عيد الصائمين وذكرى الشهادة وموسم العطاء والصمود
يستحق شعب البحرين تهاني وتبريكات عديدة في هذه الايام. اولاها التبريكات بانقضاء شهر رمضان المبارك، وحلول عيد الفطر السعيد، وهي مناسبة تجدد العزم على الاجتهاد في طاعة الله كل يوم وساعة، فكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد.
وثانيها: تبريكات بالصمود المثالي خلال هذا الشهر الذي تعمد فيه العدو الخليفي افطار الصائمين برشهم يوميا بكميات كثيفة من الغازات الكيماوية القاتلة. فصمودهم وجهادهم على مدى ثلاثين يوما وليلة امر خارق للعادة، لا يضاهيهم فيه احد في الدنيا كلها. فلم يمضي يوم او ليلة بدون وجود حراك ميداني ثوري يكرس الرغبة في التحرر من حكم الطغمة الخليفية الساقطة، ويضطر العالم للاعتراف بواحدة من اكبر خطايا هذا العالم، وهي تقاعسه عن نصرة شعب مظلوم يطالب بحقه في الحياة وسيادته على ارضه وحريته في تقرير مصيره واختيار نظام حكمه. ثالثها: رفضه المتواصل للاستسلام امام ضغوط قوة مادية مفرطة ساهمت في تشكيلها اربع جهات وقفت بجانب الباطل والظلم والاستبداد والعدوان، هي السعودية وامريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني. الشعب صمد بشموخ واباء بوجه هذه القوى المعادية للحق الداعمة للظلم، ولم يتزحزح عن موقفه شعرة واحدة، برغم سقوط عشرات الجرحى بسبب استخدام القوة المفرطة ضده بدون حق. نبارك لشعب البحرين هذا الاداء الديني والثوري والسياسي الرائع الذي لا يضاهيه فيه احد. لقد امتطى ذروة العز والحرية واستصغر قوى البغي والظلم ولم يحد عن دربه خطوة،وذلك من فضل الله وبركاته.
كما نشاطر اخوتنا اهل فلسطين محنتهم المتواصلة في ظل الاحتلال الصهيوني لارض المعراج. ومع حلول يوم القدس العالمي نشعر بضرورة بث الوعي بين المسلمين للتصدي للاحتلال الاجنبي لاراضي المسلمين، ايا كان شكله وهوية القائمين به. ان شعب البحرين بشكل خاص اصبح اكثر وعيا لمخاطر الاحتلال وما يعنيه من خطر على هوية البلاد وسكانها الاصليين. فالمحتلون يبادرون فور اجتياحهم اراضي الآخرين للقضاء على معالمها الحضارية خصوصا تراثها الديني. فهدم المساجد من قبل قوات الاحتلال السعودية الخليفية عمق وعي البحرانيين بمحنة الفلسطينيين الذين يشعرون بخطر التهويد الذي يمارسه الصهانية في اراضي فلسطين، وهي جريمة تهدف لطمس هوية السكان الاصليين بتلك الارض. ويحل يوم القدس العالمي هذا العام وسط اجواء من التوتر المصطنع بين ابناء الامة الواحدة، ساهمت الاموال النفطية في اذكائه لمنع تلاحم ابناء الامة، ولقطع الطريق على ثورات الربيع العربي ومنعها من تحقيق اهداف شبابها. وما الهجمة التي يشنها السلفيون السائرون على خطى الوهابيين على تراث الشعوب العربية والمسلمة الا فتنة تهدف لتمزيق الامة ومنعها من التحرر والتطور. هذه الهجمة الشرسة استهدفت هدم مساجد المسلمين في الصومال ومالي وليبيا ومصر والعراق والبحرين، وهي ظاهرة غير مسبوقة من حيث حجمها وتصميم القائمين بها على تحدي مشاعر شعوب تلك البلدان وسعيهم لفرض نمط واحد من الفكر المؤسس على اوهام ومعتقدات وضعها علماء البلاط في الجزيرة العربية واصدروا الفتاوى التي غذتها الدولارات النفطية. ويعاني شعبنا البحراني من الآثار التدميرية لتلك الظاهرة. ولكن على نطاق اوسع. فالعدوان على المساجد في البحرين قامت به الحكومتان السعودية والخليفية، وما تزالان تمنعان اعادة بناء المساجد المهدمة. انها ظاهرة تجسد ذروة الفساد والاجرام والشيطنة والتطرف والتكفير، وستكون لها آثار مدمرة ان لم يتصد علماء المسلمين وشعوبهم لها بارادة وعزم ومبدئية وايمان.
ان يوم القدس العالمي يمثل التصدي للاحتلال والعدوان واستهداف حقوق الشعوب المغلوبة على امرها التي يستهدفها ذوو المطامع من اعداء دين الله. وبالنسبة لشعب البحرين، فان هذا اليوم يمثل تجديد العزم لمواجهة ذلك العدوان بكافة الوسائل المشروعة، وذلك بهدف حماية الانسانية والاسلام من شرور تيار التكفير الذي تدعمه حكومة آل سعود. فلم يذكر التاريخ المعاصر ان ايا من الانظمة التي توالت على حكم بلداننا، مهما كانت مستبدة وجائرة، قد سعى لهدم المساجد وفق خطة ممنهجة واصرار على استهداف معتقدات الآخرين ومقدساتهم. من هنا تعمق وعي شعبنا بحقيقة اصبحت ثابتة لديه، مفادها ان النظام السياسي الجائر في البحرين تحول الى حكم تكفيري ظالم، واصبح يستهدف الشعب ليس في حقوقه السياسية فحسب، بل في معتقداته ومقدساته. انه جانب من استهداف الشعوب الواقعة تحت الاحتلال. فكما ان الصهاينة يسعون منذ احتلال فلسطين لتغيير ملامحها وإزالة كل ما يتصل بهويتها العربية الاسلامية، واستبدال شعبها بآخرين عبر مشروع تجنيس يهود العالم وإحلالهم محل السكان الفلسطينيين الاصليين، فان الخليفيين انتهجوا السياسة نفسها وسعوا لاستبدال السكان الاصليين بغيرهم لتكريس احتلالهم الارض واستعبادهم العباد. وتأتي سياسات التهميش والتمييز والتجويع والتعذيب لاستكمال هذا المشروع الاجرامي الرهيب. انها واحدة من ابشع الجرائم التي ارتكبها الديكتاتور الحالي الذي هدد قبل يومين شعب البحرين بالمزيد من القمع. تحدث هذا الطاغية بلغة الاستكبار والعجرفة، بلغة الدم والقتل والاستئصال، ليثبت نفسه كأسوأ حاكم عربي استهدفه الربيع العربي، واصبح مستحيلا التعامل معه من قبل شعبه.
خطاب الديكتاتور نطلق بلغة الدم في مفصل تاريخي حاسم في العلاقة بين شعب البحرين وعائلة الاحتلال الخليفية. وما كان هذا الديكتاتور ليتحدث بهذه اللغة لولا شعوره بالدعم الامني الذي توفره الشرطة البريطانية لعائلته. والا فما الذي يفعله فريق شرطة سكوتلاند يارد؟ ولماذا تصاعد عمليات الاقتحام والمداهمة للمنازل والاعتقالات التي تجاوزت الـ 300 شخص خلال شهر رمضان المبارك؟ جاءت الشرطة البريطانية لانقاذ اجهزة الامن والاستخبارات والشرطة الخليفية التي اصيبت بصدمة عندما اثبتت لجنة بسيوني تورطها في التعذيب، واصيب مسؤولوها بالارتباك وكادت الامور تفلت من ايديها تماما. جاءت الشرطة البريطانية لانقاذ النظام بعد ان تمكن الثوار من تدمير معنويات اجهزته، وبعد ان اوصت لجنة بسيوني بمنع تلك الاجهزة عن ارتكاب جرائم التعذيب والاعتقال التعسفي وكسر القوانين. مع ذلك لن تتمكن الشرطة البريطانية من استعادة المبادرة لان الشعب ببساطة قرر السير في طريق اسقاط النظام مهما كلف الامر. وهكذا تمر البلاد بمرحلة تتكرس فيها حرب الارادات بين الثوار من جهة وقوى الثورة المضادة واعداء الانسانية والحرية والديمقراطية. هذا الصراع سوف يتواصل في الاسابيع والشهور المقبلة بوتيرة اكبر، فعلى الثوار استيعاب هذه الحقيقة، كما يتطلب الامر ان تستوعب الجمعيات السياسية هذه الحقيقة وتوجه طاقاتها للتعاطي مع مستلزمات التصدي لها، لانه تطور خطير يتحدى الضمير الانساني والقيم الاخلاقية. ففي الوقت الذي تتدخل القوات الخاصة البريطانية في سوريا لدعم المعارضين ضد النظام، فانها تمارس موقفا معاكسا، وتقف مع الاستبداد والقمع والتعذيب، وتتصدى للقوى المطالبة بالحرية والديمقراطية. انه انقلاب بريطاني ضد الذوق الانساني وحرب على حقوق الانسان وقيم الحق والعدل والديمقراطية. مع ذلك لن يتراجع الشعب خطوة واحدة، وسيظل صامدا، ومستعدا للتضحية والفداء حتى يدحر قوى الظلم والديكتاتورية والتعذيب، بعون الله وقوته وجبروته، وما ذلك على الله بعزيز.
نبارك لشعبنا الكريم حلول عيد الفطر المبارك، ونستذكر استشهاد الطفل علي الشيخ يوم عيد الفطر من العام الماضي، ونقف امام جلالة موقفه خاشعين في محراب الشهادة والوفاء بالعهد والالتزام بخط الله. وكل عام وشعبنا بخير، والظالمون الى زوال واندحار.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
17 اغسطس 2012