التطبيع البحريني: تزلّف إلى ترامب وجزع من المستقبل
عباس بوصفوان
الثلاثاء 15 أيلول/ سبتمبر 2020
صحيفة الاخبار
لطالما شعر الملك البحريني حمد بن عيسى أنه منبوذٌ من قِبل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما! ولمّا دخل دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي، في كانون الثاني/ يناير 2017، هلّل نتنياهو في الأراضي المحتلة، وتردّد صدى صوته في قصور المحور السعودي في الخليج.
حين «غزا» الرئيس الجمهوري الرياض، في أيار/ مايو 2017، وحلّت «كراماته» في نجد، كما يروّج الإعلام السعودي والعبري، فقد طالت ملك البحرين منه «بركة». وفي مقابل أن يحصل الرئيس المتغطرس على صفقة أسلحة مليارية، تُحقق: «jobs jobs jobs»، فقد منح الرجل الأبيض «مباركته» لتحولات كبرى:
سعودياً، أُطيح بمحمد بن نايف، واعتلى محمد بن سلمان ولاية العهد (21 حزيران/ يونيو 2017). إقليمياً، أُعلنت الحرب الاقتصادية والسياسية والإعلامية على قطر (17 حزيران/ يونيو 2017). وفي الأفق، وعد انتخابي معلن بتمزيق الاتفاق النووي مع طهران. ولعنة تلك القضايا ما زالت تطارد المتلبسين «بالجرم المشهود»، وشياطينها تحوم فوق رؤوس الجميع في هذه اللحظة، وتستحقّ وقفة خاصة، قريباً. فماذا جرى بحرينياً؟
اجتمع ترامب وحمد في قلب المؤسّسة النجدية التي يرعاها الرجل الأبيض، وترعى هي بدورها الحليف الأصغر في قصر الصافرية (مقر الملك حمد).
الاجتماع مع ترامب جرى بعد طول انتظار من قِبل الملك الذي عاش أقسى فترات حياته في شباط/ فبراير وآذار/ مارس 2011، وما زالت كوابيس الاعتصامات الحاشدة في دوار اللؤلؤة تطارده.
منذئذ، طالما أمل الملك أن تتحقّق رغبته باجتماع مع رئيس أميركي، حتى لو كان غير أبيض، من دون منغّصات وعِظات في الديموقراطية، واحتواء مشاكل الشباب، والتفاهم مع إيران.
بعد اللقاء الذي لم يدُم طويلاً، وبمجرد أن صرّح ترامب أن «العلاقات بين بلدينا رائعة، وإن كان قد شابها بعض التوتر، لن يكون هناك توتر مع هذه الإدارة»، بدا أن القصر البحريني قد استعاد نعيقه المبحوح على شعبه الأعزل.
يقصد ترامب بـ«التوتر» تلك الانتقادات اللفظية التي اعتادت إدارة سلفه توجيهها للسلطة البحرينية، جرّاء الانتهاكات المروعة التي ارتكبتها سلطات المنامة ضد الحركة المعارضة في البلاد.
تأبط الملك الضوء الأخضر الترامبي. عاد إلى المنامة مهرولاً، ولم تمضِ 24 ساعة على هبوط طائرته، حتى أصدر أوامره بالفتك بالمعتصمين أمام منزل آية الله الشيخ عيسى قاسم، في منطقة الدراز، وسقط خمسة شهداء، واعتُقل نحو 300 شخص.
تلك الواقعة الأليمة جرت في 23 أيار/ مايو 2017، قبل أسابيع من أي إجراءات أخرى نحو قطر وابن نايف، وكانت أوّل اختبار لصدقية تعهّدات الرئيس الجديد، للمحور السعودي – الإماراتي، المستاء من أوباما.
لم يصدر موقف يُذكر من طرف إدارة ترامب، بشأن قتل العزّل في وضح النهار في الدراز، ولا حتى كلام لفظي اعتدنا سماعه من إدارة أوباما. أمّا موقف البريطانيين، ربما دعوا السلطة البحرينية إلى الوفاء بتعهداتهم الدولية في مجال حقوق الإنسان التي تهرأت أوراقها بسبب تركها في الأدراج الأممية.
لم تكن تنديدات الإدارة الأوبامية ذات فعالية حقيقية، لكن طالما شعر القصر البحريني بالانزعاج الشديد، وهو يرى وكالات الأنباء العالمية تتناقل الإدانات الغزيرة القادمة من الخارجية الأميركية، و«البيت الأسود» في نظر القصر.
منذ أيار/ مايو 2017، تغيّر الحال، شعر حمد بن عيسى أن يده مطلقة في التنكيل بالمعارضين العزّل، مع وجود ظهر يحميه ويطبطب عليه في واشنطن.
عملت حكومة البحرين على إرضاء ترامب، بشتى الطرق. فبعد نحو ستة أشهر من «غزوة» الرياض التي دشّنت بحرينياً مرحلة جديدة من القمع، وبات شعب الجزر «يصرخ في الظلام»، أكثر من أي وقت مضى… استقبل الرجلُ الأبيض وليَّ العهد سلمان بن حمد، الوجه الناعم للقصر البحريني، ليعلن ترامب بعظمة لسانه السليط تدشين صفقة تسليحية عملاقة بالمقاييس البحرينية، تبلغ كلفتها نحو 9 مليارات دولار (كانون الثاني/ديسمبر 2017).
إقليمياً، انخرطت المنامة في ثلاثة أمور: زيادة التحريض ضد إيران، ورفع نبرة العداء تجاه قطر، والتزلّف إلى إسرائيل.
داخلياً، بلغ الحال شطب المعارضة من الحياة السياسية، ومنع قطاعات واسعة من الأغلبية الشعبية حتى من الإدلاء بصوتها في الانتخابات المكيّفة سلفاً.
الغبطة بوصول ترامب سرت داخل المؤسسة العسكرية البحرينية العرجاء، بسبب تشكلها من لون واحد، واعتمادها على المجنّسين. اتهمت قيادة الجيش، علناً، إدارة الرئيس الأميركي السابق بدعم انتفاضة 2011! والتخلّي عن البحرين في محنتها، وحظر بيع بعض السلاح، والضغوط كي لا يمضي العنف الرسمي إلى إطلاق نيران الدبابات على المناطق المدنية العزلاء.
والحقيقة أن أعظم الانتهاكات مورسَ في ظل إدارة الرئيس أوباما، الذي استمر في منصبه حتى نهاية 2016، تم خلالها تصفية المعارضة عن بكرة أبيها، كما أُعطي الضوء الأخضر للتدخل العسكري السعودي في البحرين، وما رافقه من قتل على الهوية، وإعلان المعارضة مقاتلين أعداء يجب سحقهم من الجذور، وتجفيف ينابيع الثورة عبر الطرق كافة.
بين 2011 – 2016، قُتل العشرات بالرصاص الحي، وهُدمت عشرات المساجد، وحُلت ثلاث جمعيات سياسية («أمل»، «الوفاق»، «وعد»)، واعتقلت القيادات، بمن فيهم زعيم «الوفاق» الشيخ علي سلمان، وتم سحب جنسية آية الله قاسم، كل تلك القضايا تمّت إبان أوباما الذي ندد على الطريقة العربية، من دون أن يحرّك ساكناً.
لا شكّ أن ترامب أعطى شيكاً على بياض للحرب الخليفية على المواطنين، يحاول القصر أن يردّه عبر التطبيع الحار مع إسرائيل. ومع ذلك، فإنّ هذه الاندفاعة الإماراتية البحرينية الجديدة القديمة، المدعومة سعودياً، تحمل في طياتها قلقاً من قدوم جو بادين، الذي قد يغيّر بعض قواعد الاشتباك، حين يُعيد الحياة إلى الاتفاق النووي، ويعالج الحصار ضد قطر، فتتهاوى المقولات البائسة التي طالما روّجت أن سُنّة البحرين موالون لقطر، وشيعتها موالون لإيران.