الجنسية حق سلبه الخليفيون من البحرانيين
لم يكن سحب الجنسية في السابق سلاحا مستخدما من قبل الخليفيين على نطاق واسع، برغم ان عددا من السكان الاصليين (شيعة وسنة) سحبت جنسياتهم عندما عارضوا الاستبداد الخليفي. ولكن منذ انطلاق الثورة البحرانية في 14 فبراير 2011 امر الطاغية الحالي بسحب جنسية المئات من السكان الاصليين، بموازاة منحها لآلاف الاجانب. واصبحت هذه الحقيقة احد الادلة الدامغة على المشروع الخليفي الهادف لإبادة الشعب الاصلي واستبداله بشعب مستورد من الخارج. وكانت المرة الاولى التي اعلن الخليفيون فيها سحب الجنسية بشكل جماعي في الاسبوع الاول من نوفمبر 2012، عندما نشرت وزارة داخليتهم قائمة بـ 31 اسما قرروا سحب جنسيتهم بشكل تعسفي. ذلك القرار لم يصدر عن محكمة او فقا لأي قانون محلي او دولي، بل كان قرارا جائرا اصدرته العائلة الحاكمة في الوقت الذي كانت الثورة فيه تتصاعد وتزداد انتشارا. شملت القائمة نشطاء سياسيين وحقوقيين معروفين ونظر الى ذلك انه انتقام شخصي من الطاغية بعد ان اعلن الشعب رفض نظامه وطالب بتغيير سياسي جوهري في البلاد. اثار ذلك القرار غضبا لدى الجهات الحقوقية الدولية، ولكن حلفاء الخليفيين لم يتخذوا موقفا مبدئيا ضد هذا التعسف، ولم يطالبوهم بالغاء ذلك القرار، الامر الذي شجعهم على الاستمرار في سحب الجنسيات في السنوات اللاحقة، حتى بلغ عدد البحرانيين الاصليين الذين سحبت جنسياتهم قرابة الالف. وعندما اصبح ذلك الاجراء سخيفا حقا صدرت اوامر من الاسياد باعادة الجنسية للبعض، فاصبح عدد المحرومين من الجنسية اكثر من 500 شخص.
الجنسية حق لكل مواطن، خصوصا اصحاب البلاد الاصليين في البلدان التي يتم احتلالها من قوى اجنبية، مثل فلسطين والبحرين. ومن المؤكد ان اي نظام لا يستطيع ان يسحب من اي مواطن شعوره بالانتماء للبلد الاصل الذي نما فيه وترعرع، خصوصا اذا كان اسلافه قد عاشوا في تلك البلاد. والشعب البحراني الاصلي له جذوره التاريخية الممتدة قرونا، بينما الخليفيون يعتبرون طارئين على البلاد لانهم احتلوها بالقوة الغاشمة في عدوان وحشي ادى لقتل الآلاف قبل قرنين وربع تقريبا. مشكلة الخليفيين انهم لم يكتفوا باحتلال البلاد بل انتهجوا منذ البداية سياسات عدوانية تهدف لتغيير تركيبة البلاد لكي لا تتضح غربتهم على البلد وتاريخه وثقافته. ولديهم مشكلة اخرى تتصل بغرورهم واستكبارهم، فقد رفضوا منذ البداية الانصهار في الوطن والشعب، وفضلوا العيش منفصلين عن السكان الاصليين (شيعة وسنة). فقد رفضوا التداخل معهم في المناطق السكنية واتخذوا من الرفاع مقرا لاقامتهم. كما وضعوا خطوطا حمراء اخرى منها رفض التزاوج مع السكان الاصليين، او التفاعل الثقافي والفكري معهم. ولكي يكرسوا حالة التباعد عمدوا لسياسة فصل عنصري واضحة، ورفضوا تمازج السكان او تجاوز التباينات المذهبية مثلا، فلم يسمحوا بتقارب عملي خصوصا في القضايا السياسية. وما ان يلاحظوا تقاربا بين علماء الدين من السكان الاصليين حتى يفتعلوا قضايا تتيح لهم التدخل لمنع التقارب على اي صعيد. كما رفضوا الاعتراف بشعب بحراني واحد، ولم يقبلوا يوما ان يتحاوروا مع ممثليه، بل سعوا للتعاطي مع كل مكون منفصلا عن المكونات الاخرى. كل ذلك من اجل منع قيام وحدة وطنية على غرار ما جرى خلال الوجود البريطاني عندما انتفض الشعب مرات عديدة وكشف قوته كوحدة شعبية متكاملة
مع ذلك لم يطرأ تغير جوهري على الموقف الشعبي الرافض للاحتلال الخليفي. هذا الشعب الذي تمرد على اساليب التمييز والفصل التي تمارسها العصابة الخليفية، استمر في معارضته الحكم الشرير وسعى لتغييره مرارا طوال القرن الاخير. وما اكثر الذين تعرضوا للقمع الخليفي المنظم الذي نجم عنه استشهاد المئات وابعاد الآلاف وقتل المئات. وجاءت جريمة سحب الجنسية البحرانية من المئات لتعمق الازمة وليس حلها. فما اكثر الذين سحبت جنسياتهم تعسفا وهم يرزحون في السجون او يعيشون في المنافي، وهدف ذلك كسر معنويات الثوار واعتبار فقدان الجنسية رادعا يمنع المواطنين الاصليين من المشاركة في مشروع التحرير الوطني الذي يهدف لازالة الكابوس الخليفي عن صدور المواطنين. هذا النظام لديه عقيدة امنية لا يستطيع تغييرها برغم ثبوت فشلها مرارا، وهي ان القمع هو السبيل لكسر شوكة المواطنين وردع الثائرين. بينما تؤكد تجارب الشعوب، ومن بينها شعب البحرين، ان القمع انما يعمّق الشعور بالظلامة ويدفع الضحايا للدفاع عن النفس بالتصدي للجهات التي تمارس القمع والاضطهاد. ولذلك تؤكد وقائع التاريخ ان كل ثورة شهدتها البحرين في المائة عام الاخيرة كانت اقوى من سابقتها. فتراكم الشعور بالظلامة يزيد حماس الضحايا للتحرك ضد الظالمين والمستبدين. كما اثبتت تجارب البحرين ان شعبها طيب القلب وانه يسير خطوتين لمن يقطع خطوة واحدة باتجاهه. ولعل من حسن حظ الثورة ان الخليفيين لا يتقنون اساليب المداراة والاساليب الناعمة لاحتواء غضب الثائرين، بل يغذونها باساليب القمع والاضطهاد، الامر الذي يزيد الثورة اتقادا ويزيدها اشتعالا.
واذا كان التعذيب والقتل والسجن والابعاد قد فشلت جميعا في احتواء مشاعر الغضب لدى المواطنين على مدى العقود السالفة، فان تكثيفها لن يغير الحقيقة ولن يحمي العصابة الحاكمة، بل سيعمق الغضب الشعبي ضدها ويجذب الاجيال الجديدة للنشاط ضدها. فالشعب ومعه العالم مدركون لحقيقة مهمة مفادها ان الجنسية حق للمواطنين، ولا يجوز استخدامها لمساومتهم على مواقفهم السياسية. وقد اكدت الامم المتحدة على هذا الحق، خصوصا في الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يقول: “لكل فرد الحق في أن تكون له جنسية. ولا يجوز حرمان أحد، تعسفاً، من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته. وعلى الدول أن تضع ضمانات لمنع انعدام الجنسية بمنح جنسيتها للشخص المولود في إقليمها أو المولود خارج إقليمها لأحد الوالدين من رعاياها والذي يكون لولا ذلك عديم الجنسية. وعلى الدول أيضاً منع حالات انعدام الجنسية عند فقدان الجنسية أو الحرمان منها.” هذا الحق لا يسقطه قرار اية حكومة باستخدام الجنسية سلاحا ضد مواطنيها. ولذلك فشل الخليفيون في الحصول على دعم اي من حلفائهم، برغم تبريرهم بان سحب الجنسية كان احدى وسائل مكافحة الارهاب. فسحب الجنسية من المواطنين بما يعرضهم لان يصبحوا “عديمي الجنسية” امر مرفوض دوليا ولن يحقق نتائج سياسية ايجابية لمن يمارسه. وقد رفض ذلك مجلس حقوق الانسان واكده مقوض حقوق الانسان السابق، وكتبت ضده منظمات حقوقية دولية عديدة. وقد أرغم الطاغية العام الماضي على التقهقر امام الضغوط واعلان اعادة الجنسية لمئات البحرانيين الذين كان قد أمر بحرمانهم من حقهم الطبيعي في الجنسية. هذا التراج كان ضربة موجعة لمصداقية الحكم الخليفي الذي فقد الشرعية كاملة باعلانه الحرب ضد البحرين وشعبها.
منذ ان اعلن المواطنون ثورتهم الشاملة على الحكم الخليفي الاستبدادي كانوا مستعدين لتحمل تبعات ذلك القرار، فرفضوا التراجع عن المطالبة باسقاط النظام، ورفضوا التراجع عن الاحتجاج والتظاهر ومقاومة السياسات الخليفية. وقد اظهرت الخيانة الخليفية لفلسطين واهلها وعي البحرانيين الاصليين قاطبة وحرصهم على تمتين العلاقات مع اهل فلسطين ورفض التطبيع مع محتلي ارض المعراج. وقد امتلأت شوارع البلاد بالشعارات التي تجرّم التطبيع الخليفي مع الصهاينة، وتصر ليس على رفض تلك السياسة فحسب بل والمطالبة بانهاء الحكم الخليفي التوارثي الاستبدادي. فلم يعد هناك مجالس للتعايش بين البحرانيين وقوات الاحتلال الخليفية، خصوصا بعد ان قررت تعويم البلاد وفتح حدودها للتدخلات الاجنبية الهادفة لقمع المواطنين والنيل من سيادة بلدهم. ان اسقاط الجنسية عن مئات البحرانيين جريمة كبرى شجبها العالم ورفضها المواطنون، وستظل مصدر تحريك مستمر للمشاعر الثائرة ضد الاستبداد والرافضة للعدوان الخليفي وخيانة الطاغية وجلاوزته. فالبحراني معطاء اينما حل، ولن ينسى ظلامته وهو يتنقل بين بلدان المهجر، ويعلم ان بلاده محتل من قبل عصابة لا ترحم. فالظلم الذي عاشه البحرانيون في ظل الحكم الخليفي تجاوز الحدود، ويتوقع تصاعده كذلك بعد استدعاء جهاز الموساد الاسرائيلي للمساعدة بقمع المواطنين. لقد كان قرار سحب الجنسية ناقوسا ساهم في استيقاظ الشعب على واقع جديد يرفضون اي دور للخليفيين فيه. ورب ضارة نافعة، كما يقال، فلعل الله يجعل بعد عسر يسرا، ويحوّل هذا الملف مدخلا لمفاصلة نهائية تنهي العهد العهد الخليفي وتحرر الشعب من ظلمهم.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
30 اكتوبر 2020