في عيد الفطر تجلت مشاعر الحرية والوطنية
على مدى العقود السابقة لم يترك الخليفيون للبحرانيين مجالا للهدوء والراحة والاستمتاع بالمناسبات الوطنية او الدينية. فعندما يسعى المواطنون للاحتفاء بذكرى الاستقلال في منتصف اغسطس من كل عام تواجههم قوات الامن والشغب الاجنبية بالقمع والسجن. وعندما يستقبلون المناسبات الدينية يهرع الطغاة لاصدار القوانين والتهديدات باصدار قائمة من الممنوعات: لا تناقشوا التاريخ الاموي، لا تستنكروا على يزيد قتل حفيد رسول الله وسبي عياله، لا تتعرضوا لمعاوية، لا تستخدموا مكبرات الصوت، لا تناقشوا الاوضاع السياسية. واذا سعى بعضهم للتعبير السلمي عن رأيه بالاحتجاج او التظاهر كان جلاوزة الطاغية له بالمرصاد للانتقام منه والتنكيل به، حتى لو كان الاحتجاج مرتبطا بأمر خارجي، ولا علاقة له بالامن الخليفي. وهذا ما حدث في ابريل 1980 عندما تظاهر المواطنون احتجاجا على اعدام الشهيد السيد محمد باقر الصدر على يدي النظام العراقي. فكانت النتيجة اعتقال العشرات وقتل الشهيد جميل العلي تحت التعذيب، وبعده كريم الحبشي والشيخ جمال العصفور. ويتخذ الامر ابعادا اجرامية عندما ينتقم الخليفيون من المواطنين لانهم احتجوا على جرائم اعداء الامة. ألم يقتلوا الشهيد محمد جمعة الشاخوري في سبتمبر 2001 عندما خرج محتجا ضد الصهاينة عندما قتلوا الشهيد محمد الدرّة؟ ولا يقل القمع ضراوة اذا امتنع المواطن عن كل ذلك، واكتفى بتغريدة قصيرة للتعبير عن موقفه ازاء قضية تهم الوطن والمواطنين، كانتقاد العدوان الخليفي على اليمن وتوريط البحرين في حرب لا ناقة لشعبها فيها ولا جمل. عندها يكون معرضا للسجن ثلاث سنوات على ا لاقل كما حدث لفاضل عباس او خمس سنوات لنبيل رجب. اما اذا وقعوا عريضة للمطالبة بالدستور الشرعي الوحيد في تاريخ البلاد الذي ألزم الخليفيون به انفسهم قبل قرابة خمسة عقود، فان مصيرهم الى السجن كما حدث مع الشيخ علي سلمان في ديسمبر 1994. وان احتجوا على ذلك وانتفضوا بشكل جماعي كان الموت بانتظارهم في اولى لحظات انفجار مشاعرهم، وهذا ما حدث للشهيدين هاني الوسطي وهاني خميس في ديسمبر 1994. اما اذا طالب المواطنون باصلاح سياسي حقيقي وانتشروا في الشوارع فان الرصاص هو لغة التفاهم معهم. وهذا ما حدث في 14 فبراير 2011، عندما قتل سفاحو الطاغية اول شهداء الثورة، علي عبد الهادي مشيمع. ولم يسلم من قمع الطاغية وعصابته نساء البحرين. فما تزال السيدة زكية البربوري تقبع وراء القضبان، محرومة من اولادها واهلها، وهي المهندسة القديرة ذات الضمير الحي والمشاعر الانسانية ا لمرهفة. وما اكثر النساء اللاتي اضطهدهن الحكم الخليفي، ومنهن الاعلامية نزيهة سعيد التي استحضرت في الاسابيع الاخيرة الذكرى التاسعة لما واجهته من تعذيب وتنكيل عندما اعتقلها الطغاة بسبب ممارستها نشاطها الاعلامي. واشارت بوضوح للتعذيب الذي حل بها على يدي احدى الجلادات التي ذكرتها بالاسم، والتي ما تزال تحظى بحماية النظام الذي امرها بمواصلة تعذيب السجينات البحرانيات الاخريات.
وبينما يحتفي المسلمون بعيد الفطر المبارك تعبيرا عن فرحتهم باداء تكليفهم الشرعي، فان البحرانيين ليس مسموحا لهم ذلك. فبعد شهر من التهديدات الخليفية المتواصلة واستدعاء أصحاب المآتم والخطباء ومطالبتهم بعدم استخدام مكبرات الصوت لتلاوة القرآن الكريم او قراءة ادعية الصوم، استقبل المواطنون عيد الفطر بنفوس تتعالى عن الاذى والحزن وتتطلع للحياة الكريمة. ولكن هل يستطيع احرار البلاد ان ينسوا ان عليهم واجبا وطنيا لا بد ان يؤدوه في يوم العيد. لقد اعتاد المواطنون ان يبدأوا عيدهم بمجالس عزاء لاستذكار حفيد رسول الله وما حل به على ايدي النظام العائلي الذي انقلب على النظام الاسلامي واعاد النظام الجاهلي للتحكم بالمسلمين وسلب حرياتهم. ومنذ تسعة اعوام أضيف استشهاد الشاب علي جواد الشيخ الى قائمة الاحزان. ففي عيد الفطر من العام 2011 فجع الخليفيون عائلة هذا الشاب بقتله عندما خرج مع مجموعة من الشباب محتجين ضد الحكم الخليفي الجاهلي. وكما هو معروف فان شعب البحرين وفيٌّ لشهدائه، لا ينساهم ولا يتخلى عنهم ولا يقبل بحماية قاتليهم. ولذلك اصبحت زيارة قبور الشهداء ايام الاعياد عادة منذ الانتفاضة المباركة في التسعينات. فتلك الزيارات تعمّق الشعور بالانتماء للوطن والشهداء، وتُشعر ذويهم بالتضامن المجتمعي، وتعمّق لديهم مشاعر الفخر. فبرغم غياب فلذات أكبادهم عن هذه الدنيا فانهم أحياء بعطائهم وذكرهم وان دماءهم عنوان حياة متواصلة. ولمنع ذلك كثيرا ما سعى الطغاة لإخفاء قبور الشهداء وإزالة آثارهم. وطرح اصحاب المشروع الاموي مقولة عدم جواز زيارة القبور والاضرحة لان تلك الزيارات تجعل الشهادة عنوانا لخلود الشهيد واستحضار افكاره واحتذاء أثره. وما اكثر العلماء والخطباء الذين اعتقلوا بسبب تعبيرهم عن موقف او رأي علمي او بحث تاريخي رفضوا فيه الانقلاب الاموي على دين محمد بن عبد الله. لذلك اصبح هناك تاريخان للمسلمين: احدهما كتبه الطغاة واصبح مقدسا لديهم ولدى اتباعهم، وآخر خطته دماء الشهداء، واصبح منارا للثائرين ودعاة الاصلاح.
كان شهر الصوم هذا العام متميزا عما ألفه الصائمون في الاعوام الفائتة. ففي ظل وباء فيروس كورونا تلاشت مظاهر الاجتماع البشري، فمنعت التجمعات على كافة الصعدان، الاجتماعية والدينية والرياضية. ولكن ذلك لم يمنع المواطنين من مواصلة فعالياتهم النضالية. فاكتظت وسائل التواصل الاجتماعي بالنداءات لاطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين يرفض الطاغية اخلاء سبيلهم برغم بدء انتشار المراض في طوامير التعذيب التي نصبها للتنكيل بالبحرانيين. انطلقت المطالبة بعد ان تصاعد قلق اهالي السجناء على مصير اولادهم الذين قضى بعضهم اكثر من تسعة اعوام وراء القضبان. وقد وفرت وسائل التواصل الالكتروني مساحة جيدة للتفاعل مع قضية المعتقلين. وقد نجحت قبل ذلك في إرغام الطاغية على الاستسلام امام اصرار الشعب على إعادة البحرانيين العالقين في ايران، بعد رفضه التام لذلك. وكان عبيده بمجلس الشورى قد عبروا عن توحشهم وافتقادهم ابسط المقومات الاخلاقية والانسانية عندما دعوا لعدم اعادة البحرانيين الاصليين، بينما لم يعترضوا على استقدام آلاف العمالة الاجنبية السائبة التي اصبحت الآن بؤرة لانتشار حالات الاصابة بالوباء. من هنا ادرك الكثيرون عدم جدوى التعويل على الخليفيين وما أقاموه من مؤسسات تحولت لأبواق دعائية لنظامهم المتوحش. فما جدوى مؤسسات يديرها السفاحون والقتلة؟ ما الذي جناه المواطنون من المؤسسات الخليفية التي أنشئت لتكون ابواقا لتمجيد النظام التوارثي الاستبدادي ولتكون اداة قمع ضد الوطن والشعب. ومن هذه المؤسسات مجلس الطاغية بشقيه المعيّن والمنتخب، وهيئة التظلمات والهيئة الوطنية لحقوق الانسان بالاضافة لوسائل الاعلام وأجهزة الامن والقضاء. انها جميعا ادوات قمعية يستخدمها الخليفيون للانتقام من السكان الاصليين (شيعة وسنة). الامر الايجابي ان هذه المؤسسات فشلت في توفير الغطاء الذي كان يسعى الطاغية لاستخدامه لتغطية جرائمه، فاصبحت المنظمات الدولية تنتقدها بقوة وتطالب باصلاحات سياسية حقيقية. اما الثوار فقد تولدت لديهم قناعة راسخة باستحالة اصلاح نظام البغي الخليفي. فلا يمكن ان يتحول الاستبداد الى ديمقراطية الا بعد التخلص من المستبدين، ولا يمكن ان يتحول الجلاد الى رائد من رواد حقوق الانسان، ولا يستطيع القاتل ان يضمّد جراح ضحاياه. لذلك اعتبرت القوى الثورية المطالبة بـ “اصلاح” الحكم الخليفي او الدعوة لـ “الحوار” معه إضاعة للوقت وتبديدا للجهود، وتبريرا لبقائه. لقد اعلنت غالبية الشعب طلاقا ابديا مع الخليفيين، وهو شعار رفعته والدة الشهيد الاول للثورة، علي عبد الهادي مشيمع، بعد ان ضرج فلذة كبدها بالدماء قائلة: يا حمد احنا شايلينك شايلينك. قد يعتبر البعض هذه الكلمات تعبيرا عن حرقة أم لفقدها فلذة كبدها، ولكن الحوادث اللاحقة اكدت هذا المنحى، فاصبحت الدعوات لاي حوار مع الخليفيين ممجوجة ومرفوضة، الا في حالة واحدة: التفاوض على كيفية تسليم السلطة للشعب. هذه بعض حقائق الوضع التي تجلت لدى النشطاء في عيد الفطر المبارك الذي ندعو الله ان يجعله نقطة تحول في المسار البحراني للوصول الى نظام سياسي يكون الشعب فيه مصدر السلطات جميعا، وصاحب الكلمة الفصل في الامور، وما ذلك على الله بعزيز.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
29 مايو 2020