انتصار الشعب في الفورمولا، بداية الحسم النهائي والسقوط الخليفيي
شاء الله ان ينقل ثورة البحرين الى الخريطة العالمية، فسخر الطغاة والمستكبرين للتآمر ضد شعبها بالاصرار على اقامة سباق الفورمولا، فكانت النتيجة عكس ما خططوا له “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”. الشهور والاسابيع التي سبقت انعقاد السابق شهدت سباقا بين الثوار والزمرة الخليفية ومعها قوى الثورة المضادة (السعودية وبريطانيا وامريكا) باتجاهين متضادين: الاول يمثله الثوار ويسعى لمنع انعقاد اية فعالية توحي بعودة الوضع البحراني الى حاله الطبيعي، كالسباقات والمؤتمرات. والثاني يمثله اعداء الشعب والحرية والديمقراطية، ويسعى لاتخاذ اي اجراء يعيد الثقة للقوى الاقتصادية العالمية بشرعية نظام الزمرة الخليفية.
وكان الثوار يدركون ان نتيجة ذلك السباق مع الزمن ستكون لصالح الثورة، فان نجحوا في منعها كان انتصارا معنويا وسياسيا لهم، وان انعقدت تحقق للثورة اعلام دولي واسع، واستطاعوا ايصال صوت الشهداء والمظلومين والمسجونين والمعذبين للعالم. ودفعت اموال الشعب المنهوبة للقائمين على السباق بمئات الملايين، كل ذلك من اجل كسر شوكة البحرانيين. ولكن اراد الله افشال مكرهم، فجاء الاعلام من كل حدب وصوب. وبدلا من التركيز على السباق توجهوا لبؤر الثورة يوميا لتغطية فعالياتها واجراء الحوارات مع روادها وضحايا القمع ا لخليفي السعودي. كان العالم مبعدا بشكل قسري عما يجري في البحرين التي لم تتوقف ثورة شعبها يوما واحدا بل كان الحراك الشعبي والاعتصامات والتظااهرات تجري بشكل يومي بدون انقطاع، ولكن المال النفطي المنهوب من جيوب شعوبنا حال دون اطلاع العالم على ذلك. جاء الاعلاميون بارادتهم المحضة وتحدوا ارادة جون تيموني وجون ييتس، ويمموا وجوههم نحو معاقل الثوار، فكأنهم اكتشفوا كنوزا اعلامية لم يحلموا بها. فمن منطقة لاخرى كان الشعار واحدا: الشعب يريد اسقاط النظام. واذا كانت آلة التشويش والتضليل الخليفية قد استطاعت التعتيم على ما يجري شهورا، فقد اكتشف العالم، من خلال وسائل الاعلام التي حضرت لتغطية سباقات الفورمولا ان الغالبية الساحقة من الشعب تقول بصوت واحد: يسقط حمد. وقال بعضهم انه اصبح مقتنعا ان الديكتاتور ونظامه لن يدوما، ولم يعد السؤال ما اذا كان النظام سيسقط، بل متى. وقال آخرون انهم لم يروا اصرارا من قبل اي شعب ثائر آخر مثل ما رأوا في البحرين، وانتظام الاحتجاجات واستمرارها يكشفان قرارا لا تستطيع قوى العالم المنضوية تحت لواء الثورة المضادة تغييره.
سبقت تطورات الوضع خلال شهر ابريل التي بلغت ذروتها في الثلث الاخير منه امور عديدة اضافت للقناعة الشعبية بضرورة اسقاط الزمرة الخليفية من الحكم. اولها: الضغوط المشتركة التي مارستها حكومات كل من السعودية وامريكا وبريطانيا على بيرني ايكلستون، رئيس حلبة السباق (فورمولا1)، وهي ضغوط لم تتوقف لحظة، وانطلقت من قرار تلك الدول بالحفاظ على الاستبداد الخليفي مهما كانت الظروف والعواقب. وكانت هذه السياسة واضحة منذ ان قررت حكومات تلك الدول ارسال القوات السعودية لقمع شعب البحرين وقتله وهدم مساجده واعتقال اطبائه ومعلميه ورياضييه. هذه القوى شريكة في الدماء التي اريقت والمساجد التي هدمت والحرمات التي انتهكت. وقد خصصت السعودية موازنة هائلة لشراء موقف ايكلستون الذي قال لمن التقى به قبل شهرين بانه استلم الاموال لا يهمه ان عقدت الحلبة ام لم تعقد. وبدت واشنطن ولندن في موقف ضعيف جدا وهي ترى التغطيات الاعلامية في صحفها واذاعاتها وقنواتها التلفزيونية واغلبها موجه ضد الطغمة الخليفية بشكل غير مسبوق، وضد انعقاد حلبة السباق. ثانيها: تصاعد قمع العدو الخليفي للشعب البحراني وثواره في الاسابيع التي سبقت عقد السباق، وذلك تحسبا للاحتجاجات التي هدد الثوار بتنظيمها خلال ذلك. وكان الاستهداف موجها بشكل واضح من قبل جون تيموني (الشرطي الاسوأ في امريكا حسب ما قالته صحيفة ميامي نيوز في 2007 وجون ييتس الذي ارتبط اسمه بفضيحة التصنت على الهواتف في بريطانيا). وهدد ييتس بشكل واضح بان شرطته سوف يستعملون الذخيرة الحية لقتل البحرانيين. وكان اول ضحايا استعمال الرصاص الحي على ايدي فرق الموت الخليفية التي يديرها تيموني وييتس الشهيد احمد اسماعيل الذي اغتيل وهو يصور احدى المسيرات الشعبية في منتصف الشهر الماضي. وكان الاستهداف واضحا ووحشيا، وتلى ذلك اغتيال الشهيد صلاح حبيب عباس آل موسى الذي أطلقت فرق الموت الخليفية النار عليه ببندقية الشوزن ثم عذبته حتى الموت.
ماذا يعني ذلك؟ من خلال استقراء ما جرى للانظمة الاستبدادية الاخرى تتضح حقيقة مهمة مفادها ان النظام اذا بلغ حد القتل الممنهج والتعذيب فقد دخل مرحلة الفناء والنهاية. وقد يطول الزمن او يقصر، ولكن النظام لا يسلم من عواقب افعاله. هذا ما حدث لنظام صدام حسين، ونظام القذافي ونظام مبارك ونظام بن علي. هؤلاء جميعا دخلوا طريق الفناء عندما ولغوا في الدماء و التعذيب على النمط الذي يمارسه الخليفيون اليوم. الطغمة الخليفية تعتقد انها تبعث رسائل انذار للنشطاء بالتصفية اذا استمروا في طريقهم، ولكنها من حيث لا تعلم انما تبعث تلك الرسائل لنفسها، لو كانت تستقريء التاريخ الحديث للدول المذكورة. شعب البحرين هذه المرة ادرك ان مستقبله يجب ان يتأسس على قطع العلاقة بشكل كامل مع الشرذمة الخليفية التي ولغت في الدماء وقهرت بسلطانها. والسلطان انما يجعله الله بأيدي الحكام ليعملوا في الناس بالقسط والعدل، ويحموا الارواح والاعراض، وحين ينحرف عن رسالته يرتد على صاحبه. السلطان الذي يستعمل لارعاب الاطفال والنساء ويصبح سيفا مصلتا على رقاب الآدميين، ويدفع حامليه لممارسة الفساد بأبشع اشكاله وعلى رأسها قتل النفوس البريئة وسلخ الجلود كما فعلت مع الشهيد صلاح، وتكسر الاطراف، لا يدوم، بل سرعان ما يتلاشى بفعل قوانين الله في العباد والمجتمعات، لان الديكتاتور حينئذ يتحول الى مصداق للآية الكريمة “واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد”. هذا النمط الاجرامي يحول المجتمع الى قنبلة بشرية موقوتة اذا انفجرت طحنت الديكتاتور وعصاباته ومحقتهم من الوجود.
الامر المؤكد ان الزمرة الخليفية لم تستوعب دروسا من تجاربها الاخيرة، وليس القديمة. فقبل أقل من عامين، مارست من العنف بحق المواطنين ما لم يمر بذهن احد، عندما اعتقلت رموز الشعب، واذاقتهم اصناف العذاب، وسلطت فرق الموت على النشطاء لتعتقلهم وتنكل بهم بشكل بشع غير مسبوق. لم يكن الوضع السياسي آنذاك متوترا كما هو عليه الآن، ولكن تصرفات الزمرة الخليفية اوصلته الى حالة الاحتقان، وهيأت الارض بذلك للثورة التي انفجرت في الرابع عشر من فبراير على خلفية الغضب المكبوت شهورا بسبب ما حل بالشباب من كوارث ومعاملة وحشية عمقت الشعور في نفوس المواطنين بان الخليفيين تحولوا الى اعداء يستحيل التعايش معهم. انفجرت الثورة في وضع كان البعض يعتقد انه آمن وهاديء، فكانت كالطوفان. ولقد كان بامكان هذه الزمرة التعاطي مع الحدث بنمط آخر، فتستميل العواطف وتطيب الخواطر، وتتعاطى بهدوء مع الوضع، ولكن ما حدث طوال الاثني عشر شهرا الماضية يؤكد ان الخليفيين فشلوا في استيعاب الدروس السابقة، وبدأوا يكررون المواقف والسياسات نفسها ولكن بشراسة أكبر ووحشية لم يسبق مثيل لها في تاريخ البلاد. فجاء هدم المساجد وقتل ما يقرب من مائة واعتقال الآلاف وتعذيبهم بأصناف الوسائل والاساليب. بل زادوا على ذلك بان دشنوا عهدا اكثر سوادا مما سبقه من العهود. واستقدموا ضابطا بريطانيا آخر له سمعة سيئة، ليحل محل ايان هندرسون، سيء الصيت. وقد واجه هذا البريطاني، ومعه الامريكي جون تيموني، المتظاهرين بوحشية، وأمر قواته باستخدام السلاح الحي لقتل البحرانيين. في ظل هذه الحقائق، فالمتوقع استمرار الحراك الثوري الحالي بوتيرة متواصلة. ومن سياقات الانتفاضات المتتالية اصبح واضحا ان كل واحدة منها اشد من سابقتها وبمطالب أرفع سقفا، حتى اصبح من غير المقبول المطالبة بأقل من اسقاط النظام، بينما كانت المطالب سابقا محصورة باعادة العمل بدستور 1973. ان تجربة العام الاخير اقنعت المواطنين بان من غير المجدي اطلاقا العمل وفق مقولة اصلاح النظام الخليفي الذي اثبتت العقود الثلاثة الماضية انه يستعصي على الاصلاح، ولا يستطيع احد التأثير على مساره، بل يزداد شراسة ووحشية وابتعادا عن قيم الديمقراطية واحترام حقوق الانسان. انه صراع من اجل البحرين لانقاذها من العدوين الخليفي والسعودي، ومن اجل الحرية والحقوق والديمقراطية. وليس هناك اقل من اسقاط الحكم الخليفي مطلبا للثوار، ولن يستطيع احد تجاوزهم في ذلك. ستستمر الثورة بعون الله تعالى حتى يتحقق هدفها الرئيس متمثلا بالتخلص الى الابد من الحكم القبلي الاستبدادي الذي يعيش خارج اطر الزمان والمكان التي الفها، وفشل في استيعاب رسالة الثورة.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
27 ابريل 2012