خطاب الشهداء في عيدهم المبارك، أبلغ من كلمات الطاغية في عيد الجلوس المشؤوم
لو لم يستشهد الحسين بن علي عليه السلام واهله واصحابه لتداخل الحق بالباطل، ولاعتقد الكثيرون بشرعية بالحكم التوارثي الاستبدادي الذي فرضه بنو أمية على المسلمين. فما كان لحفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان يكتفي بالصمت، وهو يعلم ان الساكت عن الحق شيطان أخرس. كان بامكان أبي الاحرار ان يتشبث بمنطق ذرائعي لاقناع البسطاء بان الصمت “حكمة” و “عقلانية” و “اعتدال”، ولو فعل ذلك لما رددت الاجيال اللاحقة شعاراته وسارت على خطاه “هيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون”، “انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي”. المصلح لا يتخفى وراء الصمت، فالسكوت هو الطريق الى الموت والفناء، بينما كان الحسين يسعى للخلود الذي لا يتحقق الا ببقاء دين محمد نقيا طاهرا، وقد أدرك الحسين ان ذلك لا يتحقق الا بالاستشهاد “ان كان دين محمد لا يستقيم الا بقتلي، يا سيوف خذيني”. وبذلك رسم أبو الشهداء درب الحرية، مؤكدا ان التضحية ضرورة لتحقيق الأهداف، وان الدم أقوى من السيف.
وطرح بذلك معيارات لا يشكك فيه الا من لم يؤمن برسالة عاشوراء. فالذين استشهدوا خالدون، فهم الاحياء، وسواهم مات واندثر رسمه واسمه، ولم يبق له أثر. اما الحسين فيستعصي على الاندثار، لانه شجرة مثمرة روتها الدماء القانية التي اريقت في بطحاء كربلاء، وتحولت الى ثورة مشتعلة لا ينطفيء أوارها. المعيار الحسيني التزم به معارضو الظاهرة اليزيدية، التي جسدت المنطق الفرعوني الاستبدادي الظالم. فما مؤهلات يزيد لكي يصبح خليفة للمسلمين سوى انه ابن معاوية؟ عندما تدار شؤون الامة على الطريقة اليزيدية يتفشى فيها الظلم والقتل والسجن والتعذيب والتشريد. فلا يمكن لشعب او امة ان يتطور عندما يحكمه الاستبداد والقمع. ولذلك شاء الله ان يكون الحسين حاضرا، ليس بجسده فحسب، بل بروحه الثورية العاشقة المتحمسة للتغيير، والعاشقة للقاء الله تعالى.
كان موسم العاشوراء مناسبة لمساءلة النفس: هل نحن حسينيون؟ انه سؤال لتحديد الهوية والانتماء والعلاقة، ومن المؤكد ان البكاء وحده لا يساهم من قريب او بعيد في تحديدها، لان البكاء حالة عاطفية يمكن ان تثار حتى عندما يكون الضحية غريبا، بل ان مشاهدة فيلم تراجيدي قد تحرك العاطفة وتبكي المشاهدين، وان كانت قصته من نسج الخيال. الحسين مشروع وقضية ودين، بسيرته وفكره ونهجه في التغيير ومشروعه لمواجهة النظام اليزيدي. انه صرخة في التاريخ ضد هذه الظاهرة التي تستهدف الشعوب في حريتها وتصادر حقها في تقرير المصير والمشاركة في ادارة الشؤون. وهي ظاهرة تزيف التاريخ وتشوه الدين وتصادر كرامات البشر. وهو نظام يبسط هيمنته ليس بالعقل والمنطق والبرهان والشورى، بل بالقمع البوليسي وشراء المواقف والضمائر بالمال، وتحريك الانتماءات القبلية الجاهلية لتواجه مباديء الاسلام التي تساوي بين البشر وتطرح مقاييس مختلفة تماما عن مقاييس القبلية الجاهلية. الحسين اراد للشعوب ان تحيا بالشهادة، واثبت لها ان الدم الذي يسيل على الارض لا يجف ولا يموت ولا يهزم، بل ان صاحب السيف الجائر هو الذي يرتد كيده في نحره ويتلاشى من الوجود تدريجيا. لقد كانت عاشوراء فصلا داميا من الصراع التاريخي الطويل بين الحق والباطل، بين الحياة والموت، بين العدل والظلم، بين الاستقامة والانحراف، بين الايمان والكفر، وبين يزيد والحسين. الخيار متروك للبشر لتحديد مواقفهم وانتماءاتهم، بين ان يكونوا حسينيين او يزيديين. فقد تتغير الاسماء وتتطور الاساليب، وتتبدل الالقاب ولكن جوهر القضية ثابت لا يتغير. فانت اما مع الحسين او مع يزيد، وليس هناك خيار ثالث. فحتى من ينزوي في المسجد يصلي ويدعو انما يساهم في تقوية حكم الطاغية، لانه يوفر بديلا للجهاد والنضال ضد الظلم، ويقلل السواد في عيني الطاغية، ويقدم “تفسيرا آخر” يخلط الحق بالباطل ويقلل من شأن مبدأ رفض الظلم والاستبداد والانحراف. فالصلاة التي تمنع صاحبها من التصدي للظالمين تفقد معناها، وتتحول الى لقلقة لسان بدون معنى او جوهر، وتفرغ كلمة “لا إله الا الله” من محتواها الذي يمنع طاغة غير الله والانقياد لمن سواه.
وفيما كان الحسينيون الصادقون يرزحون في السجون الاموية، كان يزيد يفتتح مجلسه المشؤوم معترفا بجريمة التغيير السكاني، ليكرر شعاراته الجوفاء التي تربط المواطنة بالولاء لنظامه الاموي. ومتى كان يزيد مستعدا للتخلي عن مشروعه المدمر؟ تربع هذا الطاغية على كرسيه المشيد على اجساد الشهداء والمرتهنين، ليطلق خطابه باستعلاء واستكبار ونفاق. وما أخطر هذه الظواهر على المجتمعات والامم! كان هذا الطاغية أضعف من ان يعتذر للشعب عن جرائم نظامه الذي اقتاد شباب البحرين لغرف التعذيب أكثر من ثلاثة شهور متواصلة، بدعوى التعرض لصحافي باحد ابواقه (صحيفة الوطن). وفي محكمته القرقوشية، اسقط في يدي آل خليفة عندما اعترف هذا الصحافي (محمد ابو زيتونة) بان الذين اعتدوا عليه ليسوا الشباب البحرانيين الذين عذبوا حتى شارفوا على الموت، لان اجسامهم أصغر كثيرا من الذين ارتكبوا الجريمة. وهذا تأكيد لامرين: اولهما فشل جهاز التعذيب الخليفي في تمرير جريمة اتهام البحرانيين، وثانيهما، ان الاحتمال الاكثر ترجيحا ان عناصر جهاز الامن الوطني ذوي الاجسام الكبيرة هم الذين ارتكبوا الجريمة. الطاغية الذي يتربع على جهاز امن مجرم وفاسد وفاشل عليه ان يستعد لتحمل تبعات تلك الجرائم، وان مجالسه الصورية التي يشكلها لن تحميه من القوانين الدولية التي ستحاكمه يوما بارتكاب جرائم الابادة والتعذيب بحق البحرانيين. ان يزيد اضعف من ان ينال من الحسينيين، وان دم الحسين اقوى من نظامه، الذي لم يلبث طويلا حتى سقط. وان الدماء التي سالت في طوامير مبنى جهاز الامن الوطني الذي يديره السفاح خليفة بن عبد الله آل خليفة، سوف تقف شاهدا ضده وضد الطغمة الخليفية الحاقدة عندما يأتي امر الله، وما ذلك على الله بعزيز.
ان الخطاب الحسيني الذي ينطلق على قواعد الايمان والصدق لا يهزم ابدا. اما الظاهرة اليزيدية فهي التي تحمل تناقضاتها في داخلها، فتعجز عن تقديم خطاب منطقي مدعوم بالحقائق. وان حاكما يتكلم في خطابه الرسمي بمناسبة “يوم الجلوس” المشؤوم، فيستقبل الناس كلامه بالاستهزاء والازدراء والتشكيك في النوايا، لهو طاغية فاشل عليه ان يعد ايامه قبل ان يسقط هو وعرشه المهتريء. هذا الديكتاتور الذي امعن في ظلم الابرياء حتى كلت سواعد معذبيه من ضرب الابرياء وركلهم وتعليقهم ولسعهم بالكهرباء وشتم دينهم ومقدساتهم، وتفطيرهم في شهر رمضان المبارك، وحلق لحاهم ومن بينهم علماء الدين، قد كتب نهايته بيديه، وحكم على نفسه بالسقوط. فدعاء امهات اولئك المظلومين لا تحجب عن الله سبحانه وتعالى، وأنات ذوي الشهداء في يوم عيدهم سوف تتحول الى صواعق تحرق المجرمين الخليفيين وتقتلعهم من الارض وتمحقهم من الوجود. فالله يمهل ولا يهمل، ويستدرج الطغاة الى المزيد من الاجرام حتى يحل عليهم العذاب الأليم. فكما سقطت مسرحية “ابوزيتون” وهي بسيطة وصغيرة جدا مقارنة بغيرها، فسوف تسقط المسرحية الهزيلة التي لفقت ضد 25 من احرار البلاد وعلمائها ومثقفيها. لقد سقط النظام القضائي الخليفي بضربة ماحقة من المحامين الشرفاء الذين رفضوا ان يكونوا شهداء زور، بعد ان اكتشفوا ان الاحكام القاسية ضد هؤلاء قد صدرت سلفا وان القاضي الذي عينه الخليفيون يستلم اوامره من رموز العدو الخليفي الحاقد. لقد حكم على البحرانيين منذ اعتقالهم عندما حاكمتهم ابواق العدو الخليفي ومسؤولوه علنا، واعتقدوا ان التعذيب سوف يقضي على ارادتهم وان توقيع الافادات المزورة بالاكراه والتعذيب يكفي لادانتهم، ولكنهم بقوا ابرياء في نظر العالم كله، واصبح نظام الاحتلال الخليفي هو المتهم، وندعو الله ان يخزيه ويذله ويمحقه هذه المرة الى الابد، وان يقوي المظلومين والمستضعفين وهم يحيون عيد الشهداء المجيد ويتحدون الاحتلال الخليفي بسواعدهم وعزائمهم ويدعون عليه بالزوال والعذاب الاليم.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
17 ديسمبر 2010
عيد الشهداء