صرخة الاحرار من محراب علي: فزنا ورب الكعبة
تحظى ذكرى استشهاد الامام علي بن ابي طالب عليه السلام باهتمام متميز ممن يحمل في قلبه ولاء له. ومسألة الولاء والبراء مسألة جوهرية في الدين، تكررت في القرآن مرارا: “ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون”. “إذ تبرأ الذين اتُّبِعوا من الذين اتَّبَعوا”. فالولاء والبراء هنا ليس إعلانا لموقف سياسي فحسب بل اختبار لمسار الانسان وإعلان للمثل التي يتبعها. والولاء لعلي ليس حبا عاطفيا فحسب، بل يفترض ان يتجسد بالانتماء لكل ما يمثله هذا الامام. علي هذا كانأول القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأخوفهم لله، وأعظمهم عناء وأحوطهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وآمنهم على أصحابه. إيمان علي لم يكن نظريا بل كان ممارسة عملية. اعتكف في المسجد ولكنه كان أكثر حضورا في الميدان، انقطع الى ربه في العبادة حتى اصبح وقت الصلاة كالخشبة الجامدة لشدة ارتباطه بربه وانقطاعه عن الدنيا، لكن روحه كانت متحركة إزاء الآخرين: “أأقنع من العيش أن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الحياة وأكون أسوة لهم في جشوبة العيش ، ولعل في الحجاز أو اليمامة من لا عهد له بالشبع أو لا طمع له بالقرص”. وقد أوضح البعد العملي لتلك السياسة بقوله: “أتيتكم بجلبابي هذا وثوبي فأن خرجت بغيرهن فأنا خائن.” هذه المباديء ممنوع بثها بين الناس، ولذلك يعاقب الخطباء الذين يتطرقون لها او يروجونها، كما يُنكّل باصحاب المآتم ويمنعون حتى من استخدام مكبرات الصوت، فذلك تهديد للمشروع الاموي الفاسد الذي يسعى الطغاة لفرضه على المسلمين.
من يعلن الولاء لعلي فلديه هذا المثل النادر من الانسانية. هذه الممارسة تجسيد عملي للمشروع المحمدي الذي يسعى لاقامة النظام الاسلامي العادل المؤسس على مبدأ “الحكم لله”. وما اكثر من استخدم هذا المصطلح من قبل الطغاة والحكام المفسدين بهدف التضليل، وارتداء مسوح الايمان. بل ان من اغتال عليا عليه السلام وهو قائم يصلي في المحراب هتف عند رفعه السيف قائلا: “الحكم لله لا لك يا علي”. هذا التشويش على المشروع الاسلامي كان ضرورة لفرض البديل القبلي الجاهلي على الامة كما جسده المشروع الاموي بعد اغتيال علي عليه السلام. وَلاؤنا لعلي يقتضي تمسكنا بمشروعه، المشروع المحمدي الاصيل، ورفض ما سواه من جاهلية عمياء تجسدها القبلية المقيتة التي حكمت المسلمين بعد استشهاد علي وما تزال تتحكم في المسلمين حتى اليوم. لقد كان مشروع محمد مؤسسا على الحرية والعدالة والكرامة والمواطنة المتساوية وحق الناس في ادارة انفسهم والضرب بيد من حديد على الفاسدين والمفسدين. لذلك استُهدف من حمل لواء ذلك المشروع ووقف ضد الفساد. فارتبط اسم أبي ذر الغفاري بالعبارة الشهيرة: من أين لك هذا؟، فكان مصيره النفي الى الربذة وحيدا. وعندما ودعه علي في رحلته الاخيرة خارج المدينة قال له: خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك.
من هنا تميز حاملو لواء المشروع القبلي بالفساد والقمع والاستبداد، واستهداف الفئة القليلة ذات البصيرة النافذة التي فتح الله قلوب اهلها على نور الاسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله عليه افضل الصلاة والسلام، ورفع لواءه علي بن ابي طالب. الطغاة استهدفوا تلك الفئة ولسان حالهم يقول: “أخرجوهم من قريتكم انهم أناس يتطهرون”. فكان الإبعاد وسيلة لقمع الكلمة وتضليل الناس، كان ضروريا للمشروع الاموي إخماد صوت أبي ذر بابعاده عن المدينة، واغتيال سعد بن عبادة قبله، واغتيال علي ثم الحسين لاحقا. حملة المشروع الاستعبادي يملكون أبواقا إعلامية قوية مدعومة باموال المسلمين المنهوبة، تصف المصلحين وحملة المشروع الاسلامي المحمدي بالشرذمة القليلة: “ان هؤلاء لشرذمة قليلون، وانهم لنا لغائظون”. وما اكثر الدماء التي اريقت في العقود الاولى بعد استشهاد علي عليه السلام في أطار الصراع المشتعل بين حملة المشروعين. في هذا الصراع برزت أسماء مارست من الاجرام ما يندى له جبين الانسانية، وكان زياد بن أبيه، عامل معاوية على البصرة ثم الكوفة، اول من أسس للتعذيب كوسيلة لكسر شوكة حملة المشروع المحمدي. هذا الوالي الفظّ تجرّأ على القيم الاسلامية عندما ألقى خطبته “البتراء” بمسجد الكوفة ليهدد اهلها بما يتنافى مع قيم الاسلام ومباديء القرآن. فلم يقل “بسم الله الرحمن الرحيم” في بداية خطبته، بل رفع صوته مهددا: “لآخذن البريء بالمذنب” أنها جرأة المجرم الهادف لطمس مباديء القرأن ومنها ان الانسان بريء حتى يثبت ارتكابه الذنب، وان الذنب خاص بالشخص ولا يعاقب الآخرون عليه: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”. من الأساليب الإجرامية التي قام بها زياد، ولم يسبقه أحدٌ من العرب إليها أيضا، ما ذكره الإمام السمعاني في الأنساب، إن زياد أمر بقطع لسان رشيد الهجري وصلبه لأنه تكلم بالرجعة. والرجعة في المفهوم الشيعي تعني العودة الى الحياة الدنيا بعد الموت.هذا الاعتداء على الانسان من مبادء المشروع القبلي الجاهلي الذي فرضه الامويون، يقول الحديث: “الإنسان بنيان الله، ملعونً من هدم بنيانه“.
المشروع الاموي الذي كان يتوسع في ضوء مصادرة حرية التعبير التي فرضت على الامة آنذاك، بقطع ألسن من يتحدث عن علي بما هو مسلم ومؤمن وحاكم عادل وممارسة منسجمة مع قيم العدل المطلقة، كان يفرض وجوده بالمال والمنصب والتهديد والترغيب والاعلام المضلل، وما اكثر المستعدين لبيع ضمائرهم في مقابل ترويج الظلم والاستبداد والجريمة. اصحاب هذا المشروع كانوا يرون في علي بن ابي طالب ونمط حكمه معوّقا للمشروع الاموي، فكان لا بد ان يُصفّى بممارسة ارهابية أسست للعنف الدموي لاحقا. فرموز الجاهلية استمرأت الفساد وتكرشت من بيت مال المسلمين، فكان لدى الواحد منهم من الذهب ما يُكسّر بالفؤوس. وعندما أل الحكم لعلي جعل استرداد المال العام الذي نهبه اولئك الفاسدون احدى دعامات حكمه وأولوياته، فاعلن قائلا: والله لو وجدته قد تُزوِّج به النساء ومُلِك به الإماء لرددته فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق”. هذه السياسة لا تنسجم مع قيم المشروع الاموي التي تتأسس على وجود طبقتين: سادة وعبيد. فالسادة ليسوا مخولين بالتصرف في المال العام فحسب، بل انهم يملكون البشر ويتصرفون فيهم كالعبيد. ومن وقف بوجه ذلك الفساد والظلم كان مصيره التصفية الجسدية في احسن الاحوال، والتعذيب وقطع الاوصال في اغلبها ضمن مشروع دموي أسس لثقافة رسمية استمراها وعاظ السلاطين حتى اليوم. فلماذا قتل الحسين بن علي مع 72 من اهله واصحابه بعد عشرين عاما من استشهاد والده وعشر سنوات من الانقلاب الاموي على اخيه الحسن؟ لماذا قتل حجر بن عدي ومن معه بمرج عذراء؟ ولماذا قتل سعيد بن جبير؟
في ذكرى استشهاد علي بن ابي طالب يقف طلاب الحرية وعشاق العدالة والمناضلون وقفة عز وفخر وشعور عميق بالانتماء لمشروع محمد بن عبد الله الذي استشهد من اجله الابطال واولهم علي بن ابي طالب عليه السلام. هذه الوقفة تتمثل بمجالس العزاء واساليب التعبير الاخرى كالشعر والمراثي والزيارات البليغة. يتم ذلك في ظل الحجر الصحي الذي فرضه فيروس كورونا، كما يمارسه معتقلو الرأي في سجون الطغاة الذين يدافعون عن المشروع الاموي ويعاقبون من يسعى لكشف جرائمه وضلالاته وفساده. الطغاة سيعرضون مشروعهم من منظور مذهبي لاثارة الفتنة والامعان في تضليل المسلمين. اما الاحرار فيطرحون المشروع المحمدي الاصيل في سياق النضال الانساني من اجل الحرية والعدل واحترام الانسان والتصدي للظلم والضرب على ايدي الفاسدين والعابثين بأمن البشر، والتضامن مع المظلومين والمضطهدين وضحايا التعذيب والتنكيل على ايدي رموز المشروع الاموي القبلي الرجعي ماضيا وحاضرا.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية