فرسان امتطوا صهوة المجد وشهداء ترجلوا خالدين
فرسان نزلوا الميدان بعد تغييب قسري في طوامير فرعون، أسود استعصوا على الترويض، وخرجوا من عرينهم يزأرون امام الثعالب والخفافيش والذئاب، هامات شامخة لم تركع يوما لغير الله أطلت على الجماهير في دوار الحرية لتوجه للظالمين والجلادين والمحتلين حمما تمزق شملهم وتقتلع شجرتهم الملعونة لترمي بها في مزبلة ا لتاريخ. عمالقة خرجوا من قمقهمهم واضعين أرواحهم في أكفهم، سائرين بقلوب ثابتة على الحق ونفوس ثائرة ضد الطغيان.
أبطال كسروا القيد وحطموا ارادة الطاغية وسلبوه نشوة الشعوب بالنصر، وبدأوا يحاكمونه علنا امام العالم، كمجرم ضد الانسانية، معذب وقاتل وسفاح ولص ومحتل بلا نظير. بحرانيون نالت سياط الجلادين من اجسادهم ولم تنل من ارواحهم، فخرجوا يزمجرون ضد مصاصي دمائهم الذين اصبحوا يختفون في الجحور وترتعد فرائصهم من غضب الشعب وثورته المظفرة بعون الله تعالى. براكين كامنة في بطون الجبال، بدأت تتفجر لتجرف معها البيت الخليفي وتصهره مع القمامات وحثالات البشر. بضعة وعشرون شريفا يطلون على الجماهير مشرقي الوجوه، يرسمون لها طريق النصر القادم من بطن الغيب، فيما يهرول سجانوهم هربا من غضب الله والعالم والتاريخ، وهذا مستحيل، ومع هؤلاء الابطال مئات المحررين من ضحايا التعذيب الخليفي، فما احلى طلعتهم وأبشع وجوه رموز الطغمة الحاكمة.
بعد ستة شهور متواصلة من التعذيب والمحاكمات الجائرة التي كشفت فشل الخليفيين حتى في صياغة مسرحية معقولة، أطل ابناء البحرين البررة معلنين انتصار ارادة التغيير على سياسات التعذيب. فبعد التجييش الرهيب الذي قام به العدو الخليفي منذ اعتقال الدكتور عبد الجليل السنكيس في 13 اغسطس، كاد العالم يصدق الاسطورة المختلقة، لولا ارادة الله الذي يحول دون نجاح الظالمين والطغاة “ان الله لا يصلح عمل المفسدين“. الابواق المحلية تسابقت لشد ايدي المعذبين، وحمايتهم من النقد، وشارك العبد الذليل الذي منح رتبة “قاضي”، ابراهيم الزايد، في الجريمة بشكل مباشر وخطير. فقد رفض استماع شكاوى التعذيب، والاصرار على قبول فريق المحامين الذين عينهم العدو بعنوان “الترافع” عن البحرانيين، ثم السماح للنيابة الخليفية بعرض “شهود الاثبات” واغلبهم ممن مارس التعذيب بشكل مباشر وكسر اضلاع الاستاذ عبد الهادي الصفار (كما جاء في صحيفة التايمز البريطانية هذا اليوم)، ومارس الاعتداء الجنسي على آخرين، ومنع فريق المحاماة (الذي كان هو الآخر شريكا في تمرير مهزلة المحاكمة بقبوله الترافع برغم رفض البحرانيين تمثيلهم)، من تقديم “شهود النفي” واجبارهم على تقديم مرافعاتهم مكتوبة. لم تقتصر محنة السجناء على ما تعرضوا له من تعذيب وتزييف، بل تواصلت حتى داخل اروقة محاكم آل خليفة القرقوشية التي كان القاضي فيها هو الخصم. صمود ابطال اوال كان ضربة قاضية للخطة الخليفية الاجرامية، فكانت كل ضربة بالعصى او صعقة بالكهرباء او وخزة بالادوات الحادة، سهما في المشروع الخليفي ومسمارا في نعشه المحتوم. تصاغر الخليفيون امام صمود هؤلاء الذين تعبت اجسادهم من التعذيب ولم تتعب نفوسهم قط.
الآن يخرج الابطال مرفوعي الهامة، وهم سادة الموقف، وباكورة النصر ، وعنوان الكرامة والشهامة والإباء. اجسادهم نحيفة بعد شهور من التعذيب وسوء المعاملة، ولكن ارواحهم تحلق في فضاء المجد وتتحدى نظام الاستبداد الذي اعتدى على الحرمات واهان كرامة البشر وتحدى الذوق الانساني. توجهوا جميعا الى ميدان الحرية ليلتحقوا باخوتهم من شباب ثورة 14 فبراير، ليشدوا ازرهم ويواسوهم مصائبهم ويترحموا على شهداء الوطن. لم يخالطهم لحظة شك في عدالة قضية شعبهم برغم ارجاف النظام وعملائه. شعر كل منهم بالدهشة عندما رأى الجموع الغفيرة التي رصت صفوفها وتوحدت على موقف الحق والاستقامة والشهامة في ذلك الميدان. يتذكر كل منهم حالة الرعب التي صاحبت اعتقاله، وكيف ان الصمت خيم على البلاد فاصبح للجدران آذان تحصى على الناس انفاسهم. ستة شهور فقط تفصل بين الايام السوداء من شهر اغسطس الماضي عندما كان الطاغية وزبانيته وابواقه ومرتزقته يفرضون على البلاد ستارا حديديا رهيبا، فيعتقل الابرياء وتكوى ظهورهم بالكهرباء وتتلوى السياط على اجسادهم. يومها كان الشباب والاطفال يختطفون من الشوارع والمنازل الى البيوت السرية للتعذيب، وما أكثر الذين كسرت عظامه وبترت اعضاؤهم بهذه الاساليب الوحشية. ذلك هو النظام الذي يتظاهر اليوم برغبته في الحوار. لقد كان صمود اولئك الابطال الذين امتحنوا في دينهم وعقيدتهم ومواقفهم، الاساس المتين الذي انطلقت عليه ثورة الشباب، فلولا تلك الهجمة الامنية الشنيعة لما اكتملت الارضية الخصبة التي دفعت الشباب الى الانطلاق الى الامام لصنع مستقبل خال من الارهاب الخليفي. لن ينسى هؤلاء تواطؤ ازلام الاحتلال المقيت في وسائل الاعلام وفي قاعات المحاكم الصورية وفي اماكن العمل بهدف القضاء على شعب البحرين وابادته ثقافيا وانسانيا.
اليوم المشرق يختلف عن امس المظلم. في هذه الساعات الحاسمة يعيش البحرانيون آمالهم العريضة التي طالما حلموا بها، تلك الآمال التي خلطتها الامهات بلبن الاطفال، وزينها المجاهدون بدمائهم الطاهرة. ثلة قليلة كانت صامدة تتحدى الاحتلال الخليفي البغيض، فتارة يصفق لهم من بقي له شيء من الضمير، ولكن ما اكثر الذين اتخذوا من الصمت سبيلا للنجاة، مع علمهم ان الصمت يقوي الطغيان ويكرس الاستبداد. صورتان متناقضتان عشناها، احداهما سوداء قاتمة تقتل الآمل وتقضي على الحياة، واخرى يتضوع ريحها بعد ان ارتوت بدماء الشهادة التي سالت من اوداج علي عبد الهادي مشيمع واخوته الذين عبدوا طريق الحرية وسلبوا الطغاة امنهم وقوتهم واحالوا نورهم ظلمة ونهارهم ليلا. ان الايام السعيدة لم نعشها بعد، ولكننا نودع ليالي سوداء مظلمة مفعمة بالآلام والآهات، ونستبقل فجرا واعدا بالآمال والاحلام. وبين هذا وذاك تتواصل جذورة الثورة المقدسة لتصنع لاوال مجدا شيدت أسسه اجساد السجناء الذين كان منهم الشيخ والعالم والعامل والفلاح ومعلم القرآن. كل اولئك سلموا اجسادهم لمباضع الجلادين، ولكنهم حموا ارواحهم ونفوسهم من السقوط او التداعي. نعيش اليوم بداية طريق التحرر من هذا الكابوس الثقيل الذي ما برح جاثما على صدور الآدميين بلا انسانية وبدون ضمير او اخلاق. فطوبى للسجناء، والمجد والحياة للشهداء، ومرحى للذين كسروا كبرياء الطاغية وجلاوزته، وقرروا التشبث بالحياة الحرة الكريمة، وشعارهم دائما: النصر او الشهادة.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية