بيانات حركة أحرار البحرين

شعب البحرين يستعد لانتفاضة على غرار ثورة تونس المظفرة

جاءت ثورة الشعب التونسي ضد الاستبداد والديكتاتورية لتعيد الحيوية الى الشعوب العربية التي ما برحت تعيش اوضاعا لا تقل ظلما وجورا عما عاناه اهل تونس، ولتثبت حتمية انتهاء الظلم، وان طال، وسقوط الاستبداد وان طال ليله. وما ان لاحت بوادر انتصار الثورة حتى ابتهجت الشعوب العربية بدون استثناء، واكفهرت وجوه انظمة الحكم الظالمة وتحركت الجهود من وراء الستار لمنع انتقال عدوى تلك الثورة الى بقية العواصم العربية.

 قوى الاستكبار ما تزال تعتقد ان بامكانها تعطيل جريان السنن الالهية بالقوة والمكر والخداع، وان القوى الكبرى ما تزال تملك 99 بالمائة من الاوراق، وان القمع والاضطهاد والتعذيب وسائل ناجعة للسيطرة على الشعوب وتطويعها او ترويضها. هؤلاء يعتقدون انهم بلغوا من القوة مبلغا يجعلهم قادرين على توجيه حركة الشعوب بعيدا عن استهداف حلفائهم الذين لم يستمروا في مواقعهم الا بالدعم المفرط من هذه الدولالديمقراطية”. لقد حرمت شعوبنا منذ عقود من نعمة الحرية التي جعلها الله حقا مشروعا للانسان، وتم التمادي في ذلك الحرمان حتى اصبح المواطن يشعر بعبثية وجوده كانسان ما دام غير قادر على التعبير عن موقفه ورأيه. وساهم في هذا الحرمان “الفتاوى السلطانية” التي تصاغ وفقا لتوافق بين اهل السياسة ولابسي لباس الدين، وهي فتاوى تحرم الخروج على الحاكم الظالم، او تجعل الخروج مردوفا برضى هذا العالم ام ذاك من الذين قرروا سلفا عدم الخروج على هذا الظالم. وقف المواطن العربي المسلم امام هذه الظروف محتارا وضائعا، بينما استمرت انظمة الظلم في الاستخفاف بقيمة البشر وامعنوا فيهم ظلما وسجنا وتعذيبا، وحرموهم من الوظيفة وحاصروهم اقتصاديا وماديا لكي يضطروهم للاستسلام والخضوع. المجتمع العربي تحول تدريجيا الى مجتمع استهلاكي، خصوصا في الدول النفطية، فأصبح شبابه مشغولا باحدث المنتجات، وهو يعيش على هامش الحياة. وبرغم دعوات المصلحين ومواقف الابطال في مواجهة الظالمين والمستبدين والديكتاتوريين، فقد بقيت الكفة راجحة لجهة الانظمة، فيما عمت حالة الضياع كافة قطاعات المجتمع.

وتأتي ثورة تونس لتعيد شيئا من التوازن الى الوضع الذي افتقد هذا التوازن. فيبدأ الكثيرون باعادة تقييم المواقف وقراءة ديناميكية المجتمعات واساليب التحدي والمطالبة بالحق. كانت تونس تعيش في ظل نظام قمعي، يعتقل على الشبهة، ويصادر الحريات ويعذب السجناء وينكل بالاحرار بدون حدود. تدخل هذا النظام في كل شيء من الامور المجتمعية واستحوذ على مؤسسات المجتمع المدني، باختراقها وتوجيهها لدعمه بصلافة منقطعة النظير. فاصبحت منظمات المجتمع المدني اداة تدعم الاستبداد وتدافع عن الظلم، وتتعامى عن معاناة ضحايا الاستبداد والقمع. في تونس تمادى الحاكم حتى بلغ حد الاستعلاء والتجبر، معتقدا ان ذلك الحال دائم لا يزول. استحوذ على الاموال بالباطل، واطلق ايدي رموزه في البلاد تعسفا وظلما ونهبا، وامر قضاته باصدار الاحكام الجائرة ضد المناضلين بتهم مختلقة وتبريرات شتى. لقد استعلى في الارض علوا كبيرا حتى نسي انه، مهما طال به الاجل، سوف ينتهي الى فناء. وبرغم آيات الله من حوله، سواء في الذين ظلموا مثله فمحقهم وأسقطهم في مزابل التاريخ، ام في الخلائق كبشر يفنى عندما يحين وقته، ام في الدول الكبرى التي تمادت في غيها حتى ألبسهم الله لباس الذلة، ومن ذلك ما تعانيه امريكا في البلدان التي تحتلها. تلك الآيات الواضحات لم تثن زين العابدين بن علي عن مواصلة فساده السياسي والمالي، ولم تدفعه لاعادة النظر في معاملته شعبه، وسلب حرية مواطنيه، والتنكيل بهم على الشبهة والظن. والطغاة من نوعه يصابون بالعمى والصمم وموت البصيرة، فتغطى قلوبهم بغشاوة تمنعها من معرفة الحق والباطل، فيسقطون تدريجيا في مستنقع الضلال حتى يحين وقت زوالهم. هذا الزوال سنة إلهية تصيب الطغاة والظالمين، ولا يفلت منها احد ممن عميت عيناه فاستحل الحرمات وتفرعن حتى ظن انه سوف يخلد على ظهر الارض الى الابد.

اسقط التونسيون طاغيتهم، فتعالت اصوات المستضعفين في كافة زوايا عالمنا العربي والاسلامي معلنة التعاطف والتضامن، برغم تمادي الانظمة العربية في القمع. لقد ادخلت الثورة التونسية شيئا من القشعريرة في ابدانهم، وجعلتهم يعيشون الهواجس التي لا تنقطع، وما يزالون يتداولون في ما بينهم لمنع آثارها على شعوبهم. وانبرى الامريكيون وحلفاؤهم الغربيون للتدخل باساليبهم الخاصة لتحقيق امور ثلاثة: السعي لمصادرة ثمرات الثورة بعد ان تم التخلص من رأس النظام، باعادة تدوير الافراد والمناصب مع الابقاء على جوهر النظام السابق، والعمل مع كافة الجهات القادرة على التأثير لمنع عودة الاسلاميين ورموزهم الى البلاد قبل اكتمال خطة احتواء الثورة واسكات الثوار، والتشاور المتواصل مع بقية الحكام العرب حول الطرق المناسبة لمنع حدوث الظاهرة التونسية في المدى المنظور. والواضح ان واشنطن مصرة على منع قيام انظمة ديمقراطية في العالم العربي خشية وصول العناصر الوطنية المخلصة التي ترفض التفريط بمصالح شعوبها وامتها من اجل الولايات المتحدة و “اسرائيل”. هذا الاصرار يتجسد بشدهم على ايدي الانظمة الاكثر استبدادا كالنظام المصري والسعودي والبحريني، فكل هذه الحكومات اظهرت عدم اكتراث بما حدث في تونس، وبدأت تشدد قبضاتها الامنية على شعوبها، فتمنع التظاهر الداعم للثورة التونسية، او الاحتجاجات المطالبة بالاصلاح او التحريض ضد الغرب و الكيان الاسرائيلي. وبرغم ما كشفت عنه وثائق “ويكيليكس” حول تنازل السلطة الفلسطينية عن الاراضي التي بنيت عليها المستوطنات الاسرائيلية، فما تزال واشنطن تضغط على الجانبين الفلسطيني والعربي لتقديم المزيد من التنازلات للعدو الاسرائيلي. وهذا يدفعها بشكل مباشر للعمل مع تلك الانظمة لمنع انتصار الظاهرة الاسلامية، وعدم وصول اي من ا لاسلاميين  الى موقع متقدم في حكومة بلده. وتعاني واشنطن من “العقدة التركية” التي اقنعتها بان “الاسلاميين” مهما كانوا معتدلين، لن يقبلوا بالتطبيع مع الكيان الاسرائيلي، وان وصولهم الى السلطة سوف يعوق محاولات التطبيع مع هذا الكيان الغاصب. امريكا والغرب والحكام العرب دخلوا منذ عقدين في تحالف شبه دائم قائم على اساس التعايش مع الكيان الاسرائيلي ضمن منظومة “شرق اوسطية” تتصدى لما يسمىالتطرف” و “الارهاب” وتستهدف دعاة الاصلاح بقوة وشدة.

بعد الثورة التونسية، الى اين ستصل اوضاع العالم العربي؟ الامر المؤكد ان ما حدث في ذلك البلد الافريقي الشمالي كان صاعقة على التحالف غير المقدس بين انظمة الاستبداد العربية والولايات المتحدة الامريكية. فلم يصدر حتى الآن عن هذه  الانظمة ما يشير الى وجود استعداد لديها لاحداث تغيير في سياساتها او سلوكها مع معارضيها. وتبرز البحرين كواحدة من اكثر الدول تشابها مع تونس على صعيد اوضاعها الداخلية وسوء معاملة مواطنيها وانتهاك حقوق الانسان فيها. وقد استبشر البحرانيون خيرا بالحدث التونسي، وكتبوا في مواقعهم الالكترونية ومدوناتهم مقالات وتحليلات واسعة حول الثورة في ذلك البلد، ولم يغب عنهم طرح حالات التشابه بين الوضعين التونسي والبحراني، وحالة الفساد المالي والاداري وفي مجال حقوق الانسان التي تهيمن على الوضع البحراني. لقد ابتهج الشباب البحراني الثائر بالحدث التونسي بشكل واضح، حتى اصبحوا يتابعونه لحظة بلحظة، ويعملون لتهيئة الارض لحركة شاملة ضد النظام. وتراقب السعودية الوضع في البحرين بعناية لا تقل اهمية عن متابعها اوضاعها الخاصة. فالرياض تدرك ان البحرين هي الاكثر تهيؤا للتغيير السياسي بعد عقود من النضال المتواصل والقمع الذي لم يتوقف او يتغير. البحرانيون اليوم يقفون على مفترق طرق خطير: بين الاستسلام لارادة الاستبداد الخليفي، او الصمود بوجهه وافشال خططه. وتبدو المحاكمات الجارية حاليا من اكبر التحديات للطرفين. فالخليفيون يحاولون اصدار احكام شديدة بحق النشطاء، ثم ينتظرون وقتا مناسبا لاصدار عفو ملكي عن بعضهم. اما المناضلون فيأملون بقدرتهم على تحريك الشارع ضد الاستبداد الخليفي، ويعتقدون ان السعودية لم تعد الآن في موضع يتيح لها دعم حلفائها الخليفيين. يشير هؤلاء الى فشل الدبلوماسية السعودية في لبنان فشلا ذريعا بسقوط حكومة الحريري واستبعاده من الحكومة الجديدة. ومع انشغال السعودية بالهم الاقليمي المعقد، لا تستطيع الرياض تجاهل الحدث البحراني الذي يتصل من قريب او بعيد باوضاعها الداخلية. أيا كان الامر يتابع البحرانيون تطورات الاوضاع في تونس، آملين ان يتمخض عن تغيير حقيقي في النظام السياسي بعد عقود من الجمود والاستكبار. وتبدو البحرين الاقرب الى حالة الثورة من بقية البلدان نظرا لعمقها التاريخي في مجال النضال السياسي ضد العائلة الحاكمة. مع ذلك يجدر وضع الفرامل على التوقعات الكبيرة التي لن تتحقق بسهولة في الزمن المنظور. أملنا جميعا ان تنعم البحرين بانفتاح سياسي حقيقي بعد سقوط النظام الخليفي بشكل مروع، ففي ذلك دروس كثيرة لمن يتابع الشأن البحراني عن كثب.

اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندم، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة احرار البحرين الاسلامية
28
يناير 2011

زر الذهاب إلى الأعلى