من يحاكم من عندما يكون القاضي هو الخصم؟
انتقام في شكل محاكمة، وقرار سياسي في ثوب حكم قضائي، وانتقام من الضحية من قبل الجلاد. ذلك ما يحدث عندما تحكم البلطجة والاجرام شعبا متحضرا أوقعته الاقدار بأيدي قطيع من الوحوش وفريق من القراصنة. ثورة شعبية شهد العالم لها بالرقي والتحضر واتسمت بالسلمية والأخلاق وشارك فيها الصغير والكبير، تتعرض للعدوان الآثم من قبل قوى التخلف والاستبداد، مدعومة بقوى الاحتلال والهيمنة والمعايير المزدوجة.
ثورة مضادة يقوم بها الاحتلال السعودي – الخليفي ضد شعب البحرين، على أمل إجهاض ثورة الجياع والمحرومين، وانقاذ الحفنة الخليفية المجرمة التي عاثت في الارض فسادا ومارست من الظلم والقهر والقتل والتعذيب ما لم تفعله حكومة اخرى في اوضاع مماثلة. عنفوان ليس له نظير يسجله ضحايا “القضاء الخليفي” الذي اصبح اداة تستعمل ضد اهل البحرين وليس وسيلة للفصل في الخلافات والخصومات. وقفت الثلة المؤمنة امام القاضي الخليفي الذي هو الخصم في الوقت نفسه، قائلين له: برغم انفك وانف اسيادك سوف تستمر الثورة حتى اسقاط نظامكم الفاسد، واحكامك هذه لا تستحق الاوراق التي كتبت عليها. إباء ورثه هؤلاء من آبائهم الذين اختلطت اجسادهم بثرى الارض التي تتعرض للاحتلال والنهب من الطغمتين السعودية والخليفية المحتلتين. أيام تتوالى على هذه الارض والشعب حبلى بما ليس في الحسبان. من كان يظن ان يتوحد هذا الشعب العظيم في ثورة انحنى العالم اجلالا لها وأرغمت الخليفيين على الاحتماء ببقية العائلات التي اصبحت عروشها مهددة بسبب ظلمها وتخلفها واجرامها؟ من كان يتوقع ان يختفي رموز الحكم في قصورهم بعيدا عن عيون المواطنين الغاضبين، خوفا من المصير المحتوم الذي يلاحقهم. من كان يعتقد ان قبضات ايدي ابطال اوال التي ترتفع في الهواء متناغمة مع هتاف الاحرار: الشعب يريد اسقاط النظام. لم يحدث هذا في اول ايام الثورة فحسب، بل ما يزال يتردد يوميا في شوارع القرى والمدن بدون انقطاع او خوف او وجل. من كان يجرؤ ان يقول قبل شهور فقط: يسقط حمد، يسقط حمد؟ او: تبت يدا أبي لهب، شلت يداك يا حمد؟
ان عشت اراك الدهر عجبا. وما يسطره ابناء اوال هذه الايام ليس أقل من العجائب والغرائب، فبرغم هذا التحالف الشيطاني المدعوم بالمال النفطي والحقد الطائفي البغيض، والتخلف الحضاري القاتل، والسقوط الاخلاق المدمر، ينطلق الشعر الهادر من وراء القضبان. لقد ولد الشعب من جديد، وما تزال ارحام نسائه حبلى بالاجيال التي لن ترحم الاحتلال والظلم. فتاة يافعة لا تملك سوى كلماتها المنبعثة من روحها الايمانية الراسخة، تقض مضاجع الطغاة من آل سعود وآل خليفة، فيرمون بها في قعر الطوامير بعد تعذيبها بدون رحمة او انسانية. حسن السترى، الرجل السبعيني، يضرب بالسيف على رأسه، ويشق ظهره بالفأس ليكون عبرة لغيره، فلا يزداد المواطنون الا ثباتا وتوكلا على الله وإصرارا على الصمود حتى ساعة النصر التي لن تتأخر طويلا؟ يسير الآلاف من المواطنين في تشييع الشهيد جابر ابراهيم العليوات، بعد ان شاهدوا باعينهم جسده الممزق على المغتسل فلا يزيدهم ذلك الا صبرا وتسليما. اولئك قوم رأوا الجنة رأي العين، فساروا على طريق الحسين واهل بيته. يستقبلون ذكرى استشهاد الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، فينظرون الى الماضي بلحاظ الحاضر، ويقرأون في ممارسات الظلمة والطغاة ما يعمق قناعاتهم بان الظلم لا يدوم والتعذيب لا يكسر الهمم او يهزم الرجال. اربعة عشر عاما من التعذيب لم تثن الامام الكاظم عن موقفه، ولم تفت في عضده، ولم تنجح في استمالته للسلطان، بالجلوس معه للتشاور او التحاور، لعلمه ان “الذي خبث لا يخرج الا نكدا” وان الطغاة لا يمكن اصلاحهم اطلاقا. شباب البلاد وشيوخها ونساؤها اصبحوا الآن محصنين ضد اساليب الاحتلال السعودي – الخليفي ومحاولاته المتواصلة للنيل من ارادة الحرية ومشاعر الكرامة وثورة الجياع والمظلومين، ومشاهد التعذيب التي تهدف لثني جحافل الاحرار عن سيرها جاءت بعكس ما يهدف اليه المجرمون.
في هذه اللحظات التاريخية من تاريخ شعبنا، تصدر الاحكام الجائرة بحق جحافل المجاهدين المؤمنين الصابرين المحتسبين، من قبل محكمة عسكرية تتحرك بأوامر الاحتلال السعودي والاستبداد الخليفي. فما الذي حققته تلك الاجراءات التعسفية الظالمة؟ لقد اجمع العالم على رفض المحاكمات لاسباب عديدة: اولا انها تجرى امام المحاكم العسكرية وذلك يتناقض مع ابسط مباديء حقوق الانسان والمحاكمة العادلة التي تمنع محاكمة المدنيين امام القضاء العسكري. ثانيا ان المحكمة يديرها آل خليفة بشكل مباشر وفي ذلك اهانة لمبدأ العدالة الذي يقتضي بان لا يكون الخصم هو القاضي. ثالثا: ان الذين يقدمون الى المحاكم لم يرتكبوا جرائم وفق التعريف الدولي، وكل ما فعلوه التعبير الحر عن الرأي والموقف وممارسة حق المشاركة في التظاهر والاحتجاج السلمي، وهذه من الامور التي لا تعترف العائلة الخليفية بانها من حق المواطنين. رابعا: ان هذه المحاكمات أفشلت ادعاءات الاحتلال السعودي والاستبداد الخليفي بالرغبة في الحوار، وكشفت عن خطاب مضطرب يختلط فيه التشويش والتضليل بالادعاءات الفارغة ويتميز بالتحريض الطائفي البغيض، ولذلك اعتبرت جائرة بكل المقاييس. خامسا: انها دفعت العديد من المراقبين السياسيين الى التحرك للضغط على حكومتي امريكا وبريطانيا للتدخل الفوري لوقف استغلال الدولة واجهزتها (القضاء والجيش والامن والمال) وسائل للقمع والبطش واستفزاز المواطنين. سادسا: ان الاحكام سياسية كيدية وليست قضائية، بل انها صادرة عن رموز آل خليفة انتقاما من الرموز الذين تعتبرهم سببا للثورة الشعبية ضدها وفضحها امام العالم، والغاء الشرعية الشعبية والدستورية عنها.
في ضوء ذلك كله، قرر عدد من الذين صدرت بحقهم احكام جائرة بالسجن عدم استئناف تلك الاحكام لاسباب انهم لا يعترفون بالمحكمة العسكرية، وثانيا لانهم لا يريدون الانشغال بقضية غير السعي المتواصل لاستكمال مشوار الثورة ومساعدة الشعب على تحقيق هدفه باحداث تغيير جوهري في بنية الحكم الذي فشل في اقامة حكم القانون واحترام المواطنين والحفاظ على سيادة البلاد بعد ان سلمها للاحتلال السعودي. اننا نحيي تلك الروح الحرة المتوثبة لدى هؤلاء الاخوة الذين يقولون للقاضي الخليفي الذي هو الخصم ايضا: فاقض ما انت قاض، انما تقضي هذه الحياة الدنيا”. لقد فعل الاحتلال ما فعل وارتكب من الآثام والجرائم ما ارتكب، ومع ذلك فشل في القضاء على ارادة شعب البحرين الذي اصبح اكثر تصميما على مواجهته، ورفض الاعتراف بالاحتلال او الجلوس معه على طاولة واحدة للحوار او الاعتراف باحكامه الجائرة الصادرة عن المحاكم العسكرية، فليفعل ما يريد، فالمؤمنون واثقون بنصر الله تعالى: “أذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا، وان الله على نصرهم لقدير“.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
24 يونيو 2011