عقد كامل من الثبات والعطاء والأمل
السلام على الشهداء الاحياء عند ربهم يرزقون، وعلى السجناء الاحرار الذين لا يخضعون او يخنعون
قسما بما تتضمنه هذه الآيات ان ثورة شعبنا لمنتصرة بعون الله تعالى. أنه وعد قرآني بحتمية انتصار المظلومين اذا صدقوا القول والموقف: “فانتقمنا من الذين أجرمواوكان حقّا علينا نصر المؤمنين” (الروم 47). فبعد عقد كامل من الثبات والتضحيات والأمل لن يستطيع الطغاة والعملاء والخونة فرض إرادتهم على أمتنا، وان تفاقمت التضحيات واستمر الليل الدامس ببقائهم حكاما. ويبدو اليوم ان شعبنا البحراني هو الأكثر صمودا في ميدان الشرف، يتصدى للاستبداد ويواجه الخيانة ويهتف بحرية فلسطين، ويدعو الله من قلبه بان يبدّل سوء حال الامة بحسن حاله. وحين ترتفع ا صوات رجاله وشبابه بالصلاة والدعاء، فان آهات نسائه تشق عنان السماء في بطن الليل لتصل الى خالق السماوات والارض، بان يمحق الله عهد الظلم والظلام والاستبداد والخيانة. قد تتأخر الاستجابة حتى ليشعر البعض بالتململ ويقترب من اليأس، فيأتيه التأكيد القرآني ليربط على قبله: “حتى اذا استيأس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا أتاهم نصرنا، فنجّي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين” (يوسف 110). ويتوقف البعض ليتساءل عن موعد النصر، فيأتي الجواب القرآني: “ويقولون متى هو قل عسى ان يكون قريبا” (الإسراء 51).
عندما قرر شعبنا البطل ان يشارك الشعوب العربية الاخرى حراكها الهادف للتغيير، لم يكن أشرا ولا بطرا، بل كان يسعى لإصلاح شأنه بعد عقود من العمل الدؤوب الذي لم يزد الطغاة الا ظلما وعدوانا، وعبى مدى أكثر من نصف قرن كان رد فعل العصابة الخليفية استخدام الاساليب التي تصاعدت غلظتها وقسوتها حتى بلغت القتل بالرصاص الحي والتعذيب حتى الموت والإعدام “استكبارا في الأرض ومكر السيء، ولا يحيق المكر السيء الا بأهله، فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (فاطر 43). ومن سياق التاريخ النضالي الحافل يتضح ان النضال تطور كثيرا في سعته وآفاقه ومطالبه. فاذا كانت المطالب في العشرينات محصورة بالشراكة في المجلس العرفي ومجليس التجارة والمعارف، فانها تطورت في العام 1939 لتطالب بمجس تشريعي. وفي الخمسينات تكرر ذلك المطلب وبالاضافة للمطالبة بقانون للعمل وطرد المستشار البريطاني آنذاك، تشارلز بلجريف. وفي الستينات كانت الانتفاضة تطالب باحترام العمالة البحرانية وخروج الاستعمار. اما في الثمانينات فكانت المطالب محصورة باعادة العمل بدستور 1973 الذي علقت العائلة الخليفية العمل ببعض مواده في 1975. تصاعد المطالب الشعبية ادى لقمع متصاعد يزداد قسوة وتوحشا. هذا القمع كان احد اسباب استمرار الحراك الشعبي طوال العقود السابقة. وقد اضيف لذلك تطور خطير أقنع الشعب بعدم جدوى المطالبة باصلاح الحكم الخليفي. تمثل ذلك باستحالة التزام النظام القبلي بأي اتفاق مع الشعب. فقد انقلب على الشعب في 1975 برغم اعطائه الوعود باقامة حكم ديمقراطي بعد الانسحاب البريطاني وتأصيل ذلك بدستور أقرّه الطرفان (الشعب والعائلة الخليفية)، فتم حل البرلمان وعلق العمل بالمواد الدستورية التي تنظم الممارسة الانتخابية. وبعد الانتفاضة التسعينية المباركة وعد الحاكم الحالي (بشكل موثق) باعادة العمل بذلك الدستور، ولكنه نقض ذلك الوعد وألغى الدستور وفرض وثيقته الخاصة في 14 فبراير 2002.
انطلقت ثورة 14 فبراير لتذكر العالم بيوم الانقلاب الخليفي على الشعب، وتعلن المفاصلة الكاملة مع العائلة الخليفية. والتزم الخليفيون من جانبهم بتنفيذ خطوات على طريق المفاصلة، بدأت بمحاولتهم استبدال الشعب البحراني الاصلي (شيعة وسنة) بشعب جديد يستقدم من الخارج ويمنح أفراده الجنسية. ثم قرر الاعتماد الكامل على الاجانب لحمايته في مقابل الشعب، فاستقدام الاحتلال السعودي – الاماراتي، وأرجع البريطانيين وبنى لهم قاعدة بحرية. ومضى في مشروع المفاصلة فأعلن مؤخرا تطبيعه مع قوات الاحتلال الاسرائيلية وبذلك خان الله ورسوله والامة والشعب. فمن يستطيع بعد اليوم ان يصافح يدا صافحت المحتل وطبّعت معه وخانت فلسطين واهلها؟ ومن يستطيع الجلوس للتفاوض مع طرف الغى مفاهيم الحوار والتفاوض والحلول الوسط منذ عقود، وعزّز بذلك بسحب اعترافه بشعب البحرين الاصلي؟ اما الذين يسعون للتظاهر بـ “العقلانية” و “الواقعية” بتكرار مقولات اثبتت عدم جدواها فما أبعدهم عن المنطق. فهل هناك تجربة اوسع من تجربة المشاركة في المشروع السياسي الذي فرضه الديكتاتور على الشعب؟ فما الذي حققته تلك التجربة سوى منح النظام “شرعية” انتخابية؟ ما الذي حققته التجربة التي حرص المشاركون فيها على تحقيق قدر من الوئام مع العائلة الخليفية، فوجدوا انفسهم عاجزين عن إصلاح مفاسدها برغم جهودهم المضنية وحرصهم على تجنيب البلاد مخاطرالتوتر والاضطراب السياسي؟ بعد هذه التجربة ادرك الجميع استحالة إصلاح المؤسسة السياسية القبلية او العمل داخلها. وجاءت الثورة بعد ذلك لتؤكد ذلك ايضا.
ماذا تريد الثورة؟ ليس سرا ان ثورة 14 فبراير التي يحتفي الشعب في الداخل والخارج، بذكراها العاشرة تريد انهاء الحكم القبلي الاستبدادي. فقد اعلنت ذلك منذ اليوم الاول لانطلاقها بعد سقوط اول شهدائها، علي عبد الهادي مشيمع في ذلك اليوم. ولم تتراجع الثورة خطوة عن ذلك الشعار الذي تكرر دائما حتى هذه الايام. وقد امتلك الشعب شجاعة متميزة بالإفصاح عن ذلك الهدف. ومما سهل مهمته ان الخليفيين انفسهم يعملون على الموجة نفسها، فهم ماضون في سياسات الإبادة السكانية واستبدال الشعب الاصلي بشعب مستورد والتحالف مع اعداء الامة والشعب واستهداف البحرين وتاريخها وهويتها الثقافية وعلمائها. فالسجون مكتظة برموز الشعب والوطن الذين قضوا عشرة اعوام في سجون أذاقتهم أشد اصناف العذاب. ما الذي سيخسره هؤلاء واهلهم وابناء شعبهم من الصمود؟ فمهما كانت تكلفة ذلك فستكون أقل كثيرا من التكلفة المتواصلة التي لم تتوقف (اعتقال، تعذيب، قتل، سحب الجنسية، إبعاد، إبادة ثقافية وبشرية… الخ).
بعد مائة عام من المعاناة اصبح البحث عين بديل سياسي امرا ملحا تفرضه مصلحة الوطن والشعب، فقد اثبتت تجربة قرن كامل من الاضطراب السياسي ان الوضع لن يستقر بدون تغيير جذري يوفر للشعب فرصة لادارة بلده ضمن مشروع سياسي متحضر ينسجم مع مستلزمات الدولة الحديثة ومقوماتها. الثورة تسعى لاقامة منظومة سياسية مستقرة تقوم على اساس المواطنة المتساوية وحماية الانسان وحريته وحقوقه بدون حيف او ضيم. يسعى الشعب لتوجيه سياسات بلاده بما يخدم مصلحة الجميع، الشعب والارض والجوار، واقامة وطن مستقل يتمتع بسيادته ولا يخضع لاملاءات القوى الاجنبية، ويدير امكاناته السياسية والاقتصادية بسياسات حكيمة تحمي سيادته واستقلال قراره عندما لا يحتاج لدعم الآخرين. هذه رسالة الثورة التي ستنتصر باذن الله تعالى لانها مشروع إصلاحي حقيقي لا يساوم ولا يجامل ولا يتنازل ولا يخضع للابتزاز والظلم والقمع، وسينتصر بعون الله الذي لا يخذل عباده الصالحين.
تحية للشعب البطل، والشهداء الابرار، والصامدين على الدرب والمضحين من اجل الله والوطن
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية