بيانات حركة أحرار البحرين

شعب تونس أراد الحياة، فاستحقها، فطوبى له


ليس كثيرا على الشعب التونسي ان يسجل ملحمة جهادية ناصعة، ويسقط طاغوتا استعلى وتجبر ونهب وسجن وعذب وقتل، وهذه هي النهاية الحتمية للاستبداد والطغيان. فهذا الشعب قدم الكثير من التضحيات، وقام بانتفاضات متعددة في العقود الثلاثة الاخيرة، ومنها ما سمي “ثورة الخبز” في 1984. ومنذ مجيء الرئيس المخلوع، بن علي، الى السلطة، في انقلاب ابيض في 7 نوفمبر 1987 على الرئيس السابق، الحبيب بورقيبة، خيم على تونس الخضراء عهد أسود بدأ بقمع الحريات ومطاردة المعارضين ومحاكماتهم الصورية، وانتهاك حقوق الانسان، وشيئا فشيئا تحول الرئيس الى ديكتاتور جاثم على صدور التونسيين.

 وبرغم ما كان يبدو من هدوء، فقد كانت الثورة تعتمل تحت السطح، خصوصا مع تعمق الفساد والامعان في الفساد والافساد، ومصادرة الحريات، وفرض علمنة مفرطة تجاوزت الحدود. فتونس هي البلد العربي الوحيد الذي يمنع الحجاب رسميا حتى اليوم، وهو البلد الذي سعى نظامه للهيمنة المطلقة على العمل النقابي والطلابي والديني، وسخر البلاد والعباد لخدمة الديكتاتور المخلوع.

ولذلك جاءت الانتفاضة شاملة وحاسمة، وصدقت بعطائها ونتائجها قول الشاعر التونسي، أبي القاسم الشابي

اذا الشعب يوما اراد الحياة                 فلا بد ان يستجيب القدر

ولا بد لليل ان ينجلي                 ولا بد للقيد ان ينكسر

هذه ا لانتفاضة باركها الله عندما استرخصت الغالي والنفيس، وقدمت الارواح والدماء من اجل الحرية والحق والعدل، واثبتت، هي الاخرى، حتمية سريان السنن الالهية في المجتمعات. فالتضحية تؤتي بالثمار، والدم ينتصر على السيف، وما ضاع حق وراءه مطالب.

اليوم يقف التونسيون مرفوعي الهامة، وقد سجلوا انتصارا عظيما من خلال انتفاضة شعبية سقط فيها عشرات الشهداء ومئات الجرحى، واعتقل فيها الآلاف. ولقد اذهلت هذه الا نتفاضة العالم بسرعتها وانتشارها الى كافة انحاء البلاد والقطاعات المجتمعية والوظيفية. وكانت متحضرة حقا باساليبها، واعادت الى الاذهان مشاهد الثورة الاسلامية في ايران في مثل هذه  الايام قبل 32 عاما، واكدت، مجددا، قدرة  الشعوب على تحقيق اهدافها ان هي سلكت الطريق الجاد، وانتفضت من سباتها، وتسلحت بالوعي، واستعدت لتقديم التضحيات، وأصرت على مواقفها، ولم تستسلم لوعود الحكام المستبدين، واسقطت من حسابها الخشية من الدول الكبرى التي تتدخل عادة لانقاذ عملائها من الحكام.

لقد سجل الشعب التونسي انتصارا عظيما ليس لأهل تونس فحسب، بل للامتين العربية والاسلامية في زمن تتطلع فيه اغلب شعوبنا للتحرر من براثن هذه الانظمة الفاسدة والمفسدة التي تسعى لاستعباد الناس وتجاوزت الحدود في قسوتها ووحشية تعاملها مع طلاب الحقوق من ابنائها. يقف العربي المسلم اليوم، للمرة الاولى منذ عقود، وشعوره يتعمق بحتمية انتصاره على الحكام الظالمين الذين امعنوا في التنكيل والظلم، وأضعفوا الامة، وانتهكوا الحرمات، واعتدوا على الملك العام، وصادروا الحريات، وعاثوا في الارض فسادا. التونسيون اثبتوا ان الشعوب الواعية والصامدة قادرة على هزيمة انظمة الاستبداد، وانها منتصرة وفقا للحتمية القرآنية.

نهنيء شعب تونس بانتصاره الحاسم، ونتمنى ان لا ينخدع بوعود رموز نظام بن علي، فالعناصر الفاسدة لا تستطيع التخلي عن الفساد، ولا تصلح لان تكون راشدة لمشاريع الاصلاح، لانها فاسدة في داخلها، وقد جبلت على  الفساد والانحراف، وسقطت من قواميسها معاني الاخلاق وحقوق الانسان. ونقدم لعائلات الشهداء أحر التعازي، داعين الله سبحانه وتعالى ان يحتسبهم عنده شهداء خالدين مع الانبياء والصديقين، فما أقدس دماءهم التي سفكها القتلة والسفاحون، وما أعظم تضحياتهم من اجل الحق والعدل والحرية. وندعو الله سبحانه وتعالى ان يوفق شعوب الامة لتحقيق آمالها باسقاط الطواغيت والمستبدين.

لقد تابع شعبنا البحراني حوادث تونس، وانتفاضة شعبها، وانتصاره على الديكتاتور المخلوع، زين العابدين بن علي، فحمد الله على ذلك، واستذكر مواقف منظمات المجتمع المدني التونسية التي وقعت العديد من العرائض في الشهور الاخيرة تضامنا مع شعب البحرين المبتلى بنظام أشد فسادا وقسوة ووحشية وتخلفا واستبدادا من نظام بن علي الذي استحق لعنة الله وسقط في مزبلة التاريخ. حري بشعبنا ان تتعمق قناعته بضرورة احداث تغيير جذري في النظام السياسي الخليفي الذي فشل في اصلاح نفسه برغم الفرصة الذهبية الي منحت له اكثر من عشرة اعوام. لقد اكتظت السجون بالمعتقلين، وضجت بالتعذيب الوحشي الذي شجبته المنظمات الدولية على مدى  الشهور الستة الاخيرة، وما تزال استغاثات المعتقلين تصك اسماع العالم. ولقد كشفت المحاكمات الصورية الجارية مدى الظلم الخليفي والاستبداد السلطوي، واقنعت الكثيرين باستحالة اصلاح النظام الخليفي المقيت الذي استعصى على الاصلاح، وعاد الى اساليبه المعهودة في التنكيل والظلم والتعذيب والنهب والسلب وتسخير كافة اجهزة الدولة لحمايته من غضب الشعب. لقد  استحق النظام الخليفي السقوط واللحاق بالنظام التونسي الساقط، فقد فشل اخلاقيا وانسانيا وسياسيا، وسقطت اقنعته اخيرا من خلال التعذيب والمحاكمات الجائرة والعمل الحثيث لاستئصال شعب البحرين واستبداله بالاجانب من خلال مشروع تجنيس فاضح، وهذا ما لا يفعله نظام آخر حتى نظام زين العابدين بن علي المخلوع.

نجدد تهاننينا لشعب تونس الخضراء، ونعزي عائلات الشهداء لفقد ابنائهن على ايدي النظام البائد، ونتمنى لتونس مستقبلا سعيدا في ظل دستور يكتبه الشعب ولا يفرض عليه من الاعلى. ونهيب بشعبنا البحراني اتخاذ قرار المفاصلة مع الاحتلال الخليفي البغيض بعد ان تخلى عن قيمته الانسانية والاسلامية واسقط الاخلاق من حسابه ومارس التنكيل والتعذيب والتضليل وسائل للقمع والاضطهاد والاستبداد.

ولاتحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار. مهطعين مقنعي رؤوسهم، لايرتد إليهم طرفهم، وأفئدتهم هواء.”.

اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين

حركة احرار البحرين الاسلامية
15
يناير 2011

زر الذهاب إلى الأعلى