نفحة من عاشوراء تعيد الحياة لأعداء المشروع اليزيدي
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين
لم يكن الحسين وحيدا عندما أطلق صرخته في العاشر من المحرم من العام 61 بعد الهجرة (العاشر من اكتوبر 680 بعد الميلاد). فقد كان الله يسمع تلك الصرخة، ويكفي ذلك سندا. كانت الملائكة تسمعها ايضا، كما سمعت ضربة ابن ملجم عليا في محرابه قبل عشرين عاما من ذلك اليوم، وكفى بالله نصيرا. انها عقيدة راسخة بحتمية النصر الالهي للمؤمنين الصامدين الثابتين على مباديء السماء “ان ينصركم الله فلا غالب لكم”. في ظهيرة ذلك اليوم الذي اخمد فيه صوت الثورة ظاهرا، كانت دماء الحسين واصحابه تؤسس لثورات مستقبلية ستتواصل بإذن الله حتى يسقط الحكم الاموي البغيض. في ذلك اليوم تجسد مشروعان تواصل صراعهما وسيبقى حتى يظهر الله دينه، ولا غالب الا الله. كان الحسين عنوانا لمشروع محمد بن عبد الله الذي تحدى الجاهلية واستبدلها بالدين والعقل والوعي والايمان والاخلاق، وكان يزيد بن معاوية امتدادا للضلال الذي ما برح الطغاة يسعون لفرضه على الشعوب. كان نسخة اخرى من معاوية وابي سفيان الذين لم يستطيعوا التمييز بين المشروع الالهي الذي تكون السياسة جانبا منه، والمشروع الجاهلي الذي لا مكان لله فيه. وقد عبّر يزيد عن ذلك بوضوح عندما قال في مجلسه بدمشق: لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل.
لا يستطيع الطغاة ان يقبلوا دين الله او يعترفوا بوجود مشروع إلهي حقيقي يتجسد من خلال خلافة الانسان على الارض، تلك الخلافة التي تعمر ولا تهدم، تحمي الانسان وحياته وكرامته ولا تسفك الدماء ظلما وجورا. لم يكن الحسين عليه السلام وحيدا يوم عاشوراء وان سجل التاريخ صرخته التي ترددت في ارجاء المعمورة. النظام الاموي كان هشا برغم ما يملكه من امكانات عسكرية ومادية، تهزه صرخة الحسين وخطبة زينب في الكوفة وكلام زين العابدين في قصر دمشق. لذلك يعاقب الطغاة مناوئيهم على الكلمة، فيفتكون بهم ويقتلونهم او يسجنونهم وينكلون بهم. اما النظام المؤسس على المشروع الاسلامي فقوته تستمد من الله اولا وقوة مبادئه ثانيا والحرية التي يتيحها للناس ثالثة. وقد بقي ورثة المشروع اليزيدي اعداء للكلمة حتى اليوم، فما اكثر العلماء والرموز والنشطاء والشباب الذين اكتظت بهم سجون الجاهليين بسبب تعبيرهم عن رايهم، وما اكثر القوانين التي صدرت ماضيا وحاضرا لتجريم من يطرح رأيا في مقابل راي الطاغية الذي بقيت لغة الدم توجه حكمه: “اقتلوه او حرقوه” و “اقتلوه وانصروا آلهتكم”، ألم يأمر زياد بن أبيه، والي معاوية على الكوفة بقطع لسان رشيد الهجري؟ ألم يأمر المتوكل بقطع لسان ابن السكيت الكوفي بسبب موقفه، فأخرج لسانه من قفاه؟ ما الذي اقترفه آلاف السجناء في بلدنا سوى اعتراضهم على الطاغية وجرائمه؟ ما الذي فعله جميل العلي وسعيد الاسكافي وكريم فخراوي وعلي صقر وزكريا العشيري وعبد الرسول الحجيري؟. ما الذي فعله الشيخ عبد المحسن ابن الملا عطية؟
عشية يوم العاشوراء يبدو ان الزمن قد توقف منذ العاشر من اكتوبر من العام 680، فقد تأسس المشروع الاموي واصبح نهجا فرض على امة المسلمين خمسة عشر قرنا متواصلة بدون توقف. وكذلك فان صرخة الحسين كانت شعلة الثورة المتواصلة التي لم تخمد يوما ولن تخمد حتى يظهر الله دينه على ايدي رجال الاصلاح وعلى رأسهم مهدي آل محمد (عج). هذا الصراع له مصاديق عبر التاريخ ابتداء بثورات العلويين تحت شعار “يا لثارات الحسين” مرورا بقيام دول استغلت تداعيات الثورة ودعت للرضا من آل محمد، وصولا الى ما شهدته منطقتنا من صراعات متواصلة لم تخمد ابدا. هذه الايام يحتفى اهل المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية بذكرى انتفاضة محرم من العام 1400 هجرية (نوفمبر 1979) ضد الحكم السعودي الذي يعتبر التجسيد المعاصر للمشروع الاموي. تلك الانتفاضة سقط فيها عشرون شهيدا بنيران الحرس الوطني المجرم. مع ذلك لم تنته حركة اتباع الحسين، بل تواصلت حتى الآن، وما يزال الشهداء يتساقطون في المنطقة الشرقية هاتفين من اجل الحرية والعدالة ورافعين راية الحسين ومعلنين الرفض المطلق للمشروع الاموي الاستبدادي الذي لا يحترم الانسان.
ماذا يمكن ان يكتبه اي عالم او خطيب او ثائر وهو يستحضر ذكرى عاشوراء؟ ما الجديد في الامر، ولماذا هذه الحيوية التي تدفع الملايين لإحياء الذكرى برغم انتشار الوباء من جهة والقمع السلطوي من جهة اخرى؟ هل حقا ان الدم ينتصر على السيف؟ وهل حقا ان الحسين ينتصر دائما واعداءه يندحرون؟ أليس ذلك مصداقا للمقولة السائدة “كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء”؟ صراع الاجيال يتواصل ومنطق الطغاة واحد، الاستهتار بالمشروع الالهي الذي جاءت به رسالات السماء من آدم الى محمد عليهم افضل الصلاة والسلام. مشروع واحد اسمه “الإسلام” وعدو واحد اسمه الكفر والطغيان والاستبداد والتفرعن. “ان الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم”. وفي مقابل منطق الحسينيين هناك منطق آخر يروجه ا ليزيديون، يجد شعبنا مصاديقه في السموم التي تبثها أقلام عبيد الطغاة ولاحسي قصاع الظالمين. ألم يقل المتفرعنون: ان هؤلاء لشرذمة قليلون؟ ألم يقولوا لنبي الله: وما نراك اتبعك الا الذين هم أراذلنا؟ ألم يقل فرعون لعبيده: إني أخاف ان يبدّل دينكم او ان يظهر في الارض الفساد. ما اشبه الليلة بالبارحة، وما أشد انحراف الاعلام عن اهدافه الانسانية النبيلة. فالناعقون لم يتوقفوا يوما عن التصفيق للطغاة والديكتاتوريين، يدفعهم لذلك حب الدنيا واتباع الشهوات وحب المال والجاه. اما الحسينيون فمدفوعون بالايمان والمبدأ والأمر الالهي والانصياع للحكم الشرعي الذي يستنبطه الاحرار من كلمات الحسين بن علي عليه السلام: أيّها الناس، إنَّ رسولَ اللَّهِ (ص) قالَ: مَن رأى منكُم سُلطاناً جائِراً مُستحلاً لحرم الله، ناكثاً بعَهدِه، مُخالِفاً لسنّةِ رسولِ الله، يَعملُ في عبادِه بالإثمِ والعدوانِ، فلم يغِرْ (وفي رواية فلم يُغيّر ما) عليهِ بقولٍ ولا بفعلٍ، كان حَقّاً على الله أن يُدخِله مَدخلَه». انها ثقافة الاحرار والشرفاء والكرماء التي صاغتها دماء كربلاء في ذاكرة الانسانية ولن يستطيع طاغية او مستبد او ديكتاتور او متجبر او متفرعن ان يمحوها مهما اوتي من قوة وسلطان.
نعزي رسول الله وأهل بيته وشعبنا المظلم باستشهاد ابي عبد الله الحسين عليه السلام، ونشد على يديه بعد ان انتصرت ارادته على الارادة الخليفية. فما المشاهد التي انتشرت في شوارع مدن البحرين وقراها منذ بداية محرم الا تأكيد على النصر الالهي المحتوم للمؤمنين. فما من طاغية استهدف الحسين عليه السلام في مشروعه وذكره الا محقه الله. طوبى لأهلنا الذين استصغروا الطاغية كما استصغرت زينب يزيد وهي تخاطبه امام الصغار المحيطين به في قصره قائلة: فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا” وانتهت بتصريح يؤكد شجاعتها النادرة: فهل رأيك الا فند، وايامك الا عدد، وجمعك الا بدد يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين”. لذلك اصبح امام الاحرار اختيار واحد من طريقين كما ذكر المرحوم الدكتور علي شريعتي: الذين استشهدوا قاموا بعمل حسيني وعلى الباقين ان يقوموا بعمل زينبي والا فانهم يزيديون”.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية