توقف الزمن اجلالا لثورتكم، ولن يتحرك الا يوم النصر
توقف الزمن عندما تحرك رواد التغيير في الوطن المعذب، وأبى ان يتحرك حتى تتفتح ازهار الحرية في البلد الذي قتل فراعنته الحياة فيه، بكل انواعها. فمنذ ان غارت المياه من جوفه، هيمنت سحب مظلمة على سمائه، فأحالت نهاره ليلا كالحا أرخى سدوله ومنع الفجر من الطلوع. ولكن هذا الزمن الذي فقد قدرته على الحركة بدأ قبل عام يشعر بحركة تدب في اوصاله، فقرر ان يبدأ حركته بعد توقف، وسيره بعد جمود.
وعندما رأى ارواح براعم الثورة تصعد الى بارئها، آلى على نفسه ان لا يتوقف بعد اليوم. فكيف يؤرخ للمستقبل الوضاء الذي أوقدت شعلة الثورة نوره، واصبح نجمه يتلألأ فوق سماء أوال يأبى الا الحركة ولا يرضى بسوى الحرية. ان مستقبلا تصنعه ايدي الثوار وتصوغ ألحانه حناجر رواد التغيير، وتبني هيكله اجساد الشهداء لهو عنوان الكرامة والفخر، وغاية ما يتطلع اليه الاحرار وترنو له قلوب الابطال. في زمن الخنوع توقف الزمن احتجاجا على ما يفعله الطغاة، فكلما رأى قمرا مضيئا تخسفه قواصف الشر ازداد حنقا وإصرارا على وقف عجلة الحياة. ما كان لهذا الزمن ان يعاود الحركة الا حين ايقظته أرواح اطفال اوال لتخبره بان قطار المستقبل الزاهر قد تحرك، وان زمن الخنوع والاستسلام قد ولى. من كان يظن ان هذا القطار سيكتظ بركابه، بعد ان قل رواده حتى شعرت الامة بالكآبة والسؤم، وكادت تقضي على حياتها انتحارا. ولكن حركة الزمن الجديدة واجهت محاولات لا تهدأ من قوى الموت وعناوين الفناء الذين شعروا ان الحركة تقتلهم وانهم عما قريب ساقطون في المزبلة التي تضم رفات سابقيهم من السفاحين والقتلة ومصاصي الدماء وقتلة الانبياء والصالحين.
من كان يظن يوما ان عباد الله الممتحنين الذين كان الطاغية يعتقد انه استعبدهم الى الابد، وملك واصي امورهم حتى انتهاء الحياة، سوف يكونون رأس الحربة التي تستهدف ضربه في مقتل، واصابته بلا رحمة. لقد أخجل هؤلاء الاطباء سوف يتقدمون الزحف، وان الممرضات اللاتي لم يشتغلن بالسياسة يوما، سوف يصبحن رموز التغيير؟ من كان يظن ان المعلمات والمعلمين وهم الذين كانوا الاشد حرصا على تعليم الاجيال سوف يكونون عناوين للظلامة ومصاديق للاضطهاد وسوف يقدمون للتاريخ شهادات حية على الظلم والتعذيب والقتل الجماعي؟ هل كان ثمة من فكر يوما بان الليبرالي السني سيشترك في زنزانة تعذيب واحدة مع ذلك المتدين الشيعي؟ وهل كان باستطاعة احد يتوقع ان يصل الحقد الخليفي ضد البحرانيين الى ما بلغه من قتل على الهوية واستهداف للوجود والسعي المتواصل لاستئصال السكان الاصليين من هذه الارض واستبدالهم بغيرهم من المجنسين الذين جاء بهم من كافة الاصقاع؟ وثورة الورود والحب التي انطلقت من دوار اللؤلؤة، من كان يظن ان يستعين الطاغية بالقوات الاجنبية لقمعها؟ مساحيق التجميل أذابتها دموع المفجوعات بابنائهن، فلم يعد هناك من يجهل اليوم عمق مأساة شعب البحرين في ظل نظام القهر والاستعباد والاذلال الخليفي. ليس هناك في هذا العالم من يجهل حقيقة حكومات مشدودة الى الماضي السحيق، ترفض النظر الى حيث تشرق الشمس ويطلع الفجر كل يوم. ذلك هو المستقبل الذي لا يستطيع هؤلاء ابصاره لان عيونهم مصابة بالعشى الابدي، لا تقوى على إبصار النور الذي يتحدى الظلمة دائما، ويأبى الا ان يفرض نفسه ولو تلفعت السماء بالسحب المرعبة والاعاصير المزلزلة. هناك في ظهر الغيب قلوب والهة، مشدودة الى نقطة انطلاق قافلة العزة التي كانت محصورة بدوار اللؤلؤة، تتغزل في جماله الطبيعي وتاريخ ذلك الرمز المرتبط بالاجداد الذين ركبوا البحر قرونا وبنوا على ارض اوال صروح العزة و الكرامة.
عاشت البحرين على حقيقتها طوال العام المنصرم، مجتمعا متماسكا في ما بين ابنائه على اختلاف مذاهبهم واعراقهم، ولكنه منقسم على مستوى العلاقة بين ذلك الشعب ونظام الحكم الذي أبى ان يتطور او يتحول من الحكم القبلي الى منظومة سياسية حديثة قائمة على اساس دستوري يكتبه المواطنون بايديهم، ويشاركون معا في ادارة بلدهم بعيدا عن الاملاءات او الاستبداد او الاستعباد. واذا كانت ايام الدوار قد جسدت ذلك التضامن المنقطع النظير، والآمال العريضة التي توسعت في نفوس الاجيال الجديدة التي حملت لواء الثورة لاحقا، فان الشهور الاحد عشر اللاحقة لم تكن أقل بريقا، فقد رفضت ازهار الحب ان تذبل برغم الحقد الذي اظهره اعداء الخير من القبائل البدوية التي ما فتئت مشدودة الى ماضيها الصحرواي الجاف الذي تموت فيه الورود وتذبل فيه الازهار. قصة طويلة من الكفاح لم يتوقف التاريخ عن كتابة فصولها بدماء الشهداء وتعزف موسيقى أحزانها وآمالها آهات الثاكلات، ولم تستطع ايامها صك الآذان عن استماع صراخ المعذبات وهن شامخات الرؤوس بين أيد السجانين. البكاء لا يعني الاستسلام، بل انه تعبير عن الالم الجسدي، وما اضعف الطين في طوامير التعذيب. فالحرية لا تهزمها مباضع الجلادين، وصراخ الفتيات وهن مسبيات بايدي العدو تتحول الى اناشيد تخترق القلوب االتي ران عليها عملها الشيطاني، وتتحول مع الزمن الى بيانات الثورة المظفرة التي تفرض نفسها على الزمن وتأبى التراجع او الهدوء الا بعد ان تتفح اوراق شجرة الحرية ويضوع أريج ازهار المستقبل الموعود.
القلوب مشدودة لأيام مقبلة، حبلى بالمفاجآت، يصر الطغاة على منع قدومها، آملين مرة اخرى ان يتوقف الزمن وتعود ايام هيمنتهم السوداء. وهيهات لهم ذلك. فمنذ ان رفض التاريخ ان يتوقف اصبح عليهم ان يعجلوا الرحيل لكي تنطلق قافلة التحرير والانعتاق، لم يخطيء شباب الثورة عندما اعلنوها صرخة مدوية ضد الاستبداد والارهاب والحقد والعصبية. هؤلاء الفتية الذين تسلحوا بالايمان والانسانية، وتذوقوا طعم الحرية عندما حرروا الدوار مرتين، تحولوا الى تيار جارف لن يوفر للطغاة راحة او امنا بعد ان سلبوا الناس امنهم وكرامتهم وانسانيتهم. صراع الحرية والاستبداد محسوم سلفا ضد محترفي القمع والتعذيب والظلم. فلتتعمق ثقة جيل الثورة بحتمية بزوغ فجر الكرامة في فضاء الحرية الواسع، فقد حفرت قبور الطغاة والديكتاتوريين، ولن يمتد العمر بهم طويلا. فيوم المظلوم على الظالم قريب انشاء الله وسوف يكون شديدا على المجرمين والسفاحين من الخليفيين والسعوديين الاشرار.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
3 فبراير 2012