رمضان شهر الثورة على الشيطان وشهواته وعملائه
ويطل علينا شهر رمضان بطلته المباركة وقيمه الفضيلة واجوائه الايمانية التي تدفع الانسان نحو الكمال الروحي والجسدي. وتنتابنا مشاعر متباينة بين الفرحة والشعور بالرضا ونحن نقرع ابواب الرحمة الالهية، والحزن لغياب أشرف الناس واشجعهم واكثرهم اقداما عند النزال. اولئك فتية يقضون ايام صومهم سغبا مظلومين، ويفطرون على انغام المعذبين وهم يئنون تحت سياط الجلادين.
مع ذلك يشعر هؤلاء انهم ادركوا من العزة أعلى مراتبها، ومن الحرية أفضل ما يتطلع اليه الانسان، ومن العبادة ما لا يستطيع ادراكه الكثيرون. في ليالي السجن يبدو الزمن واقفا، فالليل والنهار متشابهان بين الحيطان الاربعة للزنزانة الضيقة. نباح كلاب الطغمة الحاكمة لا يتوقف ليلا او نهارا، وتعذيب الابرياء عبادة يقدمها عبيد السلطان من اجل التقرب والتزلف من الطاغية. هؤلاء العمالقة يقضون شهر رضمان في عالم آخر، تتوفر فيه اجواء العبادة المنفصلة عن المادة، ولكن تغيب عنه اجواء التواصل الاجتماعي. لقد ساروا على ذلك الطريق برضاهم، بعد ان تحرروا من عقدة الخوف وتلاشت في نفوسهم وساوس الشيطان، وادركوا ان الله وحده هو الجبار المقتدر. يستمدون من دعاء الافتتاح ليليا معاني تشجعهم على الصمود والعبادة والتضرع الى الله بقلوب صادقة: الحمد لله قاصم الجبارين، مبير الظالمين، مدرك الهاربين، نكال الظالمين. اما الشعب فيستقبل شهر الصوم بشعور يتعمق مع كل يوم من ايامه بحتمية النصر والتحرر من القيود والاغلال. فمن يستطيع وقف حركة التاريخ والدور الالهي في توجيهه؟ من يحمي فرعون وهامان من موسى وهارون؟ من يمنع البحر ان ينفلق فيكون كالطود العظيم؟ ومن هو القادر على منع ارادة الله ونفاذ قراره؟
بروح الاستسلام لله وحده والرضا بقضائه، والتضرع اليه وحده في شهر الصوم، يشعر الاحرار ان ايمانهم بالحرية يتضاعف يوميا، لانهم ادركوا ان العبادة الحقة لله لا تتحقق الا بصدق النية والابتعاد عن عالم الشر والحقد والظلم والاستبداد. لقد ا عتادوا على تردي الاوضاع وتدهورها، وادركوا ان الاصلاح لا يتحقق الا بعد التخلص من رموز الظلم والاستبداد، تحالفت قوى الثورة المضادة لافشال مخططهم الغامض الذي لا يستطيع تجاوز الارادة الالهية ابدا “ان الله بالغ قدره، قد جعل الله لكل شيء قدرا”. باعتقال الاستاذ نبيل رجب واصدار قرار حل جمعية العمل الاسلامي تقطعت اغلب الخيوط الباقية بين الشعب والطغمة الخليفية الحاقدة، وهذا امر ايجابي في حركة الثورة الشعبية المظفرة. فبقاء اي خيط من العلاقات بين الطرفين يعقد المفاصلة بينهما، ويطيل امد الحكم الخليفي ومعه شقاء الشعب ومعاناته. فاذا كانت كافة الاصدارات الحقوقية الدولية والتصريحات التي اطلقها السياسيون والتوصيات التي اصدرتها الشخصيات والجهات السياسية الدولية قد عجزت عن وقف التعذيب يوما، فما الجدوى من الاعتقاد بامكان وقف ذلك في ظل حكم الخليفيين؟ واذا كان النشطاء الحقوقيون ذوو الصيت الدولي يعتقلون ويعذبون وينكل بهم كما يحدث لنبيل رجب، فأي خير يرتجى من هذه الحثالة في مجال احترام الحقوق واقامة حكم القانون؟ واذا كان نظام الحكم هو الذي يبث السموم الطائفية ليلا ونهارا عبر ابواقه الاعلامية ومرتزقته فأي مجتمع موحد يرتجى بناؤه ما دام هؤلاء يحكمون الارض والشعب بالنار والحديد؟ وفي ظل الاصرار الخليفي على سياسة قلع جذور الشعب البحراني من ارضه التي عمرها أسلافه وبنى مجدها أجداده، واستبداله بمرتزقة يستقدمهم من اقاصي الارض ويجنسهم فما جدوى تعويل الشعب الاصلي (شيعة وسنة) على امكان التعايش السلمي على اسس من العدل والمساواة مع هذه العائلة المارقة؟ من هنا جاء اعتقال نبيل رجب وزهراء الشيخ، وقبلهما رموز الشعب وعلماؤه، ليقطع الشعرة الاخيرة في تاريخ التواصل بني الطرفين، وليعمق قناعة البحرانيين بانتهاء ذلك كله.
شهر رمضان المبارك فرصة لقطع الاواصر مع الشياطين، واحكام العلاقة مع الله سبحانه. وفي اجواء الربيع العربي فان هذه العلاقة لا تقوى الا بتعمق الشعور لدى الصائم بان الطواغيت والمستبدين هالكون، وان الحرية الحقيقية لا تتحقق الا اذا اعتقد الصائم في نفسه بان الله اقوى من اولئك جميعا، خصوصا عندما يقرأ القرآن والدعاء ليلا او نهارا. فالصوم تدريب عملي على مجاهدة النفس ومحاربة شياطين الانس والجن، والتخلص من اعباء الدنيا وشهواتها واستشعار ان ما عند الله خير وابقى. شهر رمضان يجب ان يكون مناسبة لتذكر الشهداء الذين سقطوا على طريق الحرية بعد ان حملوا ارواحهم في اكفهم وتوجهوا الى ربهم، غير طامعين في الدنيا ولا آسفين على ما فاتهم او سيفوتهم من حطامها. اولئك قوم برزوا الى مضاجعهم وانفتحوا على الله سبحانه فهانت الدنيا امام اعينهم ورأوا ربهم ببصائرهم. شهداء البحرين الذين بلغ عددهم مائة حتى الآن سجلوا حضورهم التاريخي في ميدان الشهادة ورحلوا عن الدنيا، صائمين عن ملذاتها، فاتحين شهوتهم لما عند الله. تظاهروا واحتجوا وعقدوا النية على مواجهة الظلم والظالمين، وتحللوا من اعباء الارض وعندما رأوا زحف العدو صمدوا بوجهه، فكان لهم ما أرادوا. تذكروا اهل بدر الذين كان امامهم خيار بين الشهادة او النصر، فيمموا وجوههم نحو اي منهما “واذا يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم، وتودون ان غير ذات الشوكة تكون الله، ويريد الله ان يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين، ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون“.
ايها البدريون، يا ثوار البحرين: انتم موعودون بالنصر، فان سألتم: متى هو، فقد اجابكم الله في كتابه العزيز “ويقولون متى هو؟ قل عسى ان يكون قريبا”. ان قرب النصر او بعده يتوقف على مدى الصبر والتقوى، فان تحققا امدكم الله بالنصر، كما فعل مع اهل بدر “بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين”. فتوكلوا على الله وأحسنوا صومكم في هذا الشهر المبارك، ولا تخشوا احدا سواه، واعملوا بمتقضى الآية فسيأتيكم النصر الالهي المحتوم لان الله وعدكم بذلك “وكان حقا علينا نصر المؤمنين”. ان الخليفيين والسعوديين يسومونكم سوء العذاب، فاحذروهم. لقد اعتقلوا الشيخ نمر النمر، وقتلوا ثلاثة من المؤمنين ظلما وعدوانا، واضافوا الى سجلهم الاسود الذي اشتمل على هدم مساجد المسلمين، صفحات اكثر سوادا. أبعد هذا يرجون بقاء في الحكم؟ ألم يسمعوا كلام الله سبحانه “ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين”؟. فلنصم جميعا في هذا الشهر صوم المؤمنين التوابين المجاهدين الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس. ولا تخشوا كيد فرعون وملئه “فما كيد فرعون الا في تباب”. واحذروا وساوس الشيطان التي يدخلها في النفوس بهدف تشكيكم في النصر الالهي المحتوم، واضعاف ارادتكم وموقفكم، فان الاستجابة للشيطان آفة الايمان “الشيطان يعدكم الفقر، ويأمركم بالفحشاء، والله يعدكم مغفرة منه وفضلا , والله واسع عليم”. فالصوم الصوم، التقوى التقوى، الصمود، الصمود، الأمل الأمل، واياكم ووساوس الشيطان، فانه مغلول في هذا الشهر بانتهزوا الفرصة واطردوه من نفوسكم، وسيكون النصر على العدو الخليفي حليفكم بعون الله تعالى.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
20 يوليو 2012