ثوابت الثورة تقتضي مطالبة رئيس الوزراء الجديد بتسليم السلطة للشعب
درس مهم تعلمه البحرانيون بعد تجربتهم قبل عشرين عاما: عدم التفاؤل بزوال طاغية خليفي وصعود آخر الى الحكم مكانه. فالقوم هم ابناء القوم، والخليفيون هم الخليفيون، لا فرق بين خليفة بن سلمان او سلمان بن حمد. ليس هناك اختلاف جوهري بين حمد بن عيسى الذي يمارس استبداده وقمعه منذ عشرين عاما، وعيسى بن علي الذي كان يحكم البلاد قبل مائة عام. سياسات متوارثة عبر الاجيال الخليفية جوهرها الحكم المطلق، الاستبداد، الظلم، العداء للسكان الاصليين، الاعتماد على الاجنبي، استباحة البلاد والعباد. هذا ما حدث في مطلع العشرينات في عهد عيسى بن علي، وما ان تدخل البريطانيون لاستبداله بابنه حمد حتى استقدموا “مستشارا” بريطانيا لادارة البلاد بالنيابة عنه. فالجميع يعلم ان الخليفيين لا يثقون بالبحرانيين، ماضيا وحاضرا ومستقبلا. لذلك برغم إزاحة عيسى بن علي لم تتغير الاوضاع بل استمر القمع وتواصلت الانتفاضات الشعبية طوال العقود اللاحقة حتى اليوم. تاريخ متواصل من القمع والاستبداد والظلم من الجانب الخليفي والرفض والتمرد والثورة من الجانب البحراني. هذا المسلسل لن يتوقف او ينتهي الا بحدوث امر واحد فحسب: انهاء السيطرة الخليفية على البلاد. هذه التجارب المديدة أكسبت شعب البحرين وعيا وبصيرة، فخرج في 14 فبراير 2011 هاتفا: الشعب يريد اسقاط النظام. لم يكن ذلك الشعار عبثا، بل كان تعبيرا عن مشاعر مختزنة لدى الجماهير، ترفض استمرار حكم عصابة مجرمة ارتكبت الموبقات وتصر على إبادة السكان الاصليين، وتوالي أعداء الامة وتعادي أصدقاءها.
ومنذ ان مات خليفة بن سلمان وتولى سلمان بن حمد الحكم طبقا لنظام التوارث المعتمد لدى العصابة الخليفية، ظهرت اصناف ثلاثة من المواقف إزاء الوضع “الجديد”:
اولها: الانتهازيون وضعفاء النفوس والمتلهفون لـ “عطاء الامير”، ويمثل هؤلاء، بفضل الله، قلة من البحرانيين لا تمثل توجها مؤثرا، ويعمل هؤلاء باساليبهم من خلال التغريد وبث الاشاعات في المجموعات الالكترونية، لترويج ثقافة الاستسلام للحكم الخليفي والتهجم على الناشطين ضد الحكم الخليفي.
ثانيها: الواهمون الذين لم يتعلموا من تجارب الماضي القريب ويوهمون انفسهم بان رئيس الوزراء الجديد “رجل اصلاحي” يختلف عن أسلافه، يعولون عليه ولا يزالون يظنون انه سيصلح ما افسده اسلافه، وهؤلاء يمثلون قطاعا لا بأس به من المواطنين، يشمل نشطاء سياسيين وتكنوقراط واتباعا. وينتمي لهذا التيار افراد تعبوا من النضال او من غير الراغبين في المسار الثوري والحركي، ويفضلون المسار الدبلوماسي طريقا لحل الازمة التاريخية المستعصية. واهم ما يطرحه هؤلاء لتبرير رهانهم على حصان خاسر مقولات تدعي “الواقعية” و “البراجماتية” و “العقلانية”. وهذه المقولات تدفعهم لتجاوز الجرائم التي ارتكبها الخليفيون بحق البلاد واهلها كهدم المساجد وقتل الشهداء وسجن عشرات الآلاف وتعذيب الكثيرين وسجن علماء الدين والاطباء والرياضيين والاعلاميين والنساء والاطفال. هؤلاء يعتقدون انفسهم “سياسيين” يستفيدون مما يعتقدونه “فرصة متاحة” يجب ان لا تفوت. وينطلق اغلب هؤلاء من نوايا حسنة مستمدة من طيب اهل البحرين الاصليين (شيعة وسنة). وتعمل جهات سياسية اجنبية لتحييد اكبر عدد ممكن من المحسوبين على هذه الجهة لتخفيف الضغط على الخليفيين. وتغيب عن اجندة هؤلاء المطالبة بالتحول الديمقراطي الحقيقي او اطلاق سراح السجناء السياسيين بدون قيد او شرط، أو إنهاء سياسة الافلات من العقاب، او تعقب مرتكبي جرائم التعذيب ومن بينهم رموز خليفية كبيرة. هذا التوجه بقي صامتا بعد وفاة خليفة بن سلمان، وتوقف عن انتقاد الطاغية الجديد او اعتباره احد عناصر التأزيم التي كررت تكريم مرتكبي جرائم التعذيب، بالاضافة لتصدره مشروع خيانة الامة والشعب بالتطبيع مع محتلي فلسطين.
ثالثها: النشطاء المبدئيون والثوريون الذين حسموا موقفهم منذ 14 فبراير 2002 وغسلوا ايديهم تماما من الحكم الخليفي بعد ان انقلب الطاغية الحالي على الاتفاقات مع رموز الشعب في العام 2001 وتخلى عن الوعود التي قدمها في مقابل اقرار الميثاق الذي فرضه بالتحايل والخداع. هؤلاء المبدئيون صمدوا طوال العقدين الاخيرين ورفضوا الانسياق وراء الوعود الخليفية، فرفضوا تسجيل مؤسساتهم وقاطعوا ما اطلق عليه “المشروع الاصلاحي” وكل ما تمخض عنه من اجراءات شكلية رفضها الشعب تماما عندما اطلق قبل عشرة اعوام ثورته المظفرة بعون الله. هذا التيار كان واضحا في موقفه. وبرغم اعتقال رموزه وقياداته وسحب جنسيات افراده فقد بقي صامدا لا يتراجع عن هدفه الاساس بالتحول الديمقراطي الحقيقي وانهاء الاستبداد، وعدم المساومة على اهداف ثورة 14 فبراير. ويعمل هذا التيار على محور توحيد صفوف الشعب والمعارضة منطلقا من ايمانه الراسخ بحتمية انتصار الحق واهله وهزيمة الظلم والباطل والانحراف والاجرام. هذا التيار ما فتيء يرفع راية المطالبة بوحدة فصائل المعارضة على المطالب المشتركة التي تمثل الحد الادنى من مطالبه التي تشمل انهاء الحكم الخليفي. هذا الحد الادنى يمثله مشروع الجمعيات السياسية الذي يطالب بالملكية الدستورية وكتابة دستور جديد وانتخاب برلمان كامل الصلاحيات وانتخاب الحكومة ورفض اعتبار الحكم حقا متوارثا للعائلة الخليفية.
في هذا الخضم استمر الطاغية وعصابته في سياساتهم ذات الابعاد الثلاثة: ترسيخ الحكم الخليفي بالامساك بكافة مفاصل الدولة وإبعاد السكان الاصليين عنها، تصعيد الاعتماد على الخارج واستقدام الاجانب لسد الفراغ الناجم عن إبعاد السكان الاصليين (شيعة وسنة) عن السلطة، التوجه نحو “اسرائيل” لتوفير الامن لهم بعد ان تواصلت الضغوط على حلفائهم التقليديين في واشنطن ولندن. هذه الابعاد تمثل جوهر سياسات رئيس الوزراء الخليفي الحالي الذي لم يعرف عنه موقف ايجابي حقيقي طوال السنوات العشر الاخيرة التي تمثل عمر الثورة. التيار الثوري لا يعتبر حمد بن عيسى الا واحدا من اسباب تراجع الاوضاع السياسية وتنامي ظاهرة القمع والاستبداد. ولم يعرف عنه، وهو الابن الاكبر للديكتاتور الحالي وكان ولي عهده، ممارسة اي ضغط على والده الذي عاث في الارض فسادا. يضاف الى ذلك انه كان شريكا في الفساد المالي بدون حدود، ومصادرته الاراضي البحرية على نطاق واسع حتى اطلق عليه لقب “شيخ بحر”.
لذلك ستتواصل ثورة الشعب بدون توقف، وهي ثورة تهدف لاعادة الحق لاهله وإعادة حق المواطنين في إقامة النظام السياسي الذي يناسبهم ومحاربة الفساد والانتهاكات الحقوقية والسياسية واحترام المواطنين الاصليين (شيعة وسنة) واعتبارهم مصدر شرعية الحكم وقوته. وعلى اساس هذه الثوابت سيتواصل النضال الوطني السلمي بدون توقف، وسيواصل الشعب حراكه السياسي والثوري ابتداء باحياء عيد الشهداء في 17 ديسمبر المقبل والاستعداد لمواصلة الثورة في ذكراها العاشرة بعون الله تعالى. هذا الشعب لن يطالب بمكرمات خليفية ولن يستعطف الطاغية او يستجدي الحوار معه، بل سيصر على طلبه الاساس بضرورة تسليم السلطة للشعب بدون قيد او شرط. وقد أكدت الجرائم الخليفية في الاسبوع الاخير من اعتقالات طالت النساء وةالرجال والاطفال، وتصعيد لوتيرة التطبيع مع “اسرائيل” وارسال وفد من 25 شخصا برئاسة وزير خارجية الخليفيين، وتوجيه الابواق الخليفية لشن حملة على المعارضين ووصفهم بـ “الفئران”، ان سلمان بن حمد نسخة من عمه وابيه وشريك في جرائمهم جميعا. وان كان مختلفا عنهم، كما يزعم البعض، فليسلم السلطة الى الشعب فورا وبدون تأخير.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
20 نوفمبر 2020