عام على قتل خاشقجي كرس القناعة بضرورة التغيير السياسي
مرت هذا الاسبوع الذكرى الثانية لاغتيال الاعلامي السعودي، جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية باسطنبول. تم الاغتيال باساليب وحشية جدا، فقد تم خنقه اولا ثم تقطيعه بالمنشار، ولا يعرف اين تم التخلص من بقاياه بشكل دقيق حتى الآن. اما الذين ارتكبوا الجريمة فهم عناصر من جهازالامن السعودي بينهم عناصر من الحرس الخاص لولي العهد، محمد بن سلمان. وهناك ما يشبه القطع بانه هو الذي اصدر الاوامر لقتل المعارض الذي لجأ الى واشنطن قبل بضع سنوات وبدأ يكتب عمودا بصحيفة “واشنطن بوست”. الجريمة وقعت في وضح النهار بعد دخوله مبنى القنصلية بينما كانت خطيبته، خديجة جنكيز، تنتظره خارجها. وهي التي قرعت جرس الانذار بعد ان تأخر عن الخروج من المبنى. فماذا كان مغزى النظام السعودي من الجريمة؟ ولماذا امعن في توحشه وساديته مع جثة الضحية؟ وهل كان جمال خاشقجي يمثل خطرا حقيقيا على النظام؟ ولماذا فشل العالم الحر في اتخاذ اي اجراء حقيقي لمعاقبة الجناة وعلى راسهم ولي العهد نفسه؟ وفي الايام الاخيرة صدرت مقالات وبيانات وتصريحات كثيرة حول قتل خاشقجي، وارتفعت الاصوات المطالبة بمعاقبة الحكم السعودي خصوصا ولي العهد الذي اعتبره الكثيرون ساديا وجزارا وطاغية. المشكلة ان الرئيس الامريكي اوقف ذلك عندما قال ان “ولي العهد ربما اصدر اوامر القتل او رمبا لم يصدرها، واننا لن نقطع علاقاتنا بالسعودية”. هذا الموقف ساهم في تخفيف الضغوط الدولية على حكومة الجزيرة العربية، ولم يواجه البيت السعودي عقوبة تناسب الجرم المتمثل بقتل خاشقجي وتقطيع اوصاله.
ان ما جرى في الثاني من اكتوبر 2018 رسالة واضحة لمن يتحدى طغاة الرياض وحلفاءهم في بقية دول الخليج. ولكن ما جدوى هذه الرسالة وأثرها في الواقع العملي؟ وهل انها زادت النظام قوة ام اضعفته؟ الامر المؤكد انها ربما ادخلت شيئا من الخوف في نفوس معارضي الحكم السعودي، ولكنها في الوقت نفسه ساهمت في عزلته الدولية من جهة، ووسعت دائرة معارضيه ثانية، واقنعت دوائر كثيرا بعدم جدوى التعويل على اصلاحه. لقد ضحى جمال خاشقجي بنفسه ليس رغبة في ذلك بل بسبب ما يمكن اعتباره سذاجة او سوء تقدير او حسن نية. الامر المؤكد ان شيئا من القلق كان يساور خاشفجي وهو يتوجه الى قنصلية بلاده في اسطنبول، والا لماذا اصطحب زوجته؟ ولماذا تركها تنتظره خارج المبنى؟ ولماذا اعطاها بعض التعليمات والتوجيهات لكي تنفذها اذا لم يخرج اليها. كان واضحا انه لم يكن مطمئنا تماما لدخوله ذلك المبنى. هذا برغم انه لم يكن معارضا حقيقيا لنظام الحكم السعودي، بل سايره منذ عقود. فقد كان مراسلا ومحررا بصحيفة الحياة التي تمولها السعودية، وكان مستشارا لسفير المملكة في لندن بضع سنوات. ووقف مع النظام في سياسته التخريبية في سوريا، وكذلك عندما أعدم الشهيد الشيخ نمر النمر، وعندما بعث قواته لاجتياح البحرين في مارس 2011. لكن تلك المواقف لم تشفع له بعد قراره اللجوء الى امريكا والبدء بكتابة بعض المقالات الناقدة للسياسة السعودية في عهد الملك الحالي ونجله محمد بن سلمان. وهذا هو شأن الطغاة الذين لا يستطيعون تحمل النقد ولو بكلمة فضلا عن المعارضة والمطالبة باصلاحات جوهرية. فقد يقضي الشخص عمره خادما لهم ولكن ما ان يصدر عنه ما يوحي بالنقد مهما كان خفيفا، فسرعان ما يصبح في نظر الطاغية “عدوا” يجب التخلص منه.
ان قتل المعارضين ليس جديدا على طغاة الخليج خصوصا في السعودية والبحرين. بل انه سياسة ثابتة لديهم، يمارسونها انتقاما لان عقلية الطغيان لديهم تصنع فيهم شعورا بالعظمة الوهمية حتى ليشعر الواحد منهم انه إله مطلق معصوم من الخطأ. هذا القتل يتحقق باصدار احكام باعدام المعارضين بعناوين شتى ابرزها الارهاب الذي افرغه طغاة الخليج من مضمونه الحقيقي وألبسوه مضامين اخرى من بينها انتقاد النظام. ولدى السعودية مصطلحاتها التي تعطى غطاء دينيا مثل: الحرابة وسواها. وقد يعدم المعارضون بالرصاص الحي وهم يتظاهرون ضد النظام، او بالاغتيال في بلدانهم او خارجها. وقد طبقت حكومة البحرين كافة هذه الاشكال من القتل، فاصدرت احكاما باعدام المعارضين ونفذته، وقتلت المواطنين بالتعذيب تارة والرصاص الحي في الشوارع تارة اخرى. كما ازهقت ارواح معارضين بالاغتيال كما فعلت مع المصرفي المعروف، حسين نجادي الذي اغتاله عملاؤها في العام 2015 في ماليزيا. اما السعودية فهي من اكثر الدول التي تقتل معارضيها، وتستخدم السيف لقطع رقابهم في اغلب الحالات، كما تقوم بصلبهم بعد الذبح. انها ممارسات تهدف لكسر شوكة المطالبين بالاصلاح، ولكن التجربة تؤكد فشلها في تحقيق امن النظام او ردع معارضيه. فكلما ولغ في دماء الابرياء توسعت دائرة معارضته والنقمة عليه. المشكلة غياب القيم المشتركة تجاه الحريات العامة والمواطنة المتساوية في صفوف الفئات المثقفة التي اصبحت تتلاشى في ظل انظمة القمع الخليجية. فعندما اعدم السعوديون الشهيد الشيخ نمرالنمر في يناير 2016 لاذ الكثيرون بالصمت لان الشهيد ينتمي للمذهب الشيعي، وكأن قيمة الانسان تتحدد بانتمائه المذهبي او الديني او العرقي. ان استرخاص نفوس الآدميين يؤدي الى تعملق الطغاة وشعورهم بان الدنيا دانت لهم، وان بامكانهم ان يفعلواما يشاؤون، فلن يعترض عليهم احد بعد ان خدرت المجتمعات وجمدت ادوارها.
ما يزال ثمة امل بان تتواصل قضية قتل خاشقجي، خصوصا ان الاتراك الذين غضبوا كثيرا بسبب ارتكاب الجريمة على اراضيهم والعلاقة الايديولوجية بين المرحوم والرئيس التركي. وما تزال المجموعات الحقوقية وبعض الجهات السياسية في العالم تطالب بتحقيق مستقل في الجريمة ورفض “محاكمة” العناصر الاحد عشر الذين اختارهم السعوديون للاتهام بالضلوع في قتل خاشجي. يطالب الكثيرون بمحاكمة هؤلاء خارج الحدود السعودية وان يمثلوا امام محكمة محايدة لكي يتم التوصل للقتلة الحقيقيين. وهذا يوحي بوجود قناعة راسخة بدور محمد سلمان في الجريمة وانه اعطى الاوامر بشأنها وبقي على تواصل مع القتلة وهم يرتكبون الجريمة. ان نظاما يحكمه قاتل سفاح كهذا الشخص لا يستحق الاحترام او البقاء، ولا يمكن اعتباره ممثلا شرعيا لشعب الجزيرة العربية. وامتلاكه الاسلحة الفتاكة والامكانت المالية الهائلة يجب ان لا يكون سببا للتغاضي عنه رغبة في تلك الاموال. مطلوب من المجتمع الدولي الامعان مجددا في سياسات الحكم السعودي والخليفي واعتبار سجلهما الحقوقي مدخلا للمطالبة بتحول ديمقراطي حقيقي انطلاقا من الرياض.
ان شعبنا البحراني الذي تابع قضية جمال خاشقجي يدرك بوضوح معنى الثورة والتغيير الشامل ويرفض ان يبقى اسيرا للتضليل والتشويش الذي يمارسه نظاما السعودية والبحرين. لقد تابع قضية خاشقجي واستنتاج غياب الارادة الدولية لممارسة المزيد من الضغط على السعوديين، كما تابع قبل ذلك قضية الناشط الحقوقي المعروف، نبيل رجب، وايقن ان الاصلاح لن يتحقق طوعا بقرار من الطاغية او الدكتاتور، بل يحتاج لفعل ميداني حقيقي يشمل الانشظكة الحقوقية والعمل السياسي للتوصل الى صيغة للخروج من الازمة، توفر للشعب حقه في تقرير المصير وانتخاب حكومته. وبرغم اهمية موضوع حقوق الانسان فان شعبنا مقتنع بان من المستحيل تحسنها في ظل الحكم الخليفي القائم. وهكذا لم يعد العمل الميداني اليوم يحصر مطالبه بتحسين اوضاع حقوق الانسان بل بالغيير الشامل الذي يحقق لشعب وجوده وحق تقرير مصيره وقدرته على انتخاب نظامه السياسي كاملا
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية