ثورة الشعب تتجدد بدماء الشهيد مال الله
شهيد آخر يلتحق بقافلة الشهداء الخالدة، وعنوان جديد للإصرار والصمود والثبات، وصرخة أخرى من أعماق والدة مفجوعة تلعن الطغاة ونظامهم وقمعه وتوحشهم، وحلقة متجددة من النزال بين اهل الارض والمحتلين الاجانب. وصفحة بيضاء تضاف الى سجل الوطن والشعب، وفي مقابلها صحيفة كالحة السواد تحتوي تفصيلات الظلم والاضطهاد والتنكيل والتعذيب من قبل العدو الخليفي. لقد جاء استشهاد المواطن البطل فاضل مال الله ليعمّق الشعور الوطني والشعبي بضرورة مواصلة طريق النضال حتى تحقيق اهداف الثورة المظفرة بإذن الله تعالى. ما الجديد وما القديم في هذا الوطن الذي سيظل نظام حكمه قديما باليا حتى يظهر البديل الشرعي من ربوع الوطن والشعب? لم يكن الشهيد مال الله حاضرا في الميدان عندما ارتفعت روحه الى بارئها، بل كان صابرا محتسبا مع اخوة له في الجهاد والنضال يقضون سنوات حكمهم الجائر وراء القضبان، محتسبين اجرهم عند الله ومستمدين منه العون والتثبيت والمسح الإلهي على القلوب المتلهفة للقاء ربها الذي لا يظلم الناس عنده. لم يكن عباس مال الله الا مواطنا بحرانيا أبى ان يتخلف عن أداء الواجب، وأصر ان يقف مع اهله واخوته، فعاش مناضلا صامدا صابرا محتسبا. حتى اعتقله الجلاوزة ليمعنوا في تنكيله وليحرموه من ابسط الحقوق المنصوص عليها دوليا. فحرم من العلاج الملائم بالسرعة المطلوبة عندما توعكت صحته، وربما كان ضحية الوباء الذي اجتاح عنابر السجون واصبح يهدد حياة ابناء البحرين البررة. وفاته جاءت وسط رفض خليفي قبيح للإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى القراصنة الذين يصوبون اسلحتهم لأهل البحرين لكي يلتزموا الصمت على جرائمهم التي لم تتوقف منذ احتلالهم البلاد.
من المجرم ومن البريء؟ من المبطل ومن المحق؟ من الظالم ومن المظلوم؟ في نظر ابناء الثورة كل شيء أصبح واضحا بدون لبس او تداخل او تشوش. حثالة قليلة هي التي ما تزال أسيرة الشيطان، تأتمر بأوامر الطغاة وتروّج لبقائهم وتتنكر للاوامر الشرعية بمقاطعة الظالمين. فما ان يطرح المجرمون مؤامرة على الشعب حتى يلتقطها المرجفون ويروجونها بانها “باب الخلاص” من الظلامة التاريخية التي حلت بالبحرانيين الاصليين (شيعة وسنة) منذ او دنست أقدام العدو ا لخليفي تراب الوطن. اعتقد المرجفون ان باب الثورة أصبح موصدا، وان أبواب الفتح الإلهي قد أغلقت وان الخلاص لن يتحقق الا بالاستسلام للطغمة المجرمة التي ارتكبت من الجرم ما لا يحصى. وفجأة جاء التسديد الالهي، فاذا بالثورة تتجدد كأقوى ما تكون، فطوبى لدم الشهيد الذي أحيا شجرتها وساهم بتقوية عودها. فمن يستطيع ان يتكلم حين تنطق دماء الشهادة؟ وأي قلم يستطيع ان يروّج للقتلة والسفاحين والفاسدين؟ من يستطيع ان يدافع عن طاغية احتل منصب رئاسة الوزراء نهبا بدون حق، وأضاف لجرائم أسلافه بدون حياء؟ ظن هذا القن ان القوات الاجنبية واجهزة الاستخبارات الخارجية ستحميه من البطش الالهي الموعود: يوم نبطش البطشة الكبرى انا منتقمون. فاستهزأ بالامهات والأخوات والزوجات اللاتي خرجن الى الشوارع مطالبات باطلاق سراح احبتهن ا لذين قضى بعضهم اكثر من عشرة اعوام بطوامير التعذيب الخليفية.
لقد استضعف المستكبرون المرأة البحرانية، وظنوا انهم سيخدعون العالم عندما يستخدمون بعض عميلاتهن للدعاية الرخيصة. ولكن ربك بالمرصاد للطغاة والكذابين. ففي غضون أيام من ا نتشار الجائحة في أقبية السجون هتفت المرأة ضد الطغيان وخرجت بشجاعة فائقة ووقفت على قارعة الطريق في كل مدينة وقرية وصرخت بالظلامة التاريخية، فسمعها العالم وانحنى الاحرار لها إجلالا وتقديرا. وفي غضون أيام هزمت أعتى الطغاة الخليفيين الذين بعثوا كلابهم لتنقض على الاحتجاجات والتجمعات، فما حصدوا الا الخزي والعار. وقف العالم مع الشعب البحراني وتضامن معه في مطالبته اطلاق سراح رهائنه. بقي الطغاة متمسكين بمشروعهم التضليلي الذي أطلقوا عليه “العقوبات البديلة” فتهاوى الى الحضيض امام وعي الامهات والزوجات والاخوات اللاتي قلن بصوت واحد: نرفض مشروعكم الذي هو الأسوأ في تاريخكم لانكم تسعون لأسر السجناء باجبارهم على التنازل عن حقوقهم المشروعة في التعبير والتجمع والمطالبة بالحقوق السياسة المشروعة، ونصر على إطلاق سراح ابنائنا المظلومين بدون قيد او شرط. ولو كان ذوو السجناء يقبلون المشروع الخليفي المذكور لما احتجت نساؤهم ورجالهم بدون توقف مطالبين باطلاق سراح المعتقلين.
لقد اكتسب شعبنا خبرة ووعيا بعد سنوات من العناء، وأصبح ابناؤه ينظرون للامور بعين الله، فاكتشفوا حقيقة الخليفيين وتوصلوا الى حقيقة ثابتة: لا يمكن ان يطرح الخليفيون امرا ايجابيا: والذي خبث لا يخرج الا نكدا. فما ان عرضوا مشروع العقوبات البديلة حتى هرع الاحرار لرفضه برغم محاولة البعض، ربما ببراءة، ترويجه واظهاره انه سينهي معاناة العائلات المفجوعة. هذا البعض لم ينظر الى ما ينطوي عليه المشروع من خبث ومكر ونوايا سيئة، منها ما يلي: اولا لو كان لدى الخليفيين نية حسنة لأفرجوا عن السجناء بالطرق المعتادة وبدون هذا العنوان المضلل. ثانيا: انه يثبّت جريمة المعتقل، برغم براءته. فهو يتحدث عن “عقوبة بديلة” ويطالب المعتقل بإقرار جرمه توقيعا، الامر الذي يرفضه الابرياء ولسان حالهم يقول: رب السجن أحب إلي مما يدعونني اليه. ثالثا: ان من يوقع على ما يريده الخليفيون يؤكد قرار إعدام انسانيته، فيتخلى عن حقه في التعبير عن الرأي او المشاركة في الاحتجاج السياسي السلمي او المطالبة بحقه المشروع. وهذا واضح من الذين خرجوا من السجن بعنوان العقوبات البديلة. فقد التزموا الصمت وأصبحوا في عداد الموتى انسانيا. رابعا: ان الخليفيين هم الذين يقررون الاشخاص الذين تقبل طلباتهم، ويختارون عادة من يقترب من إكمال فترة السجن المحكوم بها، فيطلب منه التوقيع على صك الاعدام الانساني في مقابل منحه فرصة قضاء فترة الاسابيع او الشهور المتبقية خارج طوامير التعذيب. فأي عاقل يقبل بذلك؟ خامسا: ان من يوقع الوثائق الخليفية يتنازل ايضا عن حقه في مقاضاة سجانيه وجلاديه ومعذبيه، وفي ذلك حماية لجهاز بشع ارتكب بحق البحرانيين من الجرائم الفظيعة ما تقشعر له الابدان. وهذا سيوفر على الطغاة مهمة اصدار قانون على غرار قانون 56 للعام 2000 الذي وفر حماية للمعذبين، وبذلك مهّد مزاولة جرائمهم بعد انطلاق ثورة 14 فبراير.
لقد طرح الشعب وكافة فصائل المعارضة امورا ثلاثة: اولها ضرورة الافراج عن المعتقلين السياسيين بدون قيد او شرط، لانهم معتقلون تعسفيا وظلما. ثانيها: ان يتم فتح ملفات احكام السجن للتعرف عن الجهات والاشخاص الذين ارتكبوا تلك الجرائم بحق البحرانيين الابرياء. ثالثها: عدم الربط بين اطلاق سراح السجناء واغلبهم اعتقل تعسفيا، والقضية السياسية التي انطلقت الثورة من اجلها. فالشعب، ومن ضمنه سجناء الرأي المعتقلون، سيواصل ثورته المظفرة من اجل تحقيق مطلب التغيير السياسي الجوهري الذي ينهي الحقبة الخليفية السوداء، لان ذلك هو الحل الحقيقي للوطن والشعب، وبدونه تستمر المعاناة وتتكرر دورات الاضطهاد والتنكيل التي مارسه الخليفيون منذ مائة عام.
لقد تجددت دماء الثورة باستشهاد عباس مال الله، والتواجد اليومي لعائلات الشهداء المطالبين بالافراج عن ابنائهم. هذا الحراك سيتواصل بعون الله استمرارا للنضال التراكمي الذي مارسه الآباء والاجداد، حتى ينتهي الحكم الخليفي الظالم ويتنفس البحرانيون الصعداء محتفلين بيوم النصر على الاستبداد والظلم والعمالة والفساد.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
9 ابريل 2021