من المحاكمات الجائرة الى عيد الشهداء، ثبات الاحرار على طريق الحق والحرية
ماذا يعني ان تتلوى السياط على اجساد الابرياء في بداية القرن الحادي والعشرين؟ أين وصلت الانسانية في نضالها الطويل على طريق حقوق الانسان؟ والى متى ستظل اموال النفط قادرة على تغيير الحقائق وتضليل العقول والتشويش على الواقع؟ فما جرى في السجون السرية في البحرين، وبعضها لم يعرف موقعه حتى هذه اللحظة، اعاد الى الاذهان ما احتوته الافلام التي روت نضالات الشعوب الاخرى، ومنها “ريد داست ” الذي يوضح معنى الحقيقة والمصالحة في جنوب افريقيا، وفيلم “ميردر أت فيرست” الذي يروي قصة معاناة المستضعفين في امريكا في النصف الاول من القرن الماضي. تشاهدها فتظن انها تجسيد لما يرويه ابناء البحرين الذين اختطفهم العدو الخليفي ونكل بهم ايما تنكيل.
الفيلم الاول يتحدث عن اجراءات لجنة الحقيقة والمصالحة التي أنشئت بعد سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا، والتي يتعين على الجلادين الاعتراف بما ارتكبوه في مقابل عفو الضحية عنهم. في هذا الفيلم يتحدث الضحية عن تعذيبه في مكان غير معروف يسميه الجلادون “المزرعة” وهي مكان للتعذيب ليس جزءا من مباني اجهزة الامن والاستخبارات. ويذكر الشباب والاطفال البحرانيون في الشهور الثلاثة الماضية انهم اختطفوا من الشوارع الى “بيت” في مكان ناء غير معروف الموقع، تعرضوا فيه لتعذيب رهيب، ويجمعون على انهم نقلوا وهم معصوبو العيون، فلا يعرف احد منهم موقع هذا “المنزل” الذي يوازي “المزرعة” في فيلم Red Dust. اما المعتقلون فقد اكدوا انهم عذبوا في طوامير تحت الارض، يديرها المعذب خليفة بن عبد الله آل خليفة، الذي اصبح صيته السيء يعادل صيت ايان هندرسون في الوحشية وقذارة التعامل، حتى امر جلاديه بافطار العلماء في شهر رمضان المبارك، والاعتداء الجنسي على عدد منهم. هذه الطوامير السرية التي لم يذكرها احد من السجناء من قبل، اعدت لالحاق اشد الاذى بالمعتقلين الابرياء، انتقاما منهم لرفض عقلية الاحتلال الخليفي البغيض. هذه الطوامير دشنت عهدا جديدا من سوء المعاملة غير مسبوق في تاريخ البحرين المعاصر.
وهنا يطرح سؤال مهم واستراتيجي: هل يسمح للمعذب المذكور ان ينجو من العقوبة القانونية؟ ان حدث هذا فلن يتوقف التعذيب يوما. فقد اصبح واضحا ان طاغية البلاد مهد لمشروع التعذيب بتوفير ضمانات قانونية لمعذبيه وجلاديه، باصدار القانون السيء رقم 56 للعام 2002 الذي يحمي مرتكبي جرائم التعذيب. وقد تصدى المعارضون والنشطاء لهذا المرسوم، واعتبروه اخطر من قانون امن الدولة لانه يشرعن التعذيب بتوفير حماية قانونية لمن يمارسه. وما لم يتم اسقاطه فسوف تستمر المعاملة الوحشية للمواطنين بدون توقف. فان ما جرى للسجناء هذه المرة لم يحدث من قبل. لقد مورس التعذيب سابقا بحق المعتقلين بشكل وحشي، ولكنه لم يصل حد الاعتداء الجنسي المتكرر، او اجبار المعتقل على الافطار في شهر رمضان المبارك، او اعادة تعذيب السجناء بعد تظلمهم امام المحكمة. فقد كان المطلوب منهم ان يوقعوا الاعترافات التي ارادها العدو الخليفي بدون تردد، وعذبوا من اجل ذلك. فبعد ان انكشفت طبيعة هذا العدو المحتل، وحقده ضد البحرانيين أصبح أشد اصرارا على ممارسة التعذيب، ولكن نظرا لخشيته من التبعات القانونية، سعى لاخفاء جرائمه بكافة الوسائل والاشكال. واصبح الضحايا امام خيارين: فاما الصمت على تلك الجرائم بلعق الجراح والانصياع لارادة المعذبين بعدم التحدث عن ذلك لمحاميهم او ذويهم، او امتلاك شجاعة الافصاح عن ظلامتهم والاستعداد لتقديم المزيد من التضحية من اجل وقف هذه المعاملة غير الانسانية بشكل نهائي. ولقد اصبح معروفا ان المجرم يسعى لاخفاء جرائمه بكل ما لديه من وسائل، والوسيلة الوحيدة التي يملكها العدو الخليفي هي المزيد من التخويف والترهيب والتعذيب، وهذا ما فعله خليفة بن عبد الله آل خليفة، الذي امر جلاديه بالامعان في التعذيب قبل جلسات المحاكمة الصورية وبعدها. مع ذلك فما تزال ارادة الضحايا اقوى من ارادة الجلادين، وما يزالون مستعدين لتحمل المزيد من الألم من اجل تحقيق مستقبل افضل لهذا الشعب المظلوم.
لم تعد المشكلة في البحرين محصورة في المطالب السياسية، التي لن يتحقق منها شيء يذكر الا اذا اختفت عقلية الاحتلال الاستئصالية. فالعدو الخليفي يعاني من مشكلة جديدة – قديمة ترتبط بمقولات الشرعية والحق والوطن والاصالة والانتماء، ويعرف الخليفيون جيدا انهم لن يستطيعوا ان ينجحوا في اي منها ما دام الشعب واعيا لحقوقه وتاريخه. وبعد عقود من التوتر والاضطهاد اتضح انهم يكادون يصلون نقطة النهاية في مشروعهم، ولذلك عمدوا لمشروعهم الاستئصالي الهادف لاقتلاع اهل الارض من تربتهم واستبدالهم بغيرهم. هذا من جهة ومن جهة اخرى عمدوا الى سياسة جديدة ساعدتهم الظروف الاقتصادية على قطع شوط فيها. فما داموا يتحكمون في شؤون البلاد: النفط والامن والقوات المسلحة وادارة الدولة بشكل مطلق والاعلام، فما الذي يمنعهم من تسخير ذلك كله من اجل خدمة مشروعهم؟ المشكلة التي واجهتهم ان اي اصلاح حقيقي سوف يمنعهم من ذلك ويجعلهم متساوين مع ابناء الشعب، الامر الذي يحول دون تنفيذ المشروع الاستئصالي. ولذلك رفضوا اي اصلاح حقيقي، وعندما اجبروا على تحديد موقف من مشاريع الدمقرطة واحترام حقوق الانسان، سعوا لمصادرتها جميعا، باظهار قبولهم بها ولكن مع افراغها من مضامينها. فوقع العدو الخليفي في 1998 معاهدة منع التعذيب ولكنها اصدر قانونه السيء 56 لحماية المعذبين. وبذل المستحيل لكسب عضوية مجلس حقوق الانسان ولكنه رفض تقديم التقارير الدورية المطلوبة حول قضايا حقوق الانسان، ولم يتعاون مع المؤسسات المنبثقة عن ذلك المجلس وما قدمته من توصيات في 2004 و 2005 خصوصا حول التركيبة السكانية والتفصيلات المذهبية. وابدى العدو الخليفي “تعاونا” مع الجهات الحقوقية، ولكنه سعى لشراء بعض العاملين فيها لمنع اصدارها تقارير ضده. ولذلك اصبح هناك “حقوقيون” يهتمون بما يجري في البحرين، ولكن تقاريرهم كانت مائعة الى درجة مخجلة. لقد تحولت ثروات الشعب الى وسائل فاعلة لشراء المواقف والضمائر والذمم، واستغلال ظروف العيش الصعبة لدى الكثيرين، لاخماد المعارضين من جهة باستمالتهم بالمال والمنصب، وتمييع مواقف الجهات الدولية باستدراجها بالمال. ويكفي بحث صغير في “جوجل” للتعرف على شركات العلاقات العامة التي تعمل لترويج صورة زائفة لنظام الاحتلال الخليفي، والتشويش على اطروحات المعارضين. كما ان البحث في سجلات المؤسسات البرلمانية في عدد من الدول الغربية سوف تكشف بوضوح مدى ما ذهب اليه العدو الخليفي من اجل استمالة بعض “البرلمانيين” بتمويل سفرات عائلية لهم مدفوعة الثمن، واسكانهم في المنتجعات السياحية وتقديم الهدايا الثمينة لهم.
وثمة قضايا اصبحت مكشوفة تؤكد هذه السياسات. فقد سعى الخليفيون لاستقدام عشرات الاعلاميين من دول العالم خلال فترة انتخابات نصف اعضاء مجلس الشورى، وقدمت لهم تذاكر السفر، بعضها على الدرجة الاولى، ودفعت من اموال الشعب المنهوبة، تكاليف الاقامة، ثم قدمت لهم هدايا ثمينة من بينها اجهزة “آي باد”. واستطاعت كذلك شراء بعض الاقلام وذلك بدفع مبالغ كبيرة لهم بطرق ملتوية، لمنع اطلاع الآخرين عليها. كما قدمت دعما ماليا كبيرا للعديد من الجهات الاعلامية والحقوقية تحت عناوين شتى، من بينها جهات مرموقة، ودفعت اموالا لاشخاص يعملون بهذه المؤسسات في بعض الاحيان، لتمييع ما يصدر عن هذه الجهات من شجب او استنكار. والواضح ان العدو الخليفي في هجمته الاخيرة كان مستعدا لتحمل تبعات الشجب الدولي لما ارتكبه من جرائم ضد الانسانية، خصوصا مع وجود “دعم” غير معلن من واشنطن ولندن للاجراءات القمعية. ووفقا لحساباته، فهو يعتقد انه لن يتأثر بصدور بيانات او تقارير تدينه بانتهاك حقوق الانسان، طالما ان الدول الكبرى لن تغير سياساتها بسبب ذلك. هذه حساباته، وحتى عندما تلوح بوادر ضغط من هنا او هناك فان مسؤوليه يبذلون جهودهم لاحتواء ذلك. فقد لعق العدو الخليفي كبرياءه مرارا لتفادي غضب ايران، وقام بزيارات مكوكية لتحييد الموقف الايراني، وقام نائب رئيس الوزراء الخليفي، بزيارة واشنطن لمقابلة المسؤولين الامريكيين قبل زيارة وزيرة الخارجية للبحرين لحضور مؤتمر الامن الاقليمي في ديسمبر، وبعض النشطاء الحقوقيين. وتحرك وزراؤه للضغط على بريطانيا بهدف ابعاد اللاجئين. مع ذلك يمكن القول ان الخليفيين فشلوا كثيرا في خطتهم الرامية للقضاء على المعارضة لاحتلالهم واستبدادهم. فشلوا سياسيا واعلاميا وحقوقيا واخلاقيا. فلم يتعاطف معهم سوى بعض حلفائهم الخليجيين. بل ان بعض هؤلاء ابدى امتعاضه من جر مجلس التعاون الى قضية خاسرة مؤسسة على التعذيب والادعاءات الكاذبة ومنطلقة بسبب الجشع الخليفي الذي تجاوز الحدود. فالمعونات الخليجية التي يفترض ان تسد حاجة الفقراء والمعوزين تجد طريقها الى جيوب ابناء العائلة الخليفية، والاراضي البحرية المستصلحة لا تعطى للمواطنين، والتجنيس يمثل عبئا اضافيا على البلاد. ويتوقع ان ينتقم العدو الخليفي لهذا الفشل بالمزيد من القمع والاضطهاد واختطاف الشباب والاطفال بدون رحمة. وقد اهتزت مشاعر أحرار العالم عندما عرفوا ان خمس المعتقلين أطفال ما بين العاشرة والسابعة عشرة، بينما لا يبلغ عدد الاطفال المعتقلين لدى الصهاينة سوى اقل من 13 بالمائة من السجناء.
البحرين تواجه مستقبلا اكثر سوادا بعد القرار الخليفي بالاستمرار في سياسة الاحتلال والقهر، وتجاوزه كافة الحدود في التعامل مع ابناء البحرين، وكما يقال فرب ضارة نافعة، ولذلك نأمل ان تتحول السحابة السوداء الى معين ينبت الزرع والثمار ويقضي على الحيتان والطحالب والآفات. لقد قرر الاحرار مواصلة دربهم باحثين عن الحرية، غير عابئين بألاعيب هذا النظام البالي، معتمدين على الله وحده دون سواه، ومستعينين بابناء البلاد واحرار العالم وعزيمة التغيير المختزنة في النفوس الباحثة عن الحق والحرية والعدالة.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
26 نوفمبر 2010