نتضامن مع شعبنا والانسانية في مواجهة “كورونا”
لم يمر المجتمع الانساني منذ الحرب العالمية الثانية بوضع شبيه بما هو عليه الآن. فقد وقف هذا الانسان الذي سبر اغوار البحار وباطن الارض وافلاك السماء حائرا امام فيروس كورونا القاتل. استطاع هذا الفيروس ان ينشر وباء شاملا في كافة اقطار العالم، ولم تستطع بروتوكولات الهجرة او المسافات او المعوقات الطبيعية من بحار وجبال وقف انتشاره. هذا الانسان الذي اعتقد انه بلغ اقطار السماوات والارض في علمه وتجبر حتى اصبح يناطح الاله، اعترف بحدود ما لديه من علم، وهو الذي لم يخضع امام الحقيقة التي اكدها القرآن الكريم: وما أوتيتم من العلم الا قليلا. هدد الانسان اخاه الانسان بالسلاح وصنع الطائرات لحصد ارواح الابرياء، وبنى الصواريخ العابرة للقارات، وصنع القنبلة النووية، وتفنن في صناعة ادوات الموت، ولكنه وقف عاجزا امام فيروس صغير لا يرى بالعين: وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه. الوباء يدق ابواب البشر في كل بلد او مدينة او بيت، فلا يفكر الانسان سوى في كيفية الخلاص منه. قليلون هم الذين استوقفتهم هذه المحنة ليستحضروا العظمة الالهية القادرة على محاصرة الانسان اينما كان: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ. وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. هذا التوازن الذي خلقه الله للانسان يهدف لتوفير راحته من جهة ودفعه للاعتراف بربوبية الخالق. لو فعل الانسان ذلك لغمرته السعادة ولأكل من بين يديه ومن خلفه. وان لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا.
في هذه الاوضاع غير المسبوقة، تحرك الانسان على اختلاف جنسه ولونه وموقعه في المجتمع للتصدي للوباء. الاطباء يهرعون لعلاج ضحاياه، والعلماء يبحثون في مختبراتهم ليلا ونهارا لعلهم يصلون الى علاج ناجع لوقف الكارثة التي تهدد المجتمع البشري. وعلماء الدين المسلمون وغيرهم خاطبوا الناس وطالبوهم بالالتزام بالقواعد الصحية واتباع نصائح الاطباء، ومنظمة الصحة العالمية كثفت جهودها وظهورها الاعلامي للمساهمة في احتواء الوباء. هذا مع العلم انه لم يأت فجأة، بل كانت مؤشراته واضحة منذ شهور. ولكن بقي العالم متفرجا على ما كان يجري في الصين، ما بين وجل او متهكم او متجبر، ووقف العالم الغربي متهكما على الصين ومصرا على تفوقه العلمي والطبي والتكنولوجي، بدون ان يعترف بضعفه امام هذه الظواهر “الطبيعية”. هذا الاستعلاء والغرور ازاء الوباء سبقه العجز الذي انكشف عندما اجتاحت الحرائق قارة أستراليا وأتت على الاخضر واليابس، بينما وقف الجميع متفرجا وتاركا ا لاستراليين لشأنهم. ما اضعف هذا الانسان وأشده غرورا وجهلا. وفجأة اثبتت الصين كفاءتها واحتوت الوباء تقريبا، بينما بدأت الدول الغربية معاناتها معه. وها هي المجتمعات تضج خوفا وهلعا من سرعة انتشار الوباء وعجز المؤسسات الطبية العملاقة عن وقفه او احتوائه او علاجه. ومرة اخرى بدى القانون الطبيعي (الالهي) نافذا على الجميع. فقد شفي اغلب الموبوئين بمشيئة إلهية، وتوفي الضعفاء من الناس. ومع ذلك ما تزال النفس البشرية في المجتمعات المادية الاستهلاكية غير قادرة على قراءة الدرس واستيعاب معطياته، او التأثر بعبره ودروسه. وبدلا من ان يضج البشر الى ربهم، بعد الاستعداد المادي لمكافحة الوباء، استمر تغييب الرب عن الحياة، الامر الذي يجعل مكافحة المرض امرا صعبا. الاقوام السابقون كان لهم موقف آخر. فما ان ضربهم العذاب حتى ضجوا الى الله: “ربنا اكشف عنا العذاب انا مؤمنون”.
الامر المؤكد ان الضغط النفسي على الكثيرين بسبب سرعة انتشار الوباء وهيمنة وسائل الاعلام الليبرالية على عقول البشر يخلق حاجزا بينهم وبين العودة الى الفطرة السليمة التي تدفع الانسان للايمان وتشجعه على الصلاة والدعاء والتوجه الى الله سبحانه. الامر المؤكد انه برغم هذا التدخل الشيطاني لقطع العلاقة بين الانسان وخالقه، فان المؤمنين في كافة بلدان العالم يساورهم الشعور بضرورة التواصل مع الرب بموازاة التعاطي مع الفيروس ومحاولة كبحه. والطغاة، كما هي عادتهم، يسعون دائما لمنع الجماهير من العودة الى الله، لعلمهم ان الايمان الحقيقي يدفع البشر للتوجه الى الله والكفر بمن سواه. والامل ان ينجم عن هذا التجربة الانسانية المرة عودة سريعة الى الله وتمرد على آلهة البشر التي نصبت نفسها ربا من دون الله. وتعاني مجتمعاتنا اليوم من غياب الايمان الحقيقي بالله، وانتشار ظاهرة الالحاد والكفر بالله وإبعاد الدين عن الحياة. وكما هو معروف فان الطغاة لا يرعوون ابدا، بل يصرون على كفرهم: واذا رأوا آية يستسخرون. وما يفعله حكام ا لبحرين هذه الايام يؤكد هذا المنحى البشري المدمر للوجود الانساني. فمن يحارب الله يُهزم، ومن يصر على الكفر يمحقه الرحمن. هؤلاء الطغاة يصرون على الظلم والاستبداد وتحدي الدين واهله. وما موقفهم المخزي ازاء الزوار البحرانيين العالقين في مدينة مشهد الا تأكيد لذلك. فقد بقي اكثر من 1300 منهم عالقين بمدينة مشهد بعد ان توقفت حركة الطيران وانقطعت بهم السبل. وبرغم النداءات الكثيرة من الداخل والخارج ومن العالقين انفسهم، فقد أثر الخليفيون وعبيدهم في مجلس الشورى التافه على منع الزوار من العودة، ووجه بعضهم الشتم والقذف للجمهورية الاسلامية التي رعت الزوار ووفرت لهم احتياجاتهم برغم الضائقة المالية التي تعانيها.
ام السجناء السياسيون فلهم قصة اخرى. وبرغم الكارثة الانسانية التي يعاني منها العالم، ما يزال طغاة البحرين يتعاملون بحقد وكراهية مع الوطن والشعب خصوصا السجناء. وفي الوقت الذي اطلقت دول عديدة سجناءها يصر الخلفيون على ابقاء ممثلي الوطن والشعب وراء القضبان في ظروف سيئة جدا، مع غياب الرعاية الصحية المناسبة. وما اكثر الدعوات التي اطلقت من جهات دولية عديدة آخرها منظمة هيومن رايتس ووج. ففي 23 مارس قالت المنظمة ان الافراج عن بعض السياسيين ضمن حوالي 1500 اطلق سراحهم خطوة لا تكفي خصوصا في الاوضاع الراهنة وانتشار فيروس كورونا. وأكدت المنظمة الاوضاع الصحية المزرية داخل السجون، محذرة من احتمالات انتشار المرض بين السجناء السياسيين. المنظمة عبرت عن استيائها من رفض اطلاق سراح الرموز، فيما عبر النشطاء الحقوقيون البحرانيون عن سخطهم الشديد لاصرار الطاغية على التنكيل بالبحرانيين ورموزهم المسجونين. انها واحدة من اللحظات التاريخية التي سقط الطاغية وعصابته فيها اخلاقيا وسياسيا وانسانيا. السجناء السياسيون كبار في السن، وبعضهم في السبعينات من العمر ويعاني من امراض عديدة قد تؤدي لوفاتهم عند تعرضهم للفيروز القاتل. مطلوب من الجهات الدولية خصوصا الامم المتحدة وداعمي الخليفيين في واشنطن ولندن اصدار الاوامر باطلاق سراح هؤلاء المظلومين.
نقف اليوم في خندق واحد مع بقية عناصر الجنس البشري، نراقب تطورات الساحة حولنا وفي العالم في ظل انتشار وباء كورونا. ونبذل ما في وسعنا لدعم الانسانية وحمايتها من الاوبئة والامراض. ونؤكد من جانبنا مواقف العلماء والاطباء التي تدعو الجميع للالتزام بالقواعد الصحية التي توافق اطباء العالم عليها. نشد على ايدي الفرق الطبية في بلدنا والاطباء والممرضين الذين يضحون من اجل الانسان، على عكس ما يفعله الطغاة الذين لا يريدون الحياة الا لهم فحسب. هؤلاء المواطنون الصادقون في وطنيتهم ضحوا من اجل الانسان، فكان جزاؤهم من الخليفيين السجن والتعذيب والطرد من العمل. اما السجناء فندعو الله ان يحررهم من ظلم الخليفيين وسجونهم، مع ايماننا بحتمية تحقق ذلك، ليس لان ضمير الطاغية سوف يصحو، ولكن لـ “ان لله جنودا من عسل” يساهمون في كسر شوكة المستكبرين والمتجبرين كالخليفيين. فاطلاق سراح بعض السياسيين لم يكن “عفوا” منه لانه فرض عليهم ما اسماه “احكاما بديلة”. لقد مرغ الله انف ا لطغاة هذه المرة بهذا الفيروس واجبرهم على اطلاق سراح بعض شبابنا المظلومين، وسوف تتواصل الارادة الالهية ويهزم الله هؤلاء الطغاة ويحرر الوطن والشعب والرموز من بلائهم “ان أجل الله اذا جاء لا يؤخر”.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية