عيدنا وعيدهم: انها المفاصلة التاريخية بين شعب ثائر وحكم قبلي مستبد
فيما يسعى النظام البحرين لاضفاء طابع الاستقرار على اوضاعه الداخلية تتصدى المعارضة بقوة لذلك لتثبت عكس ما يقول، ولتكشف للعالم هشاشة ارضية الحكم الخليفي وحتمية سقوطه. وليس هناك دلالة اكبر على المفاصلة الكاملة بين الطرفين من هذا التباين والتضاد في مواقف الطرفين ازاء مناسباتهما. فالنظام ينفق اموالا طائلة ويبذل جهودا كبيرة للاحتفاء بما يسميه “العيد الوطني” في 16 ديسمبر، بينما تسعى المعارضة منذ عقود لافشاله لانه تعتقد انه تزوير للتاريخ وتنكر لكل ما هو مجيد في تاريخ هذا الشعب.
فاليوم الذي اعتبرته العائلة الخليفية “عيدا وطنيا” انما هو الذكرى السنوية لاستلام الحاكم المقبور، عيسى بن سلمان آل خليفة، زمام الامور من والده، سلمان، الذي توفي في منتصف ديسمبر من العام 1961. ولا يعتبر الشعب تلك المناسبة مرتبطا بتاريخه من قريب او بعيد، بل يعتبرها تكريسا للحكم القبلي الفردي الذي فشل في تطوير البنية السياسية للبلاد، ولم يستطع ان يقيم نظاما ديمقراطيا حديثا ينسجم مع روح العصر. ولذلك، فبرغم سياسة فرض الامر الواقع بالقوة، واجبار الاعيان والشخصيات المرموقة وكبار موظفي الدولة على زيارة قصر الحاكم في هذه المناسبة، ونشر الاعلانات في الصحافة المحلية، فقد توسعت مسافة الاختلاف بين شعب البحرين والعائلة الخليفية بمرور السنين. وبسبب هذه الحقيقة، بقي رموز الحكم مهووسين بشبح المؤامرات ضدهم. ففي مثل هذه الايام من العام 1981، اعلنت السلطات اكتشاف “تنظيم سري يهدف لقلب نظام الحكم” مرتبط بالجبهة الاسلامية لتحرير البحرين، واعتقلت اكثر من مائة شخص اصدرت لاحقا احكاما بحق 73 منهم بالسجن ما بين 15 عاما والسجن المؤبد. وفي ديسمبر 1983 اعلنت اكتشافها تنظيما آخر مرتبطا بحزب الدعوة الاسلامية. وطوال الثلاثين عاما كان شهر ديسمبر يمثل ذروة التوتر الامني بسبب الاعلان المتكرر عن اكتشاف خلايا وتنظيمات سرية تعمل لقلب نظام الحكم. من هنا بقيت العلاقة بين الطرفين متوترة بدون حدود، ولم يستطيعا رأب الصدع بينهما حتى اندلعت الانتفاضة المباركة في التسعينات والثورة المظفرة التي ستقتلع النظام الخليفي بعون الله تعالى.
المواطنون لم يعترفوا يوما بما يسمى “العيد الوطني”، بل اطلقوا عليه “العيد الوثني” لانه يكرس تعظيم ديكتاتور مفروض عليهم بالقوة ولا يخضع لرقابة او محاسبة، بل يتصرف في البلاد والعباد كما يشاء، وفق اعراف قبلية بالية وعقلية استئصالية وطائفية مقيتة. ومنذ الانسحاب العسكري البريطاني في 1971 أصرت المعارضة على ان يكون العيد الوطني هو اليوم الذي تحررت فيه البلاد من الاستعمار البريطاني، كما فعلت سائر دول العالم التي كانت ترزح تحت الاستعمار الاجنبي. ولكن آل خليفة رفضوا ذلك لاسباب عديدة: اولها ان خروج الاستعمار البريطاني كان لاسباب عديدة من بينها النضال الوطني في الخمسينات والستينات ضد الاستعمار، وهو نضال سقط فيه العشرات من الشهداء. والخليفيون لا يريدون الاعتراف بذلك. ثانيها: ان هذه العائلة لا تريد ان تعترف بان النضال الوطني من شأنه احداث التغيير لكي لا يتعمق الانطباع بان النضال سوف يقضي يوما على الحكم الخليفي. ثالثها: انها تعلم ان الاستعمار البريطاني كان اقوى كثيرا من نظامها سياسيا وعسكريا، فاذا كانت الارادة الشعبية قادرة على انهاء ذلك الاستعمار، فستكون أقدر على انهاء الحكم العائلي القبلي الخليفي، وهي قناعة لاتريد ترسيخها في نفوس المواطنين. رابعا: انها تسعى دائما لمحو تاريخ البلاد ونضال ابنائها وعطائهم على مر العصور، وتصر على فرض تاريخ العائلة الخليفية كبديل للتاريخ الوطني، والنضال جزء من ذلك التاريخ الذي لا تريد تسجيله عمليا بالاحتفال السنوية بالاستقلال.
وازدادت القضية تعقيدا بعد انطلاق الانتفاضة المباركة في ديسمبر 1994. ففي السابع عشر من ذلك الشهر استشهد كل من الشهيدين هاني خميس وهاني الوسطي، فاعلنت المعارضة يوم استشهادهما عيدا للشهداء. ونظرا لقربه من العيد الخليفي اصبحت السنوات اللاحقة اكثر توترا عندما يقترب موعد المناسبتين المتضاربتين فكريا وسياسيا. وحدثت في السنوات اللاحقة مواجهات بين الطرفين استعملت العائلة الخليفية فيها ابشع وسائل التنكيل، حتى استشهد في 17 ديسمبر 2007 الشهيد علي جاسم في إثر مواجهات مع قوات الشغب وفرق الموت الخليفية في مسيرة عيد الشهداء. وهكذا تكرست الذكرى في نفوس المواطنين واصبحت بديلا عمليا للعيد الخليفي في السادس عشر من ديسمبر.
هذا العام تغير الوضع جذريا، فقد حدثت المفاصلة الكاملة بين الطرفين، واصبح الخليفيون على وشك السقوط كنظام سياسي، ومعهم الاحتلال السعودي. وقد دعا شباب 14 فبراير لاحياء عيد الشهداء واعتباره يوم سقوط العرش الخليفي الى الابد. انها مفاصلة تاريخية بين عدوين لن يلتقيا بين اليوم: شعب البحرين الأبي والحكم الخليفي المدعوم باحتلال سعودي غاشم،وكلاهما مهزومان بعون الله تعالى، وسواعد ابطال البحرين وثوار أوال. “انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدينا ويوم يقوم الاشهاد”، “ولا تحسبن الله مخلف وعده رسله، ان الله عزيز ذو انتقام“.
حركة احرار البحرين الاسلامية
15 ديسمبر 2011