شعب صامد وثورة مظفرة وربٌ ناصر
شهدت الايام الاخيرة موجة اعتقالات واسعة بدأت بعلماء الدين ووصلت الاطفال. فما اعتقال سماحة الشيخ عبد المحسن ملا عطية الا جانب من التنكيل والاضطهاد. فقد اتخذ الخليفيون قدرته الشعرية القوية ذريعة لاعتقاله والتنكيل به بعد ان كتب قصيدة حول الشهداء اغضبت الطاغية وعصابته. ففي مملكة الصمت لايجوز الكلام او التغريد او كتابة الشعر ما لم يكن مدحا للطغاة الخليفيين وتبرير جرائمهم بحق البحرانيين. وجاء اعتقال الطفل أمين رضا الذي لم يتجاوز العاشرة من العمر ليؤكد السادية الخليفية وتوحش الطاغية وعبيده، وليوفر للشعب تبريرا اضافيا للاستمرار في العمل من اجل انهاء الحكم الخليفي المارق. فالنظام الذي يعتبر طفلا في العاشرة مصدر تهديد لوجوده او شريكا في مخطط مدعوم من دول اجنبية لاسقاط نظام الحكم، لا يستحق البقاء لحظة لان بقاءه استخفاف بعقول البشر وتحد للذوق الانسان والفطرة البشرية. طفل يبكي في احضان امه يجر منها الى طوامير التعذيب تحول الى مادة اعلامية وحقوقية تدين الخليفيين وتحرج اصدقاءهم. لذلك ارتفعت الاصوات مؤخرا منددة بجامعة هادرزفيلد التي تشارك في تدريب مسؤولي التعذيب الخليفيين وتمنحهم شهادة الماجستير في التعذيب. وبدلا من استجابتها للدعوات التي طالبتها بانهاء علاقاتها مع العصابة الخليفية، خرج مسؤولوها لتبرير علاقاتهم مع نظام يمارس “التعذيب المنهجي” و “الاعتقال التعسفي” و “الابادة” بحق السكان الاصليين (شيعة وسنة). جاءت قضية الجامعة المذكورة لتكشف المزيد من جرائم الحكم الخليفي من جهة والتواطؤ البريطاني في استهداف البحرانيين والتعدي على وجودهم ووطنهم وحقوقهم. وهناك ضغوط كبيرة على ادارة الجامعة وكذلك ادارة اتحاد الطلاب بالجامعة للسعي الحثيث ليس لوقف التعاون مع نظام يمارس الجرائم المذكورة فحسب، بل لمحاسبة الذين ورطوا الجامعة في علاقات مشبوهة، توفر لهم الاموال في مقابل تدريبهم الجلادين.
الصراع البحراني – الخليفي قديم جديد، بدأ بالاحتلال الخليفي لهذه البلاد وتواصل عبر العقود ليتحول الى صراع وجود من قبل الطرفين. فالبحرانيون يواجهون حرب ابادة بدأت بتجنيس الاجانب وسحب جنسيات المواطنين وابعادهم، ووصلت الى حد الابادة الثقافية. فلا يستطيع العلماء او الخطباء اليوم القاء الخطب او كتابة الشعر او البحث التاريخي او الخطابة الحسينية بدون ان تلاحقهم جلاوزة الحكم الخليفي وتنتقم منهم بوحشية. اما الخليفيون فيرون وجودهم في الحكم مهددا منذ ان انطلقت الثورة المظفرة في 14 فبراير 2011 وتواصلت بدون توقف طوال السنوات التسع الماضية. وبرغم الاضطهاد والقمع والتنكيل فقد صمد البحرانيون في مواقعهم وأصروا على التصدي للحكم الخليفي واسقاطه مهما كلفهم ذلك. هذا الاصرار الشعبي اصبح مصدر ازعاج مستمر ليس للخليفيين فحسب بل لداعميهم في لندن والرياض وابوظبي وتل أبيب. المشكلة ان الطبيعة السلمية للثورة البحرانية تحاصر هذه القوى وتضعف منطقها وتبريراتها لما تمارسه من تعسف وظلم وقتل. ويوما بعد آخر يتراجع دور السعوديين محليا واقليميا الامر الذي يقلق الخليفيين بشكل كبير. فهناك مقاومة شديدة لوجودهم في اليمن، حتى المناطق التي يسيطرون عليها ويعتبرونها حليفة لهم. فهناك ثورة عارمة في اقليم المهرة المحاذي لسلطنة عمان، ودعوات متواصلة للتصدي لما يسمونه “الاحتلال السعودي – الاماراتي”. هذا بالاضافة للانجازات العسكرية التي تحققت لليمنيين بقيادة انصار الله التي دمرت معنويات السعوديين والاماراتيين. وبرغم الدعم الامني والعسكري من امريكا وبريطانيا والكيان الاسرائيلي فما تزال قوات الاحتلال السعودية تواجه تحديات كبرى في المناطق التي تسيطر عليها. وبموازاة ذلك تشوهت صورة السعودية لدى الرأي العام الدولي بشكل كبير، ولم تنفعهم اموالهم النفطية في التخفيف من الغضب الدولي ضد حربهم المشؤومة. وما الحديث عن تفشي الامراض والاوبئة والمجاعة في مناطق شاسعة من اليمن الا محفزا للعالم لاتخاذ مواقف سياسية وعسكرية تتناسب مع اوضاع اليمن الحالية. انها دعوات لانهاء الاحتلال السعودي واخراج القوات الغازية من كافة الاراضي اليمنية. وتجد هذه الدعوات اصداء قوية لدى كافة اطراف الصراع اليمني، في ما عدا المجموعات المرتبطة بشكل مباشر بالرياض وابوظبي.
العقدة اليمنية اصبحت مصدر ازعاج واسع للحكم السعودية وداعميه والمشاركين معه. فقد تحولت الحرب على اليمن الى مستنقع آسن يكاد السعوديون يغرقون فيه. وليس امام الرياض طبخة سحرية للخروج من اليمن بما يحفظ ماء الوجه الذي سكبته العمليات اليمنية ضد اهداف سعودية خطيرة كالقواعد العسكرية والمنشآت النفطية. انه صراع من اجل البقاء على طرفي الصراع. وليس متوقعا ان يحدث اختراق كبير لصالح القوات المعتدية، بل على العكس من ذلك، قد تسوء الاوضاع العسكرية ضد المحتلين والمعتدين، ويومها ستتوقف محاولات الهيمنة على الجنوب العربي من قبل السعودية. ان انعكاسات هذه العقدة على البحرين امر مقلق للخليفيين وداعميهم. فهناك مشاعر عميقة لدى البحرانيين بان هزيمة السعوديين والخليفيين في اليمن سوف يهيء الارضية لانتقال الازمات السياسية الى داخل الجزيرة العربية. ويومها لن يستطيع احد انقاذ الحكم السعودي الذي لم ينجح سوى في خلق الاعداء بينما خسر كثيرا من الاصدقاء. انه صراع مع الزمن بين ارادتين: ارادة التحرر والحرية والممارسة السياسية الحرة، وارادة اللامبالاة والعمالة والسقوط امام الآخر الاقوى ماديا. هذا الصراع سوف يستمر على المدى المنظور ولن تستطيع القوى العدوانية القضاء عليه لان ذلك مناف للطبيعة البشرية والارادة الالهية.
الى اين تتجه الاوضاع في الاقليم؟ الامر المؤكد ان الاضطرابات والتظاهرات التي تحدث في العراق ولبنان انما هي تعبير عن المشاعر المختزنة في نفوس المواطنين بسبب فساد انظمة الحكم في المنطقة. ومن المؤكد ان فساد انظمة الخليج يفوق كثيرا ما يحدث في البلدان العربية الاخرى، خصوصا مغ غياب الرقابة والمحاسبة والاعلام الحر. مع ذلك لا يسلط الغربيون اضواءهم الاعلامية او السياسية على فساد الحكم السعودي او الخليفي او الاماراتي، فهي محمية بدون حدود من العالم الغربي. ولكن الهدوء الظاهري يستبطن عواصف سياسية تعتمل تحت الرماد وحين تنطلق ستأتي على الاخضر واليابس. فمثلا شعب البحرين الذ تعرض للقمع السلطوي غير المحدود على مدى تسعة اعوام ما يزال يملك قراره وينتفض ويهتف ضد الطاغية الخليفي المجرم الذي ارتكب اعظم الموبقات، ولم يتخل عن شعار: الشعب يريد اسقاط النظام. وقد اكدت فعاليات احياء ذكرى ثورة 14 فبراير الشهر الماضي قدرة هذا الشعب على الفعل المتواصل والتمسك بثوابت ثورته والاصرار على القطعية الابدية مع العصابة الخليفية. ان الامل بنصر الله كبير، والايمان بحتمية النصر لا يتزعزع، والاصرار على الصمود والثبات لا يتزلزل. وسيواصل شعبنا طريق الثورة حتى يحقق التغيير لكي تستقر اوضاع البلاد وتحمى سيادتها وتحفظ دماء اهلها وتصان حرماتهم وتبقى مساجدهم دليلا على عمق الايمان وعراقة الثقافة والانتماء.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
21 فبراير 2020