بيانات حركة أحرار البحرين

الحراك الثوري في رمضان يوسع دائرة الصراع ويعجل بسقوط الحكم

ايمان شعب البحرين العميق دفعهم لتصعيد الثورة منذ حلول شهر رمضان المبارك، فاستعادت نشاطها بعد توقف يوم واحد احتفالا بقدوم الشهر الفضيل. وما ان انتهى ذلك اليوم حتى خرجت الليوث من عرائنها وزأرت في وجوه الخفافيش والفئران، وفرضت سيطرتها على الميادين. العدو الخليفي مدعوما بالاحتلال السعودي والقاعدة الامريكية واجهزة الامن البريطانية فشلوا جميعا في اخماد اصوات الثوار يوما واحدا منذ انطلاق ثورة 14 فبراير، بينما كان قرار واحد من الثوار كافيا لاحلال الهدوء. لقد كان ذلك كافيا لشعور العدو وداعميه بالهزيمة والعار برغم عددهم وعدتهم، مدعومين بالاعلام واجهزة الامن واعتى االاسلحة. وهكذا سطر الثوار حقيقة ثابتة بانهم هم اصحاب القرار وانهم هم القادرون على استعادة السيادة من الاحتلال السعودي والقوى الاجنبية.

شهر رمضان العظيم شحذ همم الاحرار ودفعهم للانطلاق مجددا في الميادين في ظل الثورة المظفرة التي فرضت نفسها على الارض اكثر من عام ونصف كأطول ثورة ضمن الربيع العربي بدون دعم من الخارج. لذلك صام الاحرار مؤمنين بدين ربهم والنصر الالهي المحتوم. يعتقد هؤلاء ان الزمن لصالحهم، طال ام قصر (انهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون)، ويقرأون في الصوم عاملا للثورة الداخلية في النفس الانسانية لتحقيق الحرية والانعتاق من الدنيا وملذاتها وهزيمة الشياطين. ومن هم هؤلاء الطغاة الذين لا يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. انهم لا يتعظون بما يحدث لاقرانهم. فها هو نايف بن عبد ا لعزيز رحل عن الدنيا مثقلا بذنوبه ولم يحمل معه شيئا من الملك الذي قتل الناس من اجله وعذب المؤمنين في غياهب السجون لضمان استمرار هيمنته عليه. ورحل قبله اخوه سلطان الذي اعتقد ان تبديد مليارات الامة لشراء طائرات التورنادو وتايفون سوف يحمي ملك عائلته، متجاهلا ان الله لكل طاغية بالمرصاد، وان غضب الله على الظالمين لا ترده قوة “ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين”. احرار البحرين الذين ما فتئوا مرتبطين بمصدر المدد الغيبي ايمانا وتسليما، قادرون على دحر الاستبداد الخليفي المدعوم بالاحتلال السعودي، ولن تستطيع قوة في الارض ان تقهر ارادته او تكسر عزمه. وتشهد ساحات النزال منذ حلول شهر رمضان المبارك حضورا مكثفا خصوصا في الليالي الاقل حرارة في هذا الصيف القائض.

بمتابعة الشعارات التي يرفعها الثوار يتضح ان ثمة اجماعا شعبيا على المطالبة باسقاط نظام الحكم الخليفي، فلا تخرج مسيرة الا وتعلوها شعارات “الشعب يريد اسقاط النظام”. وبرغم القمع اليومي بما في ذلك تكثيف استخدام الغازات الكيماوية والغازات المسيلة للدموع وسلاح الشوزن والرصاص المطاطي، فان حماس الشباب للثورة والاحتجاج يزداد بشكل تدريجي. كما ان الهتاف اليومي ضد الديكتاتور حمد بن عيسى آل خليفة اصبح ظاهرة ملحوظة، الامر الذي يجعل التعايش مع حكم الطاغية امرا مستحيلا. يضاف الى ذلك ان الطغمة الخليفية ساهمت بسياساتها الرعناء في توحيد  الصف الوطني ضدها. فاذا كان بعض اطياف المعارضة قبل عام مثلا يتبادل اللوم مع بعضه الآخر فقد تبلور الآن قدر من التوافق الوطني الذي جعل الجميع يتخندق في موقع واحد ضد الاستبداد الخليفي والاحتلال السعودي. فاختفت المماحكات بين تلك الاطياف، واصبح هناك شعور عام يتعمق باستحالة اصلاح الحكم الخليفي واتضح للمراهنين على ذلك الاصلح ان هناك قرارا خليفيا – سعوديا – انجلو امريكيا برفض الاصلاح جملة وتفصيلا، واصبح على المعارضة ان تقرر خطوتها المستقبلية: فاما ان تقبل ببقاء الحثالة الخليفية في موقعها السابق وما يعنيه ذلك من تكرر ما حدث في الماضي مستقبلا بتفصيلاته من تهميش وتجنيس وتمييز وتعذيب واستبداد مطلق واستقدام الاجانب لاحتلال البلاد، او تواصل نضالها السلمي بدون كلل او ملل وبدون سقف زمني محدد حتى يأتي الفرج من الله سبحانه. ومن خلال استقراء مواقف الاطياف المعارضة اصبح واضحا ان هذه الاطياف مجمعة على ضرورة مواصلة النضال بزخم اكبر وتوسيع دائرة العمل الوطني ونقله الى العاصمة ايا كان الثمن. فتحرير البلاد من دنس الخليفيين والسعوديين يتطلب مبادرات وخطوات اكثر جدية واصرارا وتضحية من السابق. ويبدو ان هذا الخيار اصبح يتعمق يوميا في الشعور الوطني.

ولا بد هنا من الوقوف عند ثلاثة اطراف اجنبية معنية بالشأن البحراني. اولها الاحتلال السعودي وهو السند الاقوى للاستبداد الخليفي. فبعد عام ونصف على هذا الاحتلال لم يعد سرا القول بانه اخفق جملة وتفصيلا في النيل من عزائم الثوار، واصبح متهما بارتكاب جرائم ضد الانسانية وهدم المساجد والسعي لاستئصال المواطنين الاصليين من هذه الارض. وبدلا من القضاء على ثورة الشعب البحراني، انتقلت عدوى الثورة الى الجزيرة العربية الامر الذي ينذر باوضاع اخطر للعائلة السعودية. وجاء استهداف رموز ثوريين مثل الشيخ نمر النمر على امل خفض حدة التوتر في المنطقة الشرقية التي تعتبر المصدر الاكبر للنفط السعودي، ولكن الحراك الشعبي في تلك المنطقة يتصاعد تدريجيا خصوصا بعد قتل ثلاثة من ابنائها على ايدي القوات النظامية. كما ان هناك حراكا داخليا يتصاعد في انحاء الجزيرة العربية ويعتمل تحت الرماد، وليس مستبعدا حدوث انفجار ثوري ضد النظام في المستقبل غير البعيد. السعودية اليوم ليست كما كانت من حيث النفوذ والقوة، فقد تراجع دورها العربي كثيرا خصوصا بعد ثورات الربيع العربي، واصبحت انظار العالم تتركز على السعودية وما سيجري فيها من حراك شعبي يهدف للتغيير. فالرياض ليس لديها مشروع للتعاطي مع تطورات المنطقة العربية عموما او اوضاعها الداخلية بشكل خاص، بل ان جل ما لديها المال النفطي الذي تستخدمه للتأثير على السياسات الاقليمية والدولية. ولكن تأثير هذا المال محدود، ولا يمكن ان يتحول الى قوة قادرة على وقف السنن الالهية التي تقضي بزوال الظلم ومحق اهله. يضاف الى ذلك حالة الاضطراب الداخلي في اوساط العائلة السعودية خصوصا بعد رحيل اثنين من اعمدتها الكبار: نايف وسلطان، وتعمق الصراع حول مسالة الاستخلاف خصوصا ان الملك عبد الله يعاني من صحة متداعية وقد لا يعمر طويلا.

الطرف الثاني هو المحور الانجلو امريكي الذي يعمل ليلا ونهارا لحماية انظمة الاستبداد ومنع التحول الديمقراطي بكل ما لديه من قوة وتخطيط. هذا المحور لم يعد يخفي مواقفه الداعمة لانظمة مجلس التعاون الخليجي، او سياساته بامدادها بالخبرات الامنية والامكانات العسكرية واساليب التأثير الاعلامي. وقد خسر هذا المحور الكثير من الا حترام عندما روج للتغيير في سوريا ورفض  التغيير في دول مجلس التعاون الخليجي خصوصا السعودية والبحرين. واصبحت سياساته مرفوضة دوليا، حتى بدأت ملامح حالة من الاستقطاب الجديد تتبلور. ولم يمر بذهن احد ان اجواء الحرب الباردة ستعود الى المنطقة مجددا، وان روسيا والصين مثلا سيتخذان مواقف معاكسة تماما لسياسات المحور الانجلو – امريكي. وفشل هذا المحور كذلك في التعبئة الدولية ضد ايران ومشروعها النووي، ولم يعد مقبولا على الاطلاق شن عدوان عسكري ضد الجمهورية الاسلامية، بعد ان اتضح استحالة الحصول على تفويض دولي بذلك برغم التحريض الاسرائيلي المتواصل. هذا المحور اصبح محط ازدراء في اوساط الثوريين البحرانيين الذين ادى استمرار حراكهم الى تشجيع قوى اخرى في الامارات وعمان بالاضافة للسعودية نفسها. واتخذت سلطات هذه الدول مؤخرا اجراءات قمعية ضد العديد من النشطاء في اطار محاولات احتواء الظاهرة الثورية. تم ذلك بدعم مكشوف من المحور الانجلو امريكي المعادي للتحول الديمقراطي في منطقة الخليج.

وهكذا يتبين ان ثورة البحرين واستمرار حراكها بمشاركة اوسع من الرجال والنساء اصبحت تضغط على الوضع الاقليمي والدولي في الوقت نفسه، وكان من تبعاتها عودة حالة الاستقطاب التي تبلورت في حقبة الحرب الباردة. فكأن التاريخ يعيد نفسه، وكأن الطغاة والقوى الامبريالية لم يستوعبوا حتى الآن ابعاد الثورات الشعبية في العالم العربي. ان المرحلة المقبلة من ثورة البحرين لن تكون كسابقتها، بل سيكون حماس الشعب للتغيير اوسع كثيرا، بينما سيتبلور موقف دولي جديد يراقب ما يجري في البحرين ويستعد للتعاطي معه بنمط يمنع الاستقطاب الحاد الذي قد يؤدي الى حرب عالمية في حال توسع النزاع الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا. ثورة البحرين ماضية حتى اسقاط نظام الطغمة الخليفية، ومعها صراع الارادات بين الشرق والغرب والسعي المتواصل لتعميق نفوذ المحور الانجلو امريكي على اشلاء الشهداء وضحايا التعذيب وانات المظلومين. انها سياسة مفضوحة لن يكتب لها النجاح لان الشعب صامد وثابت في موقفه ولن تستطيع قوة في الارض كسر ارادته، بل سينتصر بشكل حاسم في المستبقبل المنظور. انه وعد الهي لن يخلفه، بل سيطيح بالطغاة واذنابهم بعون الله تعالى.

اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة احرار البحرين الاسلامية
27
يوليو 2012

زر الذهاب إلى الأعلى