق ثورة الرابع عشر من فبراير 2011، عندما اختلفت فصائل المعارضة حول المشاركة في المشروع السياسي الخليفي، وأصرت القوى الثورية على مقاطعتها بينما شاركت الجمعيات السياسية في تلك الانتخابات الصورية التي اثبتت فشلها لاحقا. اما بعد انطلاق الثورة فقد تغير الوضع جوهريا. ويوما بعد آخر تتضح معالم هذا الاختلاف. فقد حدثت مفاصلة سياسية ونفسية بين الشعب البحراني الاصلي (شيعة وسنة) والحكم الخليفي، وهي مفاصلة تاريخية ساهمت فيها امور كثيرة. من بين ذلك:
اولا: السادية التي تعاطى بها الخليفيون مع ثورة الشعب . فقد امعن الطاغية وجلاوزته في قتل المواطنين بدم بارد، واعتقلت عشرات الآلاف وعذبت الكثيرين، واسقطت الجنسية عن المئات وابعدت العشرات. ولم يكن خافيا ان وراء تلك الاجراءات نفسا حاقدة ضد كل ما هو بحراني، خصوصا ان حكم القانون تم تغييبه، وانهال الديكتاتور على الشعب بالانتقام القاسي انتقاما لكرامته التي اهدرتها الثورة. فهذا الحاكم شعر بالاهانة من المظاهرات التي تخرج يوميا وشعارها الجوهري “يسقط حمد”. فكيف يستطيع حاكم ان يدعي للآخرينتمثيله الشعب الذي يحكمه بينما يرتفع الشعار الداعي لسقوطه بدون حدود؟
ثانيا: ان الحكم الخليفي نفسه قطع كافة الاواصر مع الشعب، فبدأ مشروع التغيير السكاني بهدف استبدال الشعب الاصلي بمرتزقة اجانب ياتي بهم من اقاصي الارض ويجنسهم خارج الاطر القانونية. وفي الوقت نفسه ما يزال يمارس سياسة سحب جنسية السكان الاصليين بدعاوى واهية ف يمخالفة للقوانين الدولية خصوصا الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يمنع سحب جنسية اي مواطن بما يجعله عديم الوطن. هذه السياسة لم تتوقف بل تجد مصاديق عملية بشكل متواصل. فالبحراني اليوم يعيش الخوف المتواصل من طيش الخليفيين واجرامهم المتواصل، فمن يسافر او يعود الى وطنه ينتظر تحقيقات عملاء الخليفيين في المطارات بشكل مؤذ ومهين. لقد حول الخليفيون المواطنين الى بعبع يخشاهم واوغل في اساءة معاملتهم لكي لا يرتفع لهم صوت او يناضلوا ضده. وشهدت السنوات العشرون الاخيرة، اي منذ صعود الطاغية الحالي سدة الحكم، ابشع اصناف التنكيل والاضطهاد والاستضعاف بما يمكن اعتباره سياسة ابادة لهوية البلاد وفي مقدمتها تغيير شعبها وتزوير تاريخها وثقافتها وهويتها الدينية والمذهبية. لذلك اصبح البحرانيون الاصليون (شيعة وسنة) يرون انفسهم في حرب مفتوحة مع الخليفيين، فاصبح شعارهم الابدي “الشعب يريد اسقاط النظام.
ثالثا: ان الحاكم الحالي على وجه الخصوص امعن في التضييف المعيشي على المواطنين بدون حدود. فاستولى على اراضي الوطن، ووضع يده شخصيا على جزيرتي “ام النعسان” و “حوار”. والاولى تعادل في مساحتها جزيرة المحرق التي يقطنها اكثر من 300 الف انسان، بينما يستحوذ وحده علي ام النعسان. وامعن في سياسة التضييق بالاستيلاء على اغلب سواحل البلاد، بمنحها لافراد عائلته او حلفائه من الدول الاخرى حتى لم يبق منها مفتوحا للشعب سوى عشرة بالمائة. ثم سعى لابعاد السكان الاصليين الذين عاشوا تاريخيا على شواطيء البحر، عنها، ووذلك بدفن الاراضي البحرية في مناطقهم واحلال الاجانب فيها، فاصبح اغلب المناطق الساحلية يقطنها الاجانب، وابعد السكان الاصليون عنها، وهم الذين ركبوا البحر وخاضوا اهواله وتاجروا من سواحله واصطادوا سمكه ولؤلؤه. وبلغ التضييق ذروته في السنوات العشر الاخيرة بطرد المواطنين من وظائفهم واستبدالهم بالاجانب. وفي الشهر الماضي استقدم مئات الموظفين للعمل كمدرسين وممرضين. ونشر اعلانات للتوظيف في الاردن ومصر. وللتعتيم على ذلك انكر وجود سياسة لاستقدام الاجانب، ولكن سرعان ما اعلنت حكومة مصر تقديرها للعصابة الخليفية لتوظيفها مواطنيها. بينما يحرم البحرانيون الاصليون من وظائف التعليم والتطبيب ويحرم ابناؤهم وبناتهم من البعثات الدراسية. وكانت هناك ضجة كبيرة في الشهرين الماضيين حول البعثات وحرمان المتفوين منها لانهم بحرانيون حتى سميت “مجزرة البعثات”. هذا العداء الخليفي المستحكم للسكان الاصليين من بين عوامل الرفض المتبادل بين الطرفين ومن نتائجه كذلك.
رابعا: التباين الكامل في الاولويات والولاءات والانتماءات والتصورات بين البحرانيين والخليفيين. فالبحرانيون يتطلعون لبحرين مستقلة حقا، ذات سيادة حقيقية، وتوجهات قومية ودينية مسنجمة مع عروبة البلاد واسلامها، ومتحالفة مع الشعوب العربية والاسلامية. شعب البحرين تبنى ماضيا وحاضرا القضايا العربية والاسلامية بحماس، وشعر انه ينتمي للشعوب العربية والاسلامية ويتناغم مع قضاياها كافة. تفاعل مع ثورات الشعوب العربية خلال الربيع العربي، وتضامن مع شعب فلسطين طوال تاريخ قضيته، وما يزال منسجما مع اطروحات التحرير الكاملة ورفض الحلول الترقيعية. وعلى الطرف النقيض يقف النظام الخليفي الذي اصبحت قناعاته مناقضة تماما لما تؤمن به الشعوب. فهو ضد خروج القوات الاجنبية من البلدان العربية، وقام باستقدام القوات البريطانية وبنى لهم قاعدة بحرية باموال الشعب المنهوبة، وفتح ابواب البلاد للمستوطنين الاجانب فيما زاد التضييق على المواطنين، وفي الوقت الذي هدم فيه مساجدهم سمح للاجانب بفتح دور عبادتهم. وعلى المستوى الفلسطيني قام في السنوات الاخيرة بالتطبيع مع الاسرائيليين، ودعى رموزهم الى البحرين برغم احتجاج المواطنين ورفضهم، وهاجم مرات كثيرة قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية التي تقاوم الاحتلال. واعلن مؤخرا دعمه للاعتداءات العسكرية التي شنتها قوات الاحتلال على مواقع في سوريا والعراق، واعتبر ذلك “دفاعا مشروعا عن النفس”. ان نظاما كهذا لا يمكن ان يعيش بسلام ووئام مع شعب البحرين الذي يؤمن بالاسلام والعدل والحرية وحق تقرير المصير، ويرفض الاحتلال والعدوان والفساد والاستبداد. لذلك لا يمكن للطرفين ان يلتقيا ابدا.
خامسا: ان الخليفيين مسكونون منذ زمن بفكرة المؤامرات الخارجية ضدهم، وفي السابق اتهموا البحرانيين بالعمالة لمصر عبد الناصر واعتبروا قادة هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينات عملاء لمصر. وفي الستينات والسبعينات طالما اتهموا المعارضين بالشيوعية وزجوا بهم في غياهب السجون، ولم يرحموا احدا منهم. ومنذ الثمانينات حتى الآن اصبحوا يشيرون بالاصبع كل يوم لايران بانها وراء الاضطرابات. الخليفيون يرفضون ان يعترفوا بانهم غرباء عن الشعب والوطن وانهم لم يستطيعوا كسر الحواجز مع السكان الاصليين، واصروا على العيش بعيدين عن السكان الاصليين. وحتى اليوم لا يسمح للخليفي بالتزاوج مع احد من البحرانيين، شيعة وسنة. ومن يفعل ذلك يخسر لقبه الرسمي (الشيخ)، ويستبعد من الدوائر الخاصة بالخليفيين. ولقد عجزت اقلامهم المأجورة لكثرة ترديدها الاتهامات الموجهة لايران بانها وراء الاضطراربات. حتى بلغ الامر ان وصلت العلاقات بين الخليفيين والشعب الايراني الى مستوى هابط جدا، واصبح الخليفيون يتعاونون علنا مع الصهاينة واعداء الامة لكي يواجهوا ايران. ان القاء اللوم بخصوص التوترات الداخلية على الخارج سلاح الحاكم الضعيف الذي لا يستطيع حل مشاكله الداخلية فيلقي بالعواهن على الخارج.
ان نظاما بهذه الخصائض لا يمكن ان يتعايش مع شعب متحضر، ملتزم ايمانيا واخلاقيا وانسانيا، ولذلك اصبحت هناك مسؤولية على المجتمع الدولي ان يساهم بتسهيل الطلاق بينهما بأسرع وقت. البحرانيون بذلوا جهودا مضنية من اجل ذلك، وقدموا الغالي والنفيس ليس من اجل وطنهم وشعبهم فحسب، بل للمساهمة في بناء مجتمع انساني مستقر تتفاهم شعوبه مع بعضها من خلال حكوماتها المنتخبة بشكل حر. وما اضراب سجناء البحرين منذ اسابيع الا خطوة على طريق تحرير الارض من هؤلاء الطغاة وتجنيب العالم مشاكلهم وبلاياهم. البحرانيون حولوا الامعاء الخاوية الى سلاح ضد الاستبداد والظلم والاجرام، لكي يتكامل ذلك مع التضحيات التي قدمها الشهداء وضحايا التعذيب منذ عقود. هؤلاء الابطال الجائعون لا يفت في عضدهم دعاوى العصابة المجرمة التي تصهينت حتى النخاع، وتنكرت لحقوق الشعب الذي تحكمه بالنار والحديد وشعب فلسطين وتحالفت مع شياطين الارض بدافع واحد: البقاء في الحكم بعد ان رفضها الشعب جملة وتفصيلا. وجاء اضراب السجناء عن الطعام ليوصل الرسالة واضحة الى العالم بان ثورة البحرين ثابتة ومستمرة وحية وصامدة وجادة، وان مصير هذا الشعب مرتبط بمصائر الشعوب العربية الاخرى التي تعاني من الاضطهاد والظلم والاستبداد، وان التضحيات ضرورة لتحقيق اهداف الامة في اقامة كيان سياسي موحد يحكمه القانون وتشارك الامة من خلال ابنائها في ادارته وتوجيهه. هذه رسالة شعب البحرين من خلال تظاهراته واحتجاجاته واضرابات معتقليه، والامل ان تستقبل من الاحرار بحب وتقدير ودعم، والله غالب على امره.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
30 اغسطس 2019