روح الايمان الرمضاني عمق الثورة ووسعها
احسن شعبنا صومه، فمزج بين اشكال العبادة، فصام نهاره وقام ليله، وتظاهر ليله ونهاره. ايمانه الصادق دفعه لتأدية واجبه وأداء دوره. فالدين عنده اوسع من ممارسة العبادة المعتادة، بل يتطلب منه موقفا ليصبح شاهدا. ومنذ حلول شهر رمضان عبر الشعب عن ذلك الموقف بالحضور اليومي في ميادين الشرف. المناضلون واجهوا الاستبداد والظلم والانحراف بمواقف بطولية عبروا بها عن انتمائهم بالحق.
وعندما يتواجه الحق والباطل، لا يكون المؤمن محايدا ابدا، بل منتميا للحق بوضوح وبدون مجاملة او خجل. ومن يستسلم لاغراءات المادة والمنصب والمفاهيم الشيطانية التي تنطلق من ذوي المآرب السياسية ومدارس التكفير والتشدد والتخلف، لا يدخل دائرة الايمان، لان مواقفه تقترب من سياسات اعداء الامة والاسلام، فلا يستطيع رؤية الحق لانه يختلط لديه مع قيم الباطل. وما اكثر الذين سقطوا في الاعوام العشرة الماضية، منذ ان اقتحمت قوى الثورة المضادة ميادين “الجهاد” لتحرف اهلها بعيدا عن الاهداف الحقيقية المفترضة لذلك الجهاد،وتوجه صلاحها الى قلوب المؤمنين بدعاوى ضالة وافكار شاذة وسياسات منحرفة. وما اكثر الذين استدرجوا الى سياسات امريكا بعد ان كانوا محسوبين على التيارات المعادية لها، وما اكثر الذين بدأوا يتخندقون في المسار الطائفي والمذهبي ويبتعدون عن الخط الاسلامي. ان الطائفية ليست من الاسلام في شيء، وقد مقتها القرآن الكريم بوضوح ليس فيه لبس او غموض “ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء، وامرهم الى الله”. فدين الله واحد، وامته واحدة، على تعدد المدارس الفقهية لابنائها. ومن يستسلم لاطروحات قوى الثورة المضادة يخرج بعمله وموقفه وشعوره من دائرة الاسلام من حيث لا يعلم. انه يقوي الشيطان على نفسه، فيصبح اكثر تشوشا ويزداد انغماسا في الانحراف حتى يرى الحق باطلا والباطل حقا: “قل هل أنبئكم بالاخسرين اعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا“.
ان الشهادة لا تتحقق بدون موقف، ولا يكتمل ايمان الانسان بدون ان يكون منتميا للحق دائما. انه مفهوم الولاء والبراءه، او التولي والتبريء، الذي يستبطن مواقف عملية تؤكده. فالايمان لا يتحقق الا اذا كان الموقف يصدق ما استقر في القلب (قالت الاعراب آمنا، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الايمان في قلوبكم). ان مدى صدق الانسان في ايمانه او عدمه يتضح بشكل اكبر عندما تتداخل الامور ويتشوش الواقع، كما هو الآن. الحس الايماني الصادق ينقذ الانسان من الفتنة في الدين. “ألم، أحسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين”. والمؤمن الذي يستشعر خطر الفتنة يدعو ربه دائما بان يوضح الطريق له “اللهم أرني الحق حقا فأتبعه، والباطل باطلا فأجتنبه، ولا تجعله متشابها علي فأتبع هواي بغير هدى منك”. شباب ثورتنا ادركوا بفطرتهم معاني الايمان، وادركوا ان ايمانهم لا وصومهم لا يكتمل ما لم يكون لهم موقف عملي واضح وصريح، ليس فيه تشوش او تداخل. لقد رأوا بعينهم صراع الحق والباطل بوضوح، بدون تشوش او تداخل. رأوا رموزمهم، الاستاذ عبد الوهاب حسين، والاستاذ حسن مشيمع والدكتور السنكيس وسواهم يتبنون موقف معارضة الظلم والاستبداد ويطالبون بتغيير الوضع جذريا وعدم الاستكانة للظالمين او مسايرتهم. وكانوا مستعدين لدفع فواتير ذلك الموقف. فكان على شباب الثورة ان يختاروا الطريق الذي يعتقدون الاقرب الى الحق. وقد ساعدهم جهادهم في رؤية الحق واهله، فاتبعوه، وقرروا عدم مسايرة الظالمين والطغاة الذين يمثلون الباطل، واستوعبوا موقفهم الذي لا يتغير او يتبدل، فاما انتصار الحق بشكل حاسم او استمرار الجهاد والنضال بدون توقف. وادركوا ان الجهاد طريقهم للهداية وحافظا لهم من الزلل او الانحراف (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا). وبسبب ولائهم للحق دائما وليس للاشخاص فقد هداهم الله سبلهم لانهم اختاروا طريق الايمان “انهم فتية آمنوا بربهم فزدناهم هدى، وضربنا على قلوبهم اذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والارض لن نتخذ من دونه إلها لقد قلن اذن شططا).
اولئك هم ثوار البحرين، صاموا شهرهم، مجاهدين عدوهم، موالين وليهم، مستذكرين حياة علي في ذكرى استشهاده، ومستوعبين معاني الدين وقيمه واخلاقه ومبادئه وحدوده. فما كان لاعداء الله عليهم سبيلا “ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا”. جهاد لا تراجع فيه وايمان صادق لا يشوبه شك او تردد. ولذلك ضاقت الدنيا على اعداء الله والشعب، واصبحوا اكثر انحرافا عن الجادة بعد ان انطفأ النور من قلوبهم “ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور”. لقد تعمق الطغاة الخليفيون والسعوديون في ضلالهم وغيهم وشرهم واجرامهم فختم الله على قلوبهم “بل ران على قلوبهم ما كانوا يعملون”. اما الاحرار فقد انتظموا في مسيرة الاصلاح وانخرطوا في الثورة على الظلم والظالمين، فاصبحوا رسل خير وسلام واستقامة وعدل، فاصبحوا للمؤمنين ائمة حق وهدى. عبدوا الله حق عبادته، ووحدوه خير توحيد ولم يؤمنوا بالجبت والطاغوت، وكسروا رؤوس هبل واللات والعزى، وكفروا بالعقلية القبلية والموروثات البائدة فتعمق ايمانهم بالله وسيكون النصر حليفهم كما كان حليف اسلافهم. وها هي ثورة البحرين تتوسع دائرتها محليا واقليميا. وبدلا من ان يؤدي الاحتلال السعودي الى كسر ارادة الثوار واحتواء عزائمهم، ارتدت الثورة على المحتلين، وبدأ مواطنوهم يتحركون ضدهم علنا، في المنطقة الشرقية وفي الرياض والمدينة وجدة، فلا يمر يوم بدون حراك اواحتجاج او تظاهر، فارتد كيد الظالمين في نحورهم. وهذه هي عاقبة المنافقين والظالمين والمستبدين. وصعد النظام السعودي، كما فعل الخليفيون، قمعه، فقتل المواطنين ظلما، وآخرهم الشهيد حسين يوسف القلاف ذو الثمانية عشر ربيعا، معتقدا ان القمع سيرعب الاحرار، فخاب ظنه وتضاعف الغضب ضده، واصبح المواطنون اكثر اصرارا على مواجهته والقضاء عليه. انه صنع الله في من تسول له نفسه ان يستبدل الله ربا وحاكما ومشرعا. واصبح الشعب مخيرا بين الاستمرار في ثورته ايا كانت التضحيات، او الاستسلام وما ينجم عنه من تآكل واضمحلال وتلاش. وقد اختار شعب البحرين الاستمرار في ثورته حتى اسقاط الحكم الخليفي، وما ذلك على الله بعزيز. فصبرا صبرا ايها البحرانيون، فان غدا لناظره قريب، “انهم لهم المنصورون، وان جندنا لهم الغالبون”
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
10 اغسطس 2012