لا تحسبوه شرا لكم، بل هو خير العدوان الامريكي على المنطقة واحكام الاعدام الجائرة
فعلها الامريكيون مرة اخرى، وأدخلواالمنطقة في أزمة غير مسبوقة منذ زمن. ارتكبوا جرما جديدا يفوق جرائمهم السابقة، بممارسة القتل خارج اطار القانون، وأكدوا للعالم عدم اعترافهم بالقانون الدولي او مباديء حقوق الانسان، او اسس العدالة التي تمنع قتل الابرياء. وفي الوقت نفسه اثبتوا انهم خارج الاجماع الدولي، وان هذا العالم وقوانينه ومواثيقه لا تهمهم او تعنيهم من قريب او بعيد. فما داموا يملكون اسباب القوة فلن يستطيع احد ردعهم. هذا المنحى الخطير يهدد امن العالم واستقراره، ويحوله الى حضيرة بهائم يمارس القوي فيها سلطته ويعتدي على الحيوانات الاضعف بدون رادع من ضمير او اخلاق. فما فعله الامريكيون، بزعامة دونالد ترامب مساء الخميس 2 يناير فاجأ العالم ليس بوحشيته وساديته، بل بغباء من قام به وسذاجته واوهامه. فاستهداف قادة ميدانيين من ايران والعراق، مجندين لدى حكوماتهم الشرعية انما هو عدوان على الانسانية والتمدن، لا يليق بدولة عصرية القيام به لانه مخالف للقانون الدولي. وهذا ما اكدته اجنيس كالامارد المقررة الخاصة بالامم المتحدة. وعندما اعترض عليها وزير الخارجية الامريكي، الذي يقف وراء الجريمة البشعة، ردت عليه بخمس نقاط وافحمته، فلم يقل كلمة بعد ذلك. ضج العالم طوال الاسبوع الماضي رفضا للجريمة الامريكية من جهة، وخوفا من تبعاتها من جهة اخرى، ورأفة بهذا العالم الذي اصبح تحت رحمة حكم متوحش لا يملك من المبدأ او المنطق شيئا.
العدوان الامريكي الدموي كان مؤلما جدا، ليس لانه قتل اثنين من كبار القادة الميدانيين في المنطقة، بل لانه اكد افتقار هذا العالم للانسانية التي توضح طريقه وتضمن له عدم الانزلاق الى عالم الحيوان. كانت جريمة قتل مع سبق الاصرار والترصد، حصدت ارواح عشرة من ابناء المنطقة نذروا حياتهم للدفاع عن اوطانهم وشعوبهم، والتصدي للتطرف والارهاب والاستبداد. لم يكونا سوى جنديين لدى الإله، فكانا على موعد للقائه، فقطعت اشلاؤهما بالصواريخ الامريكية. في عتمة ذلك الليل كان الجميع نياما، الا تلك الفئة التي نذرت نفسها للخير وتطلعت للشهادة، ولم تطمع في مال او جاه او منصب. كان سيلماني عائدا الى العراق من سوريا، وكان ابو مهدي المهندس، نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي، بانتظاره، ومع كل منهما اربعة من المعاونين. فكان القدر بانتظارهما على ايدي اشرس الخلق. لقد ترجل كل من الجنرال قاسم سليماني وابي مهدي المهندس من على جواديهما بعد عقود من الصمود الميداني ومقارعة الظلم والاستبداد والاحتلال والارهاب. كانت مغادرتهما هذا العالم سهلة يسيرة، ففي اقل من لحظة صعدت ارواح العشرة الى بارئها بعد ان انفجر صاروخان اطلقتهما طائرتان مسيرتان امريكيتان. لم يكن هناك سبب لذلك القتل بل كان عبثيا وفوضويا واجراميا وطاغوتيا. فالرجال كانوا جنودا في المشروع الانساني الهادف لاخلاء الارض من الفساد والمفسدين والارهابيين. ولا يستطيع احد انكار دورهما المحوري في كسر شوكة الارهاب في سوريا والعراق، ولولاهما لاصبح العراق محكوما من جماعة داعش الارهابية، ولكان العالم مختلفا عما هو عليه اليوم. هجر هؤلاء القادة اهلهم وتوجهوا نحو الجبهات للتصدي للظلم والانحراف والارهاب، فكان الغدر الامريكي بانتظارهما، فسقطوا مضرجين بدماء الشهادة، وارتفعوا الى خالقهم يشكونه ظلم البلاد والعباد.
طغاة الخليج كانوا من المحرضين على العناصر الفاعلة التي استطاعت دحر الارهاب، وبامكانها محوه من المنطقة. ولكن هناك من يعيش على وجود ظاهرة الارهاب، فلولاها لما كان له وجود ولاستغنت الدول عن خدماته. فمواجهة التطرف والارهاب والعنف يتطلب نفوسا كبيرة، ووعيا عميقا لدى ذوي الايمان والبصيرة. فمنذ وصول محمد بن سلمان الى ولاية عهد السعودية لم يتوان لحظة عن التصدي لاصحاب المشاريع الاسلامية الحقيقية في المنطقة والسعي لاستبدالهم بالانتهازيين والوصوليين والمحتين. ولكن واجه هذه الثلة المؤمنة ومعها جحافل كثيرة تناصل من اجل تحرير الارض والانسان في المنطقة العربية. هذه المواجهة ادت في النهاية لجريمة الغدر التي تصدرها الامريكيون بتحريض من وزير خارجيتهم، بومبيو، الذي تحرك مدفوعا من زعماء صهاينة في تل ابيب وواشنطن. ولكن الجريمة لم تحقق اهدافها، فقد كان عليها القضاء على ملايين القادة المتطوعين في صفوف الجيوش والمجموعات المسلحة. كانت قلوب المؤمنين تختلج بالدعاء من اجل اولئك المجاهدين الساهرين من اجل مصلحة الامة. احتضنوا الشهادة وغادروا الدنيا ليعيشوا في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
ما اكثر المناضلين الذين نذروا انفسهم لخدمة دينهم وانسانيتهم ودينهم ووطنهم، ولولا هؤلاء لساخت الارض بمن عليها، ولتحولت الى انهار من الدماء. لذلك يدفعون ثمن النضال والموقف والصمود. ومن هؤلاء شباب البحرين المرتهن لدى الخليفيين. هؤلاء العبيد الذين يأتمرون باشارات اسيادهم ليس لديهم ضمائر او كرامة او وطنية او انسانية، بل ان اهدافهم الحياتية حيوانية هابطة، ولاجل تحقيق ذلك ينافسون الحيوانات في تصرفاتهم وسياساتهم. بالامس نطقت محكمة الاستئناف الخليفية بتثبيت قرار الطاغية اعدام اثنين من البحرانيين الاصليين بسبب مشاركتهم في الثورة ضد حكم الاستبداد الخليفي. انها حلقة اخرى في مسلسل صراع الوجود بين الشعب والعصابة المحتلة بعد ان قرر الطرفان الطلاق الابدي بينهما. لن يقبل الخليفيون ببقاء شعب البحرين الاصلي (شيعة وسنة) بل يعمل ليلا ونهارا لاستبداله بمرتزقة اجانب يستقدمهم من اصقاع الارض ويمنحهم الجنسية ويستخدمهم جلاوزة وجلادين ومعذبين. سياسة الاستعباد هذه تمثل محور الارتكاز لسياسة الطاغية الحالي الذي ولغ في دماء البحرانيين. وهناك حوالي عشرة بحرانيين آخرين محكومين بالاعدام بسبب مواقفهم ورفضهم الاستسلام للعصابة الخليفية او التخلي عن مطالبهم او اقرار الجرائم الخليفية وفي مقدمتها التخلي عن سيادة البلاد وتسليمها للاجانب.
ان الحكم باعدام الابرياء جريمة مركبة، تبدأ بالاعتقال التعسفي والتعذيب الوحشي المتواصل قبل صدور الحكم وبعده، وقد تصل الى الاعدام. انتكاسة اخلاقية وسياسية اخرى في التاريخ المعاصر للبحرين وشعبها، ولكنه علامة فارقة تؤكد صمود الشعب واصراره على التغيير. هذه المرة لن يتراجع الشعب عن مطالبه شعرة واحدة لايمانه بان الله سيحميه من كيد الخليفيين الظالمين وينصره عليهم ويكسر شوكة الظلم والاستبداد والعمالة. في هذا الوضع يجدر بالمواطنين العودة الى الاسس الايمانية التي تثبت اقدامهم وتربط على قلوبهم، وتعمق لديهم الايمان بحتمية تحقق النصر الالهي للمظلومين (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) والهزيمة الماحقة للظالمين والطغاة “انا من المجرمين منتقمون”. الايمان ضرورة للنصر، ولذلك فمن مهمات العلماء والدعاة والنشطاء العمل على بث الوعي الايماني لتثبيته في النفوس ورفع معنويات المواطنين الذين يرون انفسهم محاصرين باعداء قساة لا يعرفون الرحمة او الانسانية. هذه المعنويات المرتفعة ضرورة للحفاظ على وهج الثورة وتثبيت اقدام المناضلين في الشوارع العامة والمعتقلات والمنافي. والامل ان تتواصل الجهود على هذا الطريق وبهذه النفوس العالية والاهداف النبيلة، فتلك شروط لتحقيق النصر الالهي المحتوم.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
10 يناير 2020