التعذيب الممنهج تؤكده الذكرى الـ 25 لاستشهاد سعيد الاسكافي
ما اكثر آهات البحرين ومعاناة شعبها في ظل الحكم الخليفي المارق. فما من شهر يمر الا وبه مناسبات تؤكد تلك المعاناة: استشهاد مواطن او اعتقال رمز او حل برلمان او تعليق دستور او استدعاء احتلال اجنبي او تنصيب طاغية. وما اكثر زائري المقابر لقراءة القرآن على ارواح فلذات اكبادهم الذي أزهق الخليفيون ارواحهم. هؤلاء الشهداء ذوو اعمار متفاوتة ما بين الرضيع والطفل والشاب والشيخ رجالا ونساء. ويتميز شعب البحرين بالوفاء لربه ووطنه واهله، لذلك لا يتوانى عن احياء هذه الذكريات لاسباب عديدة: اولها المشاعر الانسانية التي تشعر بالحزن والاسى تجاه الشهداء، ثانيها: تجديد التعاهد على الصمود والتصدي للحكم الباغي الذي ادرك المواطنون ان حياتهم لن تستقر ما دام جاثما على صدورهم. ثالثها: الاحساس بالمسؤولية الاسلامية والوطنية لابقاء جذورة الحراك السياسي المناهض للحكم التوارثي الاستبدادي متقدة. الطغاة الخليفيون يعلمون ذلك جيدا، ولذلك سعوا لاخفاء قبور الشهداء خصوصا الذين يأمر الديكتاتور باعدامهم، لكي لا تصبح مزارا لطلاب الحرية. رابعا: الرغبة في التحرر من العيش في ظل نظام مجرم لا يعترف بالانسانية او القانون ولا علاقة له بالاخلاق والقيم، بل يصر على ابادة السكان الاصليين واستبدال الشعب الاصلي (شيعة وسنة) بشعب مستورد من الخارج. وما هذه الممارسات الشنيعة في طوامير التعذيب الا تأكيد لحالة الطلاق الدائمة بين الخليفيين والبحرانيين، وهي حالة من المرجح استمرارها في المستقبل المنظور طالما استمر الدعم الاجنبي لهذه الطغمة الفاسدة. ولكن الايمان المختزن في نفوس البحرانيين يدفعهم للصلابة والصمود. وتؤكد تجارب نصف القرن الاخير ان هذا الشعب قادر على تجديد حراكه بشكل متواصل، وان الحراكات تزداد توسعا وقوة مع الزمن، الامر الذي يوحي بحتمية انتصار الشعب ما دام يرفض الصمت على الضيم او القبول بالاستبداد والاحتلال والظلم والتنكيل.
بعد ايام تحل الذكرى الخامسة والعشرون لاستشهاد الشاب سعيد الاسكافي الذي ازهق الخليفيون روحه وهو لم يصل السابعة عشرة من العمر بعد. كان طالبا في الفصل الاول الثانوي، وكان، كغيره من البحرانيين الطيبين، طموحا، يخطط لمستقبل مشرق يحمل فيه شهادة العلم ويتزوج ويكون عائلة تساهم في بناء الوطن وخير الانسانية. وتعتبر قصة استشهاده واحدة من اغرب القصص المروعة التي عاشتها البلاد في ظل الاحتلال الخليفي البغيض. ففي 29 يونيو 1995 اقتحم جلادو آل خليفة منزل عائلته بحثا عنه، ولم يكن موجودا. وبعد عودته قرر الذهاب الى مركز الشرطة لعلمه ببراءته وانه لم يرتكب جرما يعاقب القانون عليه. شارك في تظاهرات عديدة مع اقرانه من شباب السنابس، رافعين المطلب الاساس للشعب آنذاك: اعادة العمل بدستور البلاد الشرعي الذي وأده الطاغية الحالي بعد ثلاث سنوات وصوله الى الحكم. ولكن حضوره بمركز الخميس الذي كان كان من بين من يستخدمه للتعذيب المقبور خالد الوزان أطمع الجلادين في ما اعتبروه “فريسة” جيدة. فلم يمض اسبوع واحد فحسب حتى اتصل الجلادون بوالده وطلبوا منه الحضور على الفور. وهناك صعق الوالد المفؤود عندما رأى جسد ابنه الذي مزقته مباضع الجلادين. كان يتوقع استلام ابنه حيا وارجاعه للمنزل ليستقبله اخوته واخواته بدلا من والدته التي توفاها الله قبل ذلك. رأى امامه جسدا ممددا وآثار التعذيب واضحة على يديه ورجليه. لقد تخثر الدم في اعضائه بعد تعريضه لـ “الفلقة”. وتشير بعض التقرير لاعتداء حنسي باشراف الجلاد الهالك. يومها كان جهاز الامن يدار بشكل مباشر من الضابط البريطاني المقبور هو الآخر، ايان هندرسون، ومعه عادل فليفل. وقد تعرض آلاف البحرانيين للتعذيب على يدي هذا الثنائي البغيض.
بعد ربع قرن من قتل الشهيد سعيد الاسكافي وتوثيق ظلامته بالصور التي التقطت لجثته وهي على المغتسل، يتأكد توحش الخليفيين وحقدهم ضد البحرانيين. انه حقد تاريخي لن ينتهي يوما. بدأ توثيق حالات التعذيب باستشهاد جميل العلي قبل اربعين عاما. هذا التوثيق يتمثل بالتقاط صور لجثته الطاهرة التي تظهر عليها آثار التعذيب بوضوح، فقد استخدمت المكاوي والمخارز والصعق الكهربائي وأزهقت روحه في طوامير التعذيب المرعبة التي بناها الخليفيون للتنكيل بالبحرانيين الاصليين (شيعة وسنة). وحيث لم يحاكم اي من معذبي جميل العلي، فقد تواصل التعذيب في الثمانينات بوحشية اكبر، حيث تعرض شهداء كثيرون لذلك ومنهم الشيخ كريم الحبشي والشيخ جمال العصفور ومحمد حسن مدن ورضي مهدي ابراهيم والدكتور اسماعيل العلوي. وتعرضت مجموعة الـ 73 من اعضاء الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين لتعذيب لا يوصف. وبعدهم تعرض اعضاء جمعية التوعية وحزب الدعوة للمعاملة نفسها. وخلال الثمانينات لم يتوقف التعذيب يوما، وما اكثر ضحاياه الذين يستحيل عليهم نسيان ما حل بهم في غرف التعذيب على ايدي جلادين على راسهم هندرسون وفليفل وخالد الوزان وعادل المعاوة وعبد العزيز عطية الله. استمر هؤلاء في توحشهم خلال انتفاضة التسعينات، فكان سعيد الاسكافي اول من سقط من شهدائها تحت التعذيب. ثم تبعه السيد علي السيد أمين السيد محمد، وفاضل عباس (من كرزكان) ونوح خليل آل نوح. واغل هذه الحالات موثق بالصور التي التقطت لجثث الشهداء على المغتسل. وكان العدوان الخليفي الأثيم على الشعب في خريف 2010 ليكشف تصاعدا في انماط التعذيب. هذه المرة اصبح التبول في افواه الضحايا، وتجريدهم من ملابسهم واجبارهم على الرقص وهم عراة، بالاضافة للضرب والتحرش الجنسي المكثف، اضافات لوسائل التعذيب القديمة. هذه المرة تدخل “الخبراء” الاجانب بدعوى “إعادة تأهيل عناصر الامن الخليفية” لتصبح “اكثر التزاما بحقوق الانسان”. هذه الدعاوى اثبتت خواءها تجربة السنوات العشر الاخيرة، واظهرت الخليفيين اكثر توحشا وسادية. ولعل الامر الجديد سعي الخليفيين للتذاكي بارتكاب اساليب تعذيب متطورة، اكثر ايذاء للضحية ولكن باساليب لا يمكن اكتشافها بسهولة.
اساليب التذاكي هذه لم تنطل على الشعب او النشطاء الحقوقيين او الجهات الدولية المعنية بحقوق الانسان. انها اساليب شيطانية ماكرة ولكنها لن تستطيع اخفاء الحقيقة يوما. وتكشف مؤامرة “العقوبات البديلة” وعي الحقوقيين لاساليب الطغاة. فهناك اجماع على رفض توسيع دائرة القمع الى المنازل بعد ان كانت محصورة بطوامير التعذيب. وما التعامل الوقح مع الناشط الحقوقي نبيل رجب بعد نقله من طوامير التعذيب الى منزله، الا تأكيد لفشل سياسات التذاكي التي سعى “الخبراء الاجانب” من خلالها لحماية الخليفيين وتبرير دعمهم لواحد من ابشع انظمة الحكم السادية في العالم. لذلك تتصاعد المطالبة بمحاكمة الجلادين ورموز الخليفيين بدعاوى من بينها الابادة والجرائم ضد الانسانية، كما كثر الحديث عن سياسة الافلات من العقاب التي يمارسها الخليفيون. هذه المرة سيستحضر المواطنون مرور ربع قرن على استشهاد سعيد الاسكافي تحت التعذيب، ليرفعوا اصبواتهم ضد الحكم الخليفي المجرم وليطالبوا داعميه بوقف دعمهم اياه لان ذلك يعتبر شراكة في جرائمه. والامل ان يستفيق العالم من سباته ويخرج عن صمته ليتصدى للجلادين والمعذبين، ويفشل سياسات التذاكي ويقدم الدعم للشعب البحراني الذي يناضل من اجر حريته وحقه في تقرير مصيره ويسعى لاقامة منظومة سياسية عصرية تحترم الانسان وتجرّم التعذيب وتقيم نظاما سياسيا مؤسسا على مبدأ “لكل مواطن صوت”.
اللهم ارحم سعيد الاسكافي، وارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
3 يوليو 2020