شهر رمضان: إضاءات على الثورة والموقف والمستقبل
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الصوم، لنعرف معاني التقوى التي هي اساس الانتصار على الشيطان والنفس والطغيان. وما أحوج شبابنا الثائر لأداء هذه العبادة في هذه الفترة التي تتعرض لها ثوراتنا العربية جميعها للتآمر من شياطين الانس وطغاة العباد. شهر رمضان، أيها الاحبة، فرصة لاسترداد الانفاس واعادة شحن الروح بالايمان الذي هو أساس النصر على المستبدين والطغاة. فالايمان الحقيقي هو الذي يدفع صاحبه لاستصغار ما سوى الله سبحانه، والاعتقاد العملي بامكان هزيمة الحاكم المستبد، بعيدا عن هرطقة المثبطين والمنبطحين وعبيد الدنيا. ف
من لا يؤمن بامكان هزيمة الجاثمين على صدور شعوبنا، يحتاج لاعادة ا لنظر في ايمانه بربوبية الله، فلعله ممن تنطبق عليه الآية الكريمة “ولا يؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون”. والشرك هنا ليس في الاعتقاد، بل في الطاعة، اي ان يطيع الانسان غير الله، او ينحني له او يعتقد بانه القادر على حسم الامور، او ان هذا الطاغية قدر مفروض لا فرار منه. ان الصوم فرصة لاعادة تزكية النفس وتعميق الايمان واستصغار الطغاة خصوصا الذين يحاربون الله كما يفعل الخليفيون وا لسعوديون المجرمون. وعندما يبدأ المؤمنون صومهم هذا العام، فسوف يحضر على موائد افطارهم ارواح اخوانهم الذين استشهدوا على ايدي قتلة العدو الخليفي، ولن يغيب الرموز الذين يرزحون في غياهب السجون وقد اكتووا بنار التعذيب والظلم عن مجالسهم الرمضانية المباركة. سيكون الاطباء الابطال المعتقلون والأسيرات اللاتي تتلوى على ظهورهن سياط الجلادين حاضرين ايضا في القلوب، خصوصا بعد ان اصبحوا مكونا أساسيا من مكونات ثورة الشعب. اما مئات الجرحى خصوصا الذين فقدوا بصرهم او اطرافهم، فسوف يقدمون شهادات حية على ظلم العدو الخليفي الذي لن يتحول يوما الى صديق، بل سيظل مستهدفا في وجوده من قبل الثوار، برغم تآمر السعوديين والامريكيين. في هذا الشهر المبارك، سترتفع ايدي الصائمين والعابدين وقارئي القرآن والمتهجدين في لياليه، بالدعاء من القلب ضد من ظلم هذا الشعب جميعا، ومن بينهم الادارة الامريكية التي تدعم الاحتلال السعودي والاستبداد الخليفي، بمشاريعها الهادفة للقضاء على الثورة وحماية النظام من السقوط. نبتهل من الله العلي القدير، قاصم الجبارين، مبير الظالمين، ان يمحق هؤلاء جميعا، ويفشل مؤامراتهم ضد شعب البحرين وحريته وما يطالب به من حقوق مشروعة.
ولقد اندهش العالم من قدرة شعب البحرين الأبي على استعادة قوته ونشاطه بعد شهور من الاحتلال السعودي الغاشم والقمع الخليفي الظالم. فها هو ينتفض ليجدد ثورته ويوسع نشاطه، مؤكدا مطلبه الاساس الذي ا حتواه شعار الثورات العربية: الشعب يريد اسقاط النظام. انه شعار المرحلة الذي يسعى الديكتاتوريون وداعموهم في واشنطن ولندن وتل آبيب لمنع تحققه، وهيهات لهم ذلك. لقد استيقظت الامة على واقع جديد استعادت فيه الثقة بنفسها وادركت هشاشة انظمة القمع الاستبدادية، خصوصا التوارثية منها. وقد اثبت الخليفيون المجرمون هشاشة حكمهم، فما ان واجههم شباب البحرين وشاباتها بقبضات ايديهم وهي ترتفع في الهواء بالشعارات الوطنية التحررية، حتى هرعوا مستنجدين بأكثر انظمة العالم تخلفا ورجعية وعمالة، فجاء السعوديون بسلاحهم ليواجهوا الصدور العارية وليهدموا المساجد وينتهكوا الحرمات، فلا بارك الله في الايدي التي امتدت الى بيوت الله بالتخريب، والى النفوس المحترمة بالتعذيب، والى الشعب المسالم بالابادة والتنكيل. برغم ذلك كله، ثمة اعجاب بقدرة شباب 14 فبراير على إصراره على مواصلة الثورة والاستمرار في رفع الشعارات الاساسية وفي مقدمتها “الشعب يريد اسقاط النظام” و “يسقط حمد” اللذين اصبحا شعاري المرحلة وعنواني نهضة شعب البحرين المظفرة. وما شهدته البلاد في الاسابيع الاخيرة من تجديد دماء الثورة وقدرتها من الشباب، أفشل محاولات الاحتلال السعودي الخليفي على اخادها برغم القتل وا لتعذيب وكافة وسائل القمع. لقد اصبح البحرانيون المظلومون يطاردون جلاديهم من آل سعود وآل خليفة، واصبح الديكتاتور نفسه وعصابته مطلوبين للعدالة الدولية برغم الانفاق السعودي الهائل لتحييد الجهات الدولية المعنية بمطاردة مرتكبي جرائم الحرب وا لجرائم ضد الانسانية.
لم يعد امام الشعوب العربية الثائرة خيار آخر غير الاستمرار في الثورة حتى تسقط انظمة القهر والاستعباد سواء في مصر او اليمن او ليبيا او اي بلد آخر يسعى شعبه للحرية والتخلص من الظلم والاستعباد. لقد عانى شعبنا البحراني على ايدي هؤلاء عقودا من الظلم، وعندما قرر الثورة كان ذلك خيارا استراتيجيا، يهدف لاحداث تغيير جوهري شامل، ليصبح الشعب سيد الموقف وصاحب القرار. فهو بالتالي لا يطرح مطالب على المحتلين السعوديين والخليفيين، بل يأمرهم بانهاء هذا الاحتلال، واعادة اكثر من نصف اراضي البلاد الى اصحابها الشرعيين من السكان الاصليين (شيعة وسنة). ولن يتحقق اي ا صلاح ما دام الاحتلال السعودي الخليفي قائما. وعندما قرر شباب البحرين الثورة في 14 فبراير، كانت مطالبهم سياسية بحتة تعالج سؤالا محوريا: كيف تحكم البحرين ومن يحكمها؟ طرح ذلك على اساس حق الشعوب في تقرير مصيرها، ورفض منطق الاحتلال والاستعباد. هذا السؤال لا يستطيع المحتل السعودي او الخليفي الاجابة عليه، لانهم الطرف الفاعل في هذا الاحتلال. تطرح هذه المطالب لتكريس الايمان بضرورة تحرير البلاد من هذا الاحتلال، واسقاط النظام الذي تحول الى عدو لشعب البحرين بسياساته التي تضمنت مشاريع الابادة عبر التجنيس السياسي والتنكيل والتمييز والتعذيب. شباب 14 فبراير يؤكدون اصرارهم على احداث تغيير جوهري في نظام الحكم، ولا يعتقدون ان ذلك يمكن تحقيقه من خلال العمل ضمن آليات النظام نفسه. ان مطالبه لا تتضمن الاعتقاد المحسوم بان آل خليفة هم حكام البحرين، وهو اعتقاد يقوم على اساس الايمان بأن علاقة هؤلاء الاعداء بالبحرين “أزلية”، بينما شباب الثورة يؤكد عزمه على انهاء هذه المغالطة ولا يعتبر ان الحكم الخليفي قدر محتوم لهذه البلاد. الامر المحتوم ان من حق الشعب ان يقرر مصيره بنفسه، وانه سائر في ثورته لتحقيق ذلك، ولن يتنازل عنه مهما كانت اساليب البطش والتنكيل والاجرام التي يمارسها العدو الخليفي المجرم.
وثمة حقائق يجدر استحضارها ليكون المشهد اكثر وضوحا: اولاها ان جميع الثورات العربية، بما فيها ثورتا مصر وتونس، ومن ضمنها ثورة شعب البحرين، مستهدفة من قوى الثورة المضادة التي تقودها السعودية، وانها جميعا لم تحسم، ولذلك عاد ثوار مصر وتونس الى الشارع مجددا لافشل خطط تلك القوى، ثانيتها: ان من اساليب اجهاض الثورات استعمال قوات الامن والبلطجية ووسائل الاعلام كاساليب مباشرة لقمع الثورات، ولكن من الاساليب الاخرى طرح مشاريع “الحوار” لاحتواء الموقف واضعاف الحماس للنزول الى الشوارع، حدث ذلك في تونس ومصر وليبيا واخيرا البحرين. ان انظمة الاستبداد التي تحكم شعوبنا لا تؤمن بالحوار اطلاقا، بل تستعمله كسلاح لشق صفوف المعارضة وتمزيق الوحدة الوطنية. ثالثتها: ان شباب الثورات اثبت نفسه اقدر على ادارة الصراع، فهو أشد عودا وأقل جنوحا للمساومة او ا لتفاوض مع القتلة والسفاحين، وأوعى من السقوط في وحل الانظمة او استجدائها بطرح مطالب يعرف سلفا انها لن تستجيب لها. رابعتها: ان هذه الانظمة تستحيل على الاصلاح، وان كافة وسائل اصلاحها من داخلها فشلت. حدث هذا في مصر واليمن والبحرين على حد السواء. المشكلة ان القوى السياسية التقليدية بنت وجوداتها السياسية وفق قوانين هذه الانظمة، واصبحت بذلك مقيدة بشكل كامل، اذ لا تستطيع ان تتحرك خارج ما تسمح به تلك القيود. اما القوى الثورية الشابة فهي غير معنية بتلك القيود، وتتمتع بحرية في الحركة، وليس لديها ما تخسره، فليس لها صفة رسمية، او مقرات مرخصة او مؤسسات مسجلة لدى النظام. هذه القوى التحررية لا تنتظر ترخيصا من اجهزة النظام القمعية لتسيير مسيرة مناهضة لسياسات البطش والاحتلال والاختلاس، ولا تجد نفسها ملزمة بتبجيل رموز الطغيان ومسؤولي التعذيب، بل تواجههم بصراحة وتعتبرهم مجرمين بشخوصهم، وتطالب بمحاكمتهم على اساس ذلك.
هذه جوانب من ايديولوجية الثورات العربية، وهي مشتركة بينها جميعا. وتجد هذه الثورات نفسها اليوم مستهدفة من قوى الثورة المضادة على حد ا لسواء. وفي مؤتمر القاهرة الذي عقد مؤخرا حول الثورات العربية اجمع المشاركون على ضرورة اسقاط النظام السعودي كضرورة لحماية الثورات. انه تعبير عن الوعي المختزن لدى جيل الثورة، وهو وعي ضروري لافشال محاولات اجهاضها من قبل الانظمة الاستبدادية الرجعية بزعامة السعودية.
هذه الحقائق تتطلب عملا متواصلا من قبل الشباب للحفاظ على قوة الثورة وزخمها، فالعمل العمل، والحذر الحذر، والصمود الصمود، والوعي الوعي، والتقوى التقوى خصوصا في هذا الشهر المبارك، واياكم والانخداع بالنظام الخليفي الارهابي الذي باع ارضنا رخيصة على الاجانب، وفرض علينا الاحتلال السعودي المقيت، فاصبروا على الابتلاء بالصمود والمرابطة ففي ذلك النصر المبين انشاء الله. يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا، ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
29 يوليو 2011