كل شهيد يغلق بابا من ابواب الحكم الخليفي المتداعي
نؤبن شهداءنا الخالدين خصوصا جاسم احمد رضي وصبري محفوظ اللذين قضيا بالغازات الكيماوية شهيدين صابرين محتسبين، تغمدهما الله برحمته واسكنهما فسيح جناته، ونصر الله بروحيهما شعب البحرين المظلوم.
شهداء يعبرون جسر السعادة نحو الخلود، وآخرون يعيشون هناك ويحيي الشعب ذكراهم. ما الفرق بين شهيد يرحل عن الدنيا اليوم وآخر لحق بربه قبل عام؟ الجميع احياء عند ربهم يرزقون، فما يضير الواحد منهم ان يسبق اخاه او يلحقه؟ وما الذي يخسره ان فارق دنيا يعيث فيها الظالمون فسادا وجورا واحتلال، وولج الى عالم ليس فيه سوى العدل والسعادة الدائمة؟ الزمان والمكان يفقدان معنيهما لدى الشهيد الذي لا يرى الدنيا الا معبرا للنعيم الابدي. أرأيت شخصا ينتظر في طابور لكي يصل الى المسؤول ويستلم منه جائزة العمر؟ هل يطيق الانتظار؟ ام يعد الثواني رغبة في اختصار الزمن والمسافة لاستلام الجائزة؟ الشهيد ينظر بعين الله، فيرى ما لا يراه الآخرون، فلا يحول بينه وبين الوصول الى تلك المشاهد الجذابة سوى الحاجز الدنيوي. فهو يرى ليس بعينيه فحسب بل بقلبه وبصيرته. فعندما يكتب الطفل علي بداح على خزانة ملابسه قبل اسابيع من استشهاده عبارة “الشهيد علي بداح” فلانه كان ينظر بعين الله ويرى ما لا يراه غيره. وعندما يتصدر فاضل العبيدي مقاومة العدو الخليفي ويتصدى للمعتدين يوميا، ويعتقل مرات ويفلت من الوحوش فلا يخالطه الخوف ولا يخشى من بطش القتلة، فذلك يعني انه يرى ما لا يراه الآخرون، فيسرع الخطى نحو الهدف. والهدف هنا لقاء الله بالصعود الى عالم الملكوت الذي لا يصله الا ذوو الحظوة الرفيعة من الانبياء والصديقين والشهداء. وعندما يصف القرآن الكريم الشهداء بانهم “أحياء عند ربهم يرزقون” فانه يؤكد حقيقة تلاشي الزمان والمكان في حسابات المؤمن الذي ارتبط بربه فانفتحت اساريره وتجلت له خفايا الغيب. لقد استطاع هذا الانسان، من خلال مجاهدة خاصة مارسها مع نفسه الانسلاخ من الدنيا ومفاتنها والعروج من خلال ايمانه الحقيقي بالغيب الى عالم الخلود والبقاء لدى الحضرة الالهية.
ثوار البحرين يتحولون يوميا الى مشاريع استشهادية فاعلة، فقد استسخفوا ادوات الموت الخليفية وادوات الموت السعودية، وتحرروا من عقدة الارتباط بالارض ومن قيود الظلم والاستبداد، واصبح الواحد منهم متمردا على واقعه المرير، وتواقا للصعود الى عالم ليس فيه شيء من ذلك. ان ذلك ذروة الحرية والتواصل مع الله سبحانه. لقد كشف لكل منهم الغطاء فاصبح ينظر بعين الله. وهنا سقطت فاعلية ادوات الموت التي يملكها العدو، فلا تستطيع ردع الاحرار عن مواصلة ثورتهم، واصبحت سيوفه كليلة لا تستطيع ثنيهم عن السير على طريق من سبقهم بالايمان، ولا تمنعهم من مواجهة العدو بصدور عارية. انهم طلاب حياة كريمة، فاما ان يحققوها في دنياهم، او ليعيشوها في عالم الملكوت الاعلى بعد ان يعبروا اليها من بوابة الشهادة. انهم يعيشون الانسجام الكامل بين رغبتهم في العيش الايماني الكريم وارتباطهم بمشروع الشهادة بمعنيها: الحضور في معركة الصراع بين الحق والباطل، والقتل على طريق الحرية دفاعا عن الكرامة والحق والعرض والشرف والوطن. بهذه الروح الكبيرة افشلوا كافة اساليب التضليل الخليفية والقتل السعودية. فاذا بشباب لا يملك من حطام الدنيا شيئا ولا من اسباب القوة المادية الا الحجر والاطار المحترق، يهزم جيشا مدججا باحدث الاسلحة الامريكية الفتاكة. واذا بابناء البحرين البررة يسحقون فلول المرتزقة والبلطجية والعملاء الذين يستقوون على الاحرار باموال النهب المنهوبة والدعم الانجلو – الامريكي الغاشم، والاحتلال السعودي الجائر. صراع الحرية والاستعباد في ارض اوال سوف يتواصل بدون توقف، ومسيرة التحرر من الاستعباد (سواء للخليفيين ام السعوديين ام للدنيا الفانية ومفاتن الشيطان الزائلة) لن تتراجع يوما بعون الله تعالى.
في هذه المسيرة آلى ثوار البحرين على خوض غمارها فشلت كافة اساليب التضليل او حرف المسار او احتواء الثورة، لقد فشل القمع الخليفي واطلاق النار على المتظاهرين وقتل العشرات وجرح الآلاف، وفشلت حملات الاعتقالات والتعذيب الممنهجة. ولم ينجح الاحتلال السعودي في كسر شوكة الثوار برغم شراسته ووحشيته واستهداف البحرانيين في اعراضهم ومقدساتهم خصوصا مساجدهم. واخيرا لجأ التحالف غير المقدس بين الرباعي البغيض، الخليفي – السعودي – الانجلو – امريكي لطرح مقولة “الحوار” كأخر سلاح تملكه قوى الثورة المضادة. الثوار ومعهم الشعب يعرفون ان الخليفيين لا يؤمنون بالحوار اطلاقا، وان طرحه انما لهو لكسر تماسك الصف الوطني الذي توحد على مطالبه التي تتراوح بين حدها الادنى الذي طرحته الجمعيات السياسية متمثلا بالمملكة الدستورية وكتابة دستور جديد يؤدي الى برلمان كامل الصلاحيات وحكومة منتخبة وحدها الاعلى الذي يجسد اهداف الثورة مثمثلة باسقاط النظام الخليفي البغيض واقتلاعه من جذوره. الثوار، ممثلين بالقيادات المعتقلة وشباب 14 فبراير، ومعهم كافة شعب البحرين، لا يعتقدون بان الخليفيين سوف يتنازلون شعرة واحدة عن امتيازاتهم وصلاحياتهم، ولذلك يعتبر هؤلاء الثوار ان اسقاط النظام اسهل من اصلاحه. فحين يأكل الصدأ القطعة الحديدية الى النخاع، يصبح مستحيلا اصلاحها، ويقتضي الامر استبدالها. مائتا عام من الفساد والاستبداد حولت الخليفيين الى وحوش مفترسة وافقدتهم انسانيتهم، وجعلتهم مولعين بالقتل والتعذيب والسجن والاستئصال، ولذلك لا تستطيع قوة في الارض اصلاحهم أبدا. الثوار اتخذوا قرار اسقاط النظام، وسوف يكون ذلك أسهل كثيرا من اية اطروحة اخرى. فلن يكون هناك حوار حقيقيا لان الديكتاتور بلغ من التكبر والتغطرس والاجرام مستوى اصبح معه مستعصيا على التوبة او الاصلاح. وقد اثبت الامريكيون والبريطانيون عداءهم للديمقراطية والعدالة، واصبحوا يجاهرون بذلك من خلال دعمهم المطلق للخليفيين والسعوديين، وارسالهم خبيرين في القمع والتعذيب لدعم الديكتاتورية والاستبداد في البحرين. ان كيدهم سوف يرتد الى نحورهم وسوف ينتصر الثوار على القوى الرجعية والديكتاتورية العملية ولن يهنأوا بعد قتل الشهداء في حياتهم ابدا.
على طريق التغيير انطلق شباب البحرين في ثورتهم المظفرة، وزادهم اعتقال قادتهم الابطال ثباتا وتصميما وعزما. انهم يزدادون اطمئنانا بصحة طريقهم يوميا كلما برز شيء من خفايا المشروع الخليفي السعودي الانجلو امريكي، وآخر مقاطعه الحديث عن عزم السعودية التهام البحرين وقضمها وضمها الى امبراطورية آل سعود الجائرة. انها حلقة اخرى في مسلسل استهداف الثورة تضاف الى مقولة “الحوار” بمشاركة البلطجية والمعذبين. وعندما يبعث الخليفيون معذبا متوحشا مثل سلطان عيسى السويدي، الى جنيف للدفاع عن الملف الخليفي في مجال حقوق الانسان، فان ذلك سقوط مروع للانسانية والقيم والاخلاق لا يضاهيه سقوط آخر. كما انه مؤشر لمدى استعداد الخليفيين للاستخفاف بمنظومات حقوق الانسان وتجاهرهم بتحدي القيم والاخلاق البشرية. فليذهبوا بحوارهم واصلاحاتهم ووعودهم الى الجحيم، فلن يهدأ للبحرانيين بعد اليوم جفن حتى يزول الحكم الخليفي من الوجود وتسقط اعمدة الظلم والاستبداد والتعذيب. لقد صقلت الثورة مواهب شبابها فاصبحوا محصنين ضد اساليب الاستخفاف والاستضعاف والاستحمار، فلن يقبلوا بشيء أقل من اسقاط النظام يوما، وليكن ذلك واضحا في اذهان العالم الذي تنكر للشعب وحقوقه وثورته. فالله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
23 مارس 2012