الثوار وحدهم قادرون على انجاح ثوراتهم
يدخل الصراع بين الشعوب وقوى الثورة المضادة مرحلة حرجة مع تصاعد توتر الاوضاع في مصر، ويتضح عمق إصرار اعداء التغيير في العالم العربي على إفشال الثورات العربية واحداث تغيير جوهري في النظام السياسي المهيمن على الدول العربية المؤسس على الاستبداد والديكتاتورية المطلقة. وسوف تكون نتائج الحرب السياسية والنفسية التي يشتعل اوارها في مصر حاسمة لتقرير مصائر الشعوب العربية، فاما ان تنعم بالحرية والديمقراطية او تستمر الحقبة الديكتاتورية السوداء التي همينت على الاوضاع طوال نصف القرن الماضي. ولكي تتضح معالم المشهد العام يجدر طرح النقاط التالية:
اولا: ان الثورات العربية جاءت بعد عقود من الاستبداد والقمع، وكانت مفاجئة للعالم من حيث شمولها وعمق التفاعل الشعبي معها. وكان الزخم الشعبي واضحا فيها، ولذلك باغتت الانظمة التي لم تكن تتوقعها، واحدثت تغيرا جوهريا في موازين القوى بضعة شهور.
ثانيا: ان الثورات لا تحدث كل يوم، بل انها ظواهر اجتماعية سياسية يحتاج قيامها لتفاعل عدد من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما تحتاج لمناخات اقليمية مؤاتية، ويمكن ان تتواصل اذا استمر الزخم الشعبي متفاعلا معها ومشاركا فيها. وبالتالي فما لم تنتصر عندما تنفجر فقد يتأجل الحسم وقد يزداد الوضع سوءا بعد ان تستعيد القوى السياسية المستهدفة قوتها وسيطرتها على الوضع وتتأهب لاجتثاث عوامل الثورة والتعاطي مع اسبابها الظاهرة.
ثالثا: ان الثورة اما ان تحافظ على زخمها ونقائها او تفشل. ويحتاج ذلك لتضافر قوى المعارضة من كافة الاتجاهات السياسية المشاركة فيها. ومن الخطأ الكبير تلكؤ اية جهة في التعاطي معها والانخراط في صفوفها. ولكن ثمة مشكلة اخرى وهي ان دخول القوى السياسية على خط الثورة قد يؤدي الى ضعف زخمها لان تلك القو ى والاحزاب التي نشأت على السياسة وألاعيبها لا تستطيع التحول الى قوى ثورية حقيقية، فالسياسة والثورة لا ينسجمان عادة. فاما ايمان بالتغيير عن طريق الثورة والتوقف عن انماط التفكير السياسي المرتبط بقيم المصلحة والتوازنات واوراق الضغط، او البقاء في اطار العمل السياسي الذي اثبتت تجربة العقود الثلاثة الاخيرة عدم قدرته على احداث تغيير جوهري في البلدان العربية.
رابعا: الثورة مشروع شعبي جماهيري، تتلاشى فيها الحدود الاجتماعية او السياسية، فترى الشاب المنحدر من عائلة ثرية يشارك في الصفوف الاولى للثوار، وقد يعتقل او يستشهد. اما خيار التغيير السياسي فمحصور بالنخب السياسية التي قد تبدأ بعفوية ولكنها تنتهي الى تعمق مفاهيم السياسة ويدخل المشاركون فيها دهاليز مظلمة ليس لها اول او آخر.
خامسا: الايديولوجيا تتعمق بالخيار الثوري، وتتلاشى حدودها بالعمل السياسي. فالسياسي الاسلامي لا يختلف كثيرا عن السياسي اليساري او الليبرالي. وشيئا فشيئا ينصهر الناشط الاسلامي او الشيوعي في بوتقة السياسة المؤسسة وفقا لمنطق القوة المادية وقيم الدهاء والالتفاف والسباق الذي يكون احيانا كثيرة غير مرتبط بالقيم والاخلاق والمباديء.
سادسا: ان مقولة ان السياسة “فن الممكن” مفهوم دقيق. ولذلك ينطلق العاملون ضمن الحقل السياسي بعقلية حذرة في ما يطرحون ويتعاملون مع الواقع القائم على امل تحقيق شيء من المكاسب ضمن الاطر القائمة بدون السعي للاخلال بها الا ضمن “ما يسمح به القانون”. وبدلا من سعي النشطاء السياسيين لتغيير قوانين اللعبة، ينصاعون تدريجيا لتلك القوانين، بل قد يصبحون حراسا عليها. اما الثورة فهي محاولة لازالة الاطر وتحقيق ما قد يبدو مستحيلا. فعندما يتصدى الشاب للدبابات او قوات الجيش وأجهزة الامن رافعا قبضته في الهواء، فانه يؤسس لمنطق آخر لا يقوم على اساس توازن القوى. ولذلك فحتى عندما يلتقي الثوار والسياسيون في المراحل الاولى لانطلق الثورة، فانهم سرعان ما يفترقون بعد ان تتضارب اولويات كل منهم، وعقلياتهم ومنطلقاتهم.
سابعا: ان الثورة التي تنطلق اساسا من قبل مجموعات شبابية غير منتظمة او منتمية لجهات سياسية، تستطيع الاحتفاظ بزخمها طالما بقي المعارضون السياسيون بمنأى عنها. ولكن عندما يدخلون على خطها تبدأ ظاهرة التآكل من الداخل، بسبب تضارب الرؤى لدى كل من الطرفين. فالثوار يسعون لاسقاط النظام القائم، ويقدمون من اجل ذلك اكبر التضحيات. ويرفضون كافة العروض السياسية لاسكاتهم عبر مقولات “الحوار” و “المصالحة الوطنية” و “الواقعية السياسية”. ولكن دخول السياسيين على خطها تبدأ حالة الشد والجذب لان اطروحة اسقاط النظام تتضارب مع مقولة “الحوار” لان ذلك الحوار يشرعن وجود النظام المطلوب اسقاطه. فالتحاور او المشاركة ضمن اطر النظام لا ينسجم مع اطروحة الثورة الهادفة لاسقاط النظام كاملا.
ثامنا: القوى السياسية تتهيأ لها ظروف التنظيم وتتحول تدريجيا الى مؤسسة رسمية، بهياكل تنظيمية واضحة، وخطة عمل مدروسة، وميزانيات معدة سلفا ومحسوبة وفقا للاحتياجات، واجهزة تنفيذية تغطي اغلب دوائر الاهتمام. اما الثوار فهم عادة من الفقراء والمعدومين والعاطلين عن العمل وخريجي السجون. هؤلاء يتقنون شيئا واحدا اسمه الثورة، ولا يعترفون بالخطوط السياسية والدبلوماسية، ولا يقدسون احدا الا الله، ولا يطيقون الجلوس مع الطغاة والديكتاتوريين على طاولات التفاوض او التعاون. بل ان همهم الاول والاخير يتمحور حول كيفية اسقاط النظام السياسي القائم. هؤلاء يصمدون في الميدان حاملين أرواحهم في أكفهم، مستقبلين الشهادة وميممين وجوهمم نحو الله. ومع عدم توفرهم على امكانات مادية تساعدهم على تنظيم اوضاعهم او تطوير ادائهم، فان روح الثورة تعوض عن الخلل في الامكانات المادية والفنية. انه صراع متواصل يقف الثوار فيه ابطالا شامخين، بينما تعيش الانظمة الاستبدادية هواجس الثورة والتغيير ليلا ونهارا.
تاسعا: ان قوى الثورة مطالبة بالوعي الحقيقي الذي يجعلها قادرة على استيعاب اساليب الالتفاف على الثورة ومحاولات افشالها او الالتفاف عليها او توجيهها باتجاهات بعيدة عن التغيير الحقيقي. ولتكن حذرة مما يحاك ضدها باساليب اجرامية من بينها استدراجها او بعض افرادها الى المستنقع الطائفي او الى ما يسمى “الحوار” مع النظام الذي تهدف لتغييره. الوعي الحقيقي يقتضي التركيز على الهدف الاساس وهو اسقاط النظام السياسي المستعصي على الاصلاح والتقويم.
عاشرا: قوى الثورة تستمد قوتها من الله اولا وليس من اي مصدر آخر، ولا تعتقد ان القوى الداعمة للاستبداد كالامريكيين وغيرهم ستقدم لها الدعم لاسقاط النظام القائم. ولا شك ان العمل ضمن اطر ذلك النظام يجذب الكثيرين ولكنه لا يؤدي الى اقامة الحكم العادل الذي يعبد الله فيه حق العبادة، والذي يحقق للانسان كرامته وهدف وجوده. فاليقظة اليقظة، الحذر الحذر، الوعي الوعي، الصبر الصبر، التقوى التقوى، فذلك هو الطريق لضمان النصر الالهي بجنود الغيب المسومة.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
22 يونيو 2012