عيد الاستقلال التاسع والاربعون: تجديد العهد بتحرير الارض والشعب
اليوم يصادف عيد الاستقلال، وهو يوم يحظى باهمية خاصة في تاريخ البحرين المعاصر. فمنذ الانسحاب البريطاني من البلد في 14 اغسطس 1971 دأب الشعب على احياء المناسبة باعتبارها عيد الاستقلال الذي يؤكد نضال الشعب على مدى عقود. ولكن الخليفيين لا يعترفون بذلك اليوم وينتقمون ممن يسعى لاحيائه باية صورة. فهم أشد الاطراف حرصا ليس على بقاء الاستعمار فحسب بل لاستدعائه واعادته. انها عقلية العبودية التي تعشعش في نفوس هؤلاء الطغاة الذين يشعرون بالضعف الدائم برغم امتلاكهم امكانات الدولة واموال قارون المنهوبة من الشعب. لذلك يستحيل ان يشير الخليفيون او عبيدهم الى دور النضال الوطني في مكافحة الاستعمار وتحقيق الاستقلال. يستحيل ان يعترف هؤلاء ان الشعب قادر على تحقيق النصر في مواجهته الاطراف الاجنبية الطامحة في خيرات البلاد. ولكن المواطنين قادرون على ايصال رسالتهم لمن يهمهم الامر داخل البلاد وخارجها بان الاستقلال لم يتحقق الا بالنضال الوطني عندما كانت معنويات المواطنين عالية، ومتوكلة على الله وواثقة بعدالة موقفها وهدفها: وهنا يجدر تسليط الضوء على عدد من الحقائق ذات الصلة، التي منها ما يلي:
اولا: ان الشعب البحراني عاش مدى عمره كريما، حرا، أبيا، يعشق وطنه ويدافع عنه، ولسان حاله يقول:
ولي وطنٌ آليتُ آلا أبيعَه وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا
قضيتُ به شرخ الشباب منعما بصحبة قوم اصبحوا في هنالكا
وحبّب اوطانَ الرجال اليهم مأربُ قضّاها الشباب هنالكا
إِذا ذَكَروا أوطانهم ذكَّرتهمُ عهودَ الصِّبا فيها فَحنُّوا لذالكا
فقد ألفته النفسُ حتى كأنهُ لها جسدٌ إِن بان غودرَ هالكا
ثانيا: ان شعب البحرين تصدى للمحتلين الاجانب منذ ان اعتنق الاسلام طوعا في السنة السابعة بعد الهجرة. فقد تصدى للبرتغاليين فلم يستطيعوا البقاء في البحرين سوى 80 عاما (1520-1601)، بينما بقوا بمنطقة الخليج 150 عاما. وخلال مقاومة الاحتلال البرتغالي قتل احد قادة ذلك الاحتلال، فانتقم البرتغاليون باستقدام بعض العائلات من الجزيرة العربية وأسكنوها البحرين. كما رفضوا هيمنة الوهابيين والاباضيين والايرانيين، وأصروا على الاستقلال دائما.
ثالثا: انهم لم يتوقفوا عن مقاومة الوجود البريطاني طوال المائة وخمسين عاما من وجوده (1820-1971). وشهدت السنوات التي سبقت انسحابهم تظاهرات واحتجاجات تطالب بخروجهم، وكان من شعارات انتفاضة 1965 “يسقط يسقط الاستعمار”. كما أصرت الحركة الوطنية في الخمسينات على ابعاد المستشار البريطاني “تشارلز بلجريف” من البلاد. ولذلك يصر البريطانيون حتى اليوم على دعم الحكم الخليفي (الصديق) ورفض مطالب الشعب الذي يعتبرونه “عدوا”.
رابعا: ان الخليفيين هم الذين اعتمدوا في وجودهم على الوجود الاجنبي، وتحالفوا مع البريطانيين دائما. وكانوا ضد انسحابهم من الخليج عندما قررت حكومة العمال في 1968 سحب كافة القوات البريطانية من مناطق شرق السويس بحلول 1971. وفي العام 2014 ابدى الطاغية الحالي في محاضرة بجامعة اكسفورد غضبه من انسحاب الانجليز من البلاد قائلا: من الذي طلب منكم المغادرة؟
خامسا: ان الوجود الخليفي مدين للوجود البريطاني، فكانوا يعتمدون على بلجريف لادارة حكمهم والتصدي للحركة الوطنية منذ استقدامه في العام 1926 حتى رحيله في 1957. وبعده جيء بالضابط الاستعماري، ايان هندرسون، ليؤسس القسم الخاص بجهاز الامن ويتصدى للمناضلين ويعتقلهم، ابتداء بالمرحوم عبد الرحمن النعميي الذي اعتقل في المطار في 1969 لدى عودته من ابوظبي وصولا لقادة الانتفاضة الشعبية المباركة في التسعينات كالاستاذين عبد الوهاب حسين وحسن مشيمع وبقية ابطال الشعب.
سادسا: بعد انطلاق الثورة المظفرة بعون الله تدخل البريطانيون بقوة لانقاذ الحكم الخليفي، فجاؤوا بعناصر الامن ليديروا السجون ويسيطروا على الوضع وحالوا دون محاكمة مرتكبي جرائم التعذيب. كان دور “الخبراء” الامنيون البريطانيون إخماد ثورة الشعب وضرب قادتها ورموزها باساليب لا تترك اثرا ماديا على ا لتعذيب والتنكيل. وفي المحافل الدولية وقف البريطانيون درعا لحماية الخليفيين، بمنع صدور القرارات الدولية التي تشجب جرائهم. وحتى الآن استطاعوا منع المقررين الخاصين الدوليين من زيارة البلاد، ومارس الاعلام شبه الرسمي البريطاني سياسة تعتيم شبه كاملة على ما يجري في البحرين، وعلى الدور البريطاني الداعم للظلم الخليفي.
في ظل ما تقدم، فان ما حققه الشعب بنضاله على مدى المائة عام الماضية كان كبيرا. فقد أفهم الأجانب ان الشعب يسعى لتحرير ارضه من الهيمنة الخارجية ايا كان شكلها، وانه لن يساوم على سيادة البلاد واستقلالها، وان الخليفيين لا بد ان يرحلوا لانهم العنوان الابرز للوجود الاجنبي في البحرين. فهم اجانب، وجاؤوا بالقوات الاجنبية في العام 2011 لحماية حكمهم والتصدي لثورة ا لشعب، وبقوا معتمدين على الاجانب لتشكيل شعب جديد بديل لشعب البحرين الاصلي (شيعة وسنة).
لذلك يرفض الخليفيون الاعتراف بعيد الاستقلال الذي يحتفي الشعب به لانهم لا يريدون ترويج فكرة ان الشعب قادر على هزيمة الطامعين الاجانب واخراجهم من البلاد. فذلك يعني ان هذا الشعب، اذا كان قد حقق نصرا بتحرير بلده من الحماية البريطانية، فانه يستطيع كذلك التصدي للوجود الخليفي الاجنبي ويحرر بلده وارضه من وصاية عائلة تتصرف معه كعصابة وتستغل بشكل متواصل خيرات البلد وتساوم على سيادتها وتسعى لاستبدال سكانها الاصليين (شيعة وسنة) بشعب اجنبي يتم استقدامه وتجنيس افراده.
ان عيد الاستقلال يوم وطني مشرّف، حققه المناضلون الذين هتفوا ضد الاستعمار وسجنوا وعذبوا وأبعدوا من ارضهم حتى وصلوا جزيرة “سانت هيلانة” في العام 1957. هذا العيد نقطة مشرقة في تاريخ البلاد، لانه تعبير عن صلابة الشعب في مواجهة الاحتلال الاجنبي، وتأكيد لهويته وانتمائه. هذا الشعب هو الذي حقق عروبة البحرين واستقلالها بمواقفه في العام 1970 عندما استقبل المبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة، وينسبير جيوتشياردي، وأفهمه بلسان صريح ان الشعب يريد دولة مستقلة يمارس الشعب فيها سيادته ولا يقبل بهيمنة اية جهة اجنبية، سواء بريطانية ام ايرانية. هذا الشعب لم يضح لتحقيق ذلك من اجل ان يسلمها لطغاة مجرمين يسعون دائما لاستبداله بشعب آخر بدعم اجنبي مكشوف. وليس لديه خيار، وهو يستحضر انجازات اجياله في النضال الوطني، الا تأكيد إصراره على مواصلة درب النضال حتى تتحرر الارض والشعب من براثن الطغمة الخليفية داعميه. ان العيد الوطني مناسبة لتجديد العهد مع الله والشعب والشهداء على احتضان مشروع الحرية والكرامة ورفض مشاريع الاستيطان والاحتلال والاستعباد والمساومة على الحقوق. هذا عهد مقدس لا محيد عنه ولا تراجع، حتى يأذن الله بنصر من عنده. انهم لهم المنصورون، وان جندنا لهم الغالبون.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
14 اغسطس 2020