الشعب يستعد للذكرى الاربعين للتحول من الاستعمار الى الاستبداد، كيف نضمن انتصار الثورة؟
كان يوما تاريخيا يتكرر عبر العصور والأزمان، ولكن قصر ذاكرة البعض تعتقد انه نادر الحدوث. قبل بضعة شهور لم يكن احد يتوقع ان يشاهد فرعون مصر وطغمته يمثلون في قفص الاتهام، يحاكمهم ضحاياهم، وهم مهطعون مقن رؤوسهم، لا يرتد اليهم طرفهم، وأفئدتهم هواء. فقبل أقل من عام واحد كان احرار مصر يحاكمون عسكريا في ذلك القفص، بأوامر من فرعون وجنوده الذين استكبروا في الارض وعتوا عتوا شديدا.
وها هي الأيام تدور ويشهد العالم مصداق الآية الكريمة “ولا يحسبن الذين كفروا ان ما نملي لهم خير لأنفسهم، انما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين”، ومصاديق المقولة الشهيرة “يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم”. لقد عانى المصريون من العذاب على يدي حسني مبارك وزبانيته الشيء الكثير. فقد أمضى الطاغية في الحكم قرابة الثلاثين عاما، حتى تفرعن واعتقد انه خالد في الحكم، وراح يعد أبناءه لاستلام الحكم بعده. فماذا كانت النتيجة؟ لقد أذله الله في الدنيا قبل الآخرة، وأصبحت دماء ضحاياه تلاحقه وتأبى ان تلاحقه حتى تحاسبه في الدنيا قبل ان يحاسبه ربه في الآخرة. جاء ذلك برغم الجهود التي بذلها طغاة السعودية لمنع سقوطه في بداية الثورة، ولمنع محاكمته بعد سقوطه، ولعدم بث محاكمته علنا بعد ان قرر الشعب محاكمته. سقط مبارك، وسوف يلحقه بقية طغاة هذه الامة وفي مقدمتهم آل سعود وآل خليفة. فما فعله هؤلاء المجرمون يتجاوز في فظاعته ما فعله فرعون مصر. خليفة بن سلمان امضى في الحكم اربعين عاما ونهب اراضي الشعب وثرواته، وقرر تصفية الشعب عندما تظاهر امام المرفأ المالي الذي “اشترى” ارضه بدينار واحد! ولا يقل الديكتاتور اجراما عن عمه. فقد نصب نفسه “ملكا” وسعى لتوريث ابنائه الحكم، وبعث ابنه المدلل “ناصر” ليرتكب افظع الجرائم، فقام شخصيا بتعذيب العديد من السجناء وفي مقدمتهم الشيخ محمد حبيب المقداد. وشوهد وهو يقود البلطجية يوم مسيرة الرفاع للاعتداء على المتظاهرين السلميين. لقد نهب هؤلاء (ومعهم شيخ بحر) اراضي البلاد وبعد ان فشلوا في تضليل الشعب او ترويضه جاءوا بالاحتلال السعودي البغيض لإبادة شعب البحرين. فهل سيكون هؤلاء بمنأى عن ارادة الله وسننه؟
لقد أطل الشهر الكريم ومعه أنباء طيبة عن اقتراب نهاية الطغيان، وان طالت. ويتساءل الكثيرون: ما المطلوب من الشعب تقديمه؟ فنقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لن يصلح آخر هذه الأمة الا بما صلح به أولها” لقد صلحت بالاسلام وانتصرت بالصبر والايمان الحقيقي الذي جعلها تستصغر الطغاة وتهزمهم الواحد تلو الآخر. واليوم، بعد ان فعل الطغاة الخليفيون والسعوديون ما فعلوا وتجاوزا في جرائمهم ما ارتكبته قريش، لم يعد امام المؤمنين سوى العمل بمتقضى الآية الكريمة التي تمثل هي الأخرى، سنة قرآنية نافدة: “بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين”. فالمطلوب من الشعب امران: الصبر الايجابي والتقوى التي من اهم مصاديقها التوحيد الصادق لله سبحانه وعدم خشية من سواه من الطغاة والمستبدين والمتفرعنين. هذه هي مسؤولية الشعب، فاذا فعلها التزم الله سبحانه بالجانب المادي وبعث الله حشود الملائكة للدفاع عنهم وهزيمة الطغاة. اما اساليب اصلاح الطغاة والمستبدين والاعتقاد بامكان تغيير انظمة حكمهم بالانخراط فيها، فقد اثبتت تجربة نصف القرن الاخير في العالم العربي فشلها الكامل، وليس هناك تجربة سياسية واحدة تثبت امكان اصلاح الانظمة الفاسدة “ان الله لا يصلح عمل المفسدين”. ان المحاولات في هذا الاطار تضفي شرعية على هذه الانظمة الطاغوتية الفاسدة وتزيدهم قوة وتجعلهم يستميتون في استضعاف الشعوب وظلمها ونهبها والتنكيل بها. هذا ما حدث في تجربة ما سمي “المشروع الاصلاحي” الذي فرضه الديكتاتور بعد حظي بدعم معنوي لفرض دستوره الظالم على الشعب، وهذا ما اثبتته تجربة “الحوار” الاخيرة التي ساهمت في اضعاف حراك الشارع واحداث شروخ في صفوفه بين مؤيدي الانخراط في تلك اللعبة او معارضتها. وما يغيب عن الكثيرين ان المشروعين كانا امريكيين، على مستوى التخطيط والاخراج، وكان المسؤولون الامريكيون هم الذين “أقنعوا” البعض بالمشاركة في المشروعين. وحتى هذه اللحظة فهناك من يعتقد بان الولايات المتحدة لعبت دورا ايجابيا في الازمة الاخيرة في البحرين. هذا البعض يقولها علنا في المحاضرات والمقابلات التلفزيونية.
وهناك حقائق لا بد من الاشارة اليها بوضوح لازالة التشوش السياسي والذهني لدى البعض. اولها ان الثورة البحرانية من اكثر الثورات العربية حيوية واصرارا. وبرغم الضربات الوحشية القاسية التي وجهت اليها فقد فشل السعوديون والخليفيون في القضاء عليها. فلا يكاد يمر يوم بدون وجود احتجاج هنا واعتصام هناك، امام اعين السفاحين من بلطجية آل خليفة وعملائهم ومرتزقتهم. ثانيها: ان الثورات العربية جميعا توقفت عن التقدم في اليوم الذي احتلت القوات السعودية فيه البحرين. هذا ما قاله المشاركون في مؤتمر القاهرة قبل اسبوعين، وان عدم الحسم اصبح ظاهرة ملازمة لجميع الثورات بدون استثناء. فالسعودية تصدرت الثورة المضادة واستطاعت جر الكثيرين الى قضايا هامشية بعيدة عن روح الثورة، وروجت المذهبية والطائفية والصراعات الداخلية في كافة البلدان التي تخوض شعوبها ثورات ضد الاستبداد. ثالثها: ان الولايات المتحدة شريكة في قمع الثورات بعد ان تخلت عن مقولة اوباما في الاسابيع الاولى لربيع الثورات العربية عندما قال “لا نريد ان نكون على الجانب الخطأ من التاريخ”. ولم يلبث ان عاد الى ذلك الموقف وتبنى سياسات لاجهاض كافة الثورات بالتحالف مع السعودية وبريطانيا واسرائيل في “الثورة المضادة”. لقد كان الجميع يعلم ان امريكا هي التي تدعم الاستبداد، فكيف يمكن ان تتصدر مشروع التغيير الديمقراطي؟ وكيف يسمح بعض فصائل المعارضة في الدول العربية مسايرة للمشاريع الامريكية التي تهدف لاجهاض الثورات وليس انجاحها؟ رابعها: ان شعبنا البحراني قادر على حسم الثورة لصالحه اذا التزم بالصبر والايمان الصادق ولم يخش الا الله، ومنع الخوف من تجمع الاحزاب السعودية والخليفية والامريكية، ان يدخل قلبه، وسلم امره ومصيره لله وحده، فذلك مصداق للآية الكريمة: ” ولما رأى المؤمنين الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليما”، فالنصر لا يصنعه الارتباك باعداء الامة، ولا يأتي الا من عند الله “وما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم”. والامل ان يستيقظ الضمير المؤمن لدى الجميع على هذه الحقائق القرآنية التي هي طريق النصر، خصوصا ونحن في شهر رمضان المبارك، نقرأ القرآن كل يوم، ونقرأ في دعاء الافتتاح مصاديق ذلك: الحمد لله قاصم الجبارين، مبير الظالمين، مدرك الهاربين، نكال الظالمين، صريخ المستصرخين“.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية