دماء الشهيدين، حميد الخاتم والسيد كاظم يجدد شعلة الثورة في ذكراها التاسعة
في نظر الشعب البحراني، ثمة تشابه كبير بين قضيته وقضية الشعب الفلسطيني، فكلاهما يعيش في ظل احتلال غاشم من قوى اجنبية استخدمت القوة لاخضاع السكان الاصليين لكل من فلسطين والبحرين. وفي الحالتين كان للدعم الانجلو – امريكي دور في تمكين المحتلين وحمايتهم وقمع المحتجين ضدهم. في البلدين تعرض السكان الاصليون لحرب ابادة متواصلة حتى اليوم. فهم يحرمون من البقاء في اوطانهم، ويتم ابعادهم عنها بالقوة، وتسحب جنسياتهم، ويستبدلون بسكان اجانب يستقدمهم المحتلون من الخارج ويمنحون مساكن في مستوطنات تبنى خاصة لهم. في كلا البلدين يعامل السكان الاصليون كمجرمين، ويتهمون بالارهاب، وتتعرض ثقافتهم وتاريخهم للتحريف والتغيير لاضفاء شرعية على الاحتلال وتوفير سند تاريخي مزور له. وكلا الشعبين لم يتوقف عن النضال طوال العقود السبعة الماضية. من هنا كان الشعب البحراني من الشعوب القليلة التي اعلنت رفضها المطلق لمشروع تصفية القضية الفلسطينية بقرار امريكي. ولم تكن هناك احتجاجات سوى في بلدان محدودة: تونس والاردن واليمن. ومن المفارقات ان يكون اليمنيون الذين خذلهم اغلب الشعوب العربية، في طليعة الشعوب التي هتفت باعلى صوتها ضد صفعة القرن الامريكية، وخرج عشرات الآلاف منهم في الشوارع مطالبين بالتحرير الكامل لارض فلسطين، حتى بدت شوارع صنعاء بجماهيرها كمحيط بشري صاخب. ان عمق ايمان الشعوب المناضلة بربها وحريتها وقضاياها الاسلامية والانسانية هي التي تؤجج روح الثورة لديها وتخلق منها براكين ثائرة تستعصي على محاولات التهدئة والاحتواء.
الشعب البحراني، امام القضايا الكبرى، يستعلي على جراحه، تضامنا مع الجرح النازف الكبير بارض فلسطين، ويؤمن ان قضيتها منطلق للحس الثوري الذي حرك اجيالا متواصلة ما تزال تهتف ضد قوى الاستعمار والاحتلال والهيمنة. في الاسبوع الماضي ودع الشعب البحراني اثنين من شبابه بعد ان قضيا شهيدين على طريق الحرية والكرامة. كلاهما كان معتقلا بطوامير التعذيب الخليفية، وتعرض للتعذيب الوحشي والمعاملة القاسية على ايدي الطغاة المحتلين. وعندما استشرى مرض السرطان في جسديهما المنهكين، امر الطاغية باخراجهما من اقبية السجون ليقضيا ما بقي من ايام حياتهما مع اهلهما لكي لا يتهم السفاحون الخليفيون بقتلهما. لقد ضرب كل من حميد الخاتم والسيد كاظم السهلاوي مثالين رائعين للايمان والصبر والصمود، ولم يستسلما للجلادين، بل صبرا وراء القضبان، يعانيان آلام المرض وتداعي صحة الجسد، وهما يعلمان انهما على موعد مع الرحيل عن هذه الدنيا. لقد شاركا في الثورة التي تمر ذكراها التاسعة هذا الشهر، وأبليا بلاء حسنا في مواجهة العدو الخليفي بقبضات ايديهما في مقابل ادوات الموت والفتك التي استخدمها الطغاة بدون رحمة او شفقة. لقد التحق الشهيدان بقافلة طويلة من شهداء الاسلام والوطن والثورة الذين صدحوا بكلمة الحق امام سلطان جائر. هذه القافلة تواصل السير غير عابئة بما يخبئه المجهول، فالله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون.
جاءت دماء الشهيدين قبيل الذكرى التاسعة للثورة المظفرة باذن الله تعالى، لتؤجج المشاعر وتلهب الحماس الثوري لدى الجيل اصبح اكثر ادراكا لحقائق العيش في ظل الحكم الخليفي. هذا الجيل الذي اكتشف الطبيعة الدموية للخليفيين وداعميهم يواجه خيارات محدودة، فاما الصمت على الجرائم السلطوية او التصدي لنظام تسلطي قمعي لا يعترف باخلاق او قوانين او مواثيق. الكثيرون من هؤلاء الشباب دخلوا السجون وعرفوا توحش الخليفيين وظلمهم وعداءهم لكل ما هو بحراني، واستنتجوا ضرورة الصمود والتصدي لان الخنوع سيزيد المعاناة ويكرس حكم الطغيان. هؤلاء مستعدون لخوض غمار الثورة وتجديد دمائها، ورفع الهتاف التاريخي الذي اصبح شعارا لثورة 14 فبراير: الشعب يريد اسقاط النظام. يعلم هؤلاء ان الخليفيين يعتمدون لوجودهم على الدعم الاجنبي من السعودية والامارات وبريطانيا. ومنطلق هذا الدعم ايمان هذه القوى بان الشعوب الحرة لا تقبل بالفساد الاداري والمالي، وانها لا تساوم على مصالحها ولا تقبل العيش بمستويات دنيا من الحرية والكرامة. يعتقد هؤلاء ان من الضرورة الحفاظ على نمط الحكم الخليجي السائد وان اي مساس به سيؤدي لاختلال موازين القوى لغير صالح الاستبداد والهيمنة. من هنا تتضافر جهود هذه القوى، ومعها الكيان الاسرائيلي، للتصدي لمحاولات التغيير التي تقوم بها الشعوب العربية. وقد جرب هؤلاء معنى الثورات الشعبية عندما انتفضت الشعوب العربية قبل تسعة اعوام خلال الربيع العربي، وكشفوا مدى هشاشة هذه الانظمة. يومها نظمت قوى الثورة المضادة نفسها وانقضت على الثورات جميعا لاخمادها. وقد اصبح التحالف الاسرائيلي – الخليجي غير المقدس
تحديا حقيقيا لشعوب الامة التي يستهدفها ذلك التحالف بشكل اساس بهدف الغائها من المعادلة السياسية ومنع تمتعها بدور حقيقي في المسار السياسي. مع ذلك ثمة شعور يختمر في النفوس بان التغيير قادم لا محالة، وان احدا لا يستطيع منع حدوثه، وان استراتيجيات قوى الثورة المضادة واتهام الحراكات الشعبية بانها امتداد لظواهر الارهاب والعنف التي غذاها المال النفطي السعودي والفكر الوهابي، لن تنجح في كسر شوكة الشعوب وتطلعها نحو مستقبل افضل تتوفر فيه الكرامة والحرية لهذه الشعوب المظلومة. شعبنا البحراني سيثبت ذلك في الاسبوعين المقبلين وهو يحتفي بالذكرى التاسعة لثورته المباركة، مؤمنا بان الوعد الالهي متحقق باذن الله، وان الله مخزي الكافرين، وناصر المظلومين، وقاسم الجبارين، وان وعده بنصرة عباده الصالحين محتوم، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية