طوبى لكم يا من صنعتم الكرامة للشعب، ومهدتم الطريق لحريته
ويمر التاريخ، وتتوالى الايام، وتتغير الوجوه والظروف، وتتبدل المقولات والحجج والذرائع، ويبقى المشهد واحدا، حتى ليجد المرء نفسه حائرا: ما أشبه الليلة بالبارحة. فالقاتل هو القاتل، والضحية هو الضحية. المتنعمون يسرحون ويمرحون ويتراقصون على أشلاء الضحايا، يسكرون ويعربدون بلا رادع من حياء او وازع من ضمير. والضحايا هم الضحايا، قابعون في الزنزانات والأقبية والطوامير، تتكلم جراجهم بالظلامة، وتنبض قلوبهم بالحياة والحب والجهاد. والخط الفاصل بين المترفين والمحرومين يزداد وضوحا.
ففي البيت الأيل للسقوط والمكون من ثلاث غرف بالية تعيش عائلة من عشرين شخصا يفترشون الارض وياكلون فتات الخبز، وعلى الطرف الآخر يعيش “فرعون” في قصوره الفارهة التي شيدت على أشلاء الضحايا وجماجم الشهداء. تلك القصور أقيمت على اراض اغتصبت بالقوة، وسلبت اموال الجياع لبنائها على مساحات شاسعة، وبعضها خصصت له جزر كاملة! المجاهدون وحدهم القادرون على كشف الزيف وأظهار الحقيقة، فما جدوى الكلام المنمق عندما يصدر عن قلب أسود؟ وما جدوى الوعود والآمال اذا نطقها لسان اعتاد الكذب والدجل. امام هذه الحقائق، كان امام الثلة المؤمنة واحد من خيارين: اما الصمت على ظلم الظالمين وجور الجائرين، ومسايرتهم بالقول واللسان والعمل، او الاحتذاء بالصالحين السابقين الذين وقفوا ضد الطغاة تارة بالفعل، واخرى بالقول، وثالثة بالانكار القلبي (وذلك اضعف الايمان).
هل توقفت عجلة التاريخ؟ كيف لا يتغير المشهد بينما تدور الايام دورتها ويتحرك الزمان ويتغير المكان تباعا؟ هل حقا وقفت عقارب الزمن؟ وهل جمد المكان مكانه؟ كيف اصبح معدل التغيير صفرا؟ ألا يعني المعدل الصفري للتغير، في المنطق الرياضي والمعادلات التفاضلية، ان محصلة المعادلة التكاملية تصبح صفرا؟ لقد أكد علي عليه السلام ضرورة تواصل التغيير لضمان البقاء والتطور “من تساوى يوماه فهو مغبون”. فما بال من يرفض العمل الحقيقي الذي يؤدي الى التغيير؟ نقرأ الدعاء الرمضاني ونقول: اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك. فكيف يتغير الحال ما لم نغير النفس؟ “ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم”. وهل يتغير ما بالنفس الا بالتفكير الفردي اولا ثم التواصل مع الجماعة للحث على تغيير اوضاع القوم؟ وهل هناك اوضاع يمكن ان تصل اليها الامور في بلد صغير كالبحرين أسوأ مما وصلت اليه؟ عندما يعيش المواطنون مسلوبي الارادة، ممنوعين من التفكير، محرومين من الحقوق، محاربين في ارزاقهم وارضهم وحقوقهم ووجودهم، مستهدفين ليلا ونهارا من قوم ظالمين لا يرحمون، وعندما يشعر شبابهم ان فرق الموت تتعقبهم اينما حطوا اقدامهم، تخطفهم، تضربهم، تعذبهم، تنكل بهم، فما الذي بقي من الآمن الفردي والجماعي؟ عندما تنطلق استغاثات السجناء وهم يمثلون امام محكمة قرقوش الخليفية، موضحين ما حل بهم، فلا تكاد صرخاتهم تتجاوز جدران تلك المحكمة، ماذا يعني ذلك؟ وعندما يتكلم الشيخ عبد الهادي المخوضر امام الحاضرين في تلك الغرفة التي يتزعمها احد الشياطين ويقول: لقد اجبروني على الافطار في رمضان، أليس ذلك كافيا للاقتناع بان الظلم تجاوز الحدود، وان العدو أصبح يتحرك خارج أبسط الثوابت بين ابناء البلد الواحد، على اختلاف رؤاهم الدينية، واصبح يستهتر بالدين وقيمه وعباداته. فما الفرق بين من استهتر بالقرآن من الجنود الامريكيين في افغانستان ومن اجبر عالم دين على الافطار في شهر رمضان؟
يوما بعد آخر ينكشف المزيد من الادلة على ان الحرب التي يشنها العدو الخليفي ضد اهل البحرين توسعت في عهد الطاغية الحالي. فبعد ان كانت مشكلة حقوق خلال الحقبة السوداء، توسعت لتتحول الى حرب وجود كذلك. وبعد ما حدث خلال شهر رمضان المبارك من منكرات في طوامير التعذيب، أضيف بعد آخر لهذه الحرب، واصبحت تضم البعد الديني كجانب اساس لاستهداف اهل الدين بأسلوب نادر الحدوث. وما طرح موضوع السماعات قبل اسابيع الا “فلتة” كادت تكشف اللثام عن الوجه الاجرامي للعدو الخليفي، ولذلك تداركوها بسرعة لمنع آثارها المضرة باستراتيجيتهم الخبيثة. ولكن ماذا عن اجبار السجناء على الافطار في شهر رمضان؟ ماذا عن تعريتهم خلال ايام الشهر المبارك ولياليه؟ ماذا عن التوجه لتأميم كافة الانشطة ذات الطابع الديني او الانساني كالتوجه للسيطرة على الصناديق الخيرية والمآتم، وأئمة المساجد؟ وماذا عن اجبار البحرانيين على “الاعتراف” تحت التعذيب الرهيب بارتكاب جرائم لم يفعلوها كما فعلوا مع الشاب الذي أجبر على “الاعتراف” بجريمة ارتكبت عندما كان خارج البلاد. هذا الشاب كان نصيبه السجن شهورا والتعذيب المتواصل لاجباره على توقع اعترافات مزيفة بانه قام بحرق مكاتب خاصة ببناء نادي سترة الرياض. فمن هم المجرمون الحقيقيون؟ أهو الشاب البريء ام كلاب آل خليفة الذين احتوشوا جسده عندما أصر على الانكار؟ اننا نتحدى العدو الخليفي ان يقتص لهذا الشاب البريء، بان يحقق امورا ثلاثة: ان يعتذر له علنا عما لحق به من اذى نفسي وجسدي، وان يعتقل سجانيه ويحاكمهم علنا بتهمة التعذيب امام محكمة عادلة لا يرأسها قاض تعينه العائلة الجائرة، وان تدفع تعويضات مادية عما لحق به من اذى. ولن يحدث ذلك “حتى يلج الجمل في سم الخياط”. فهذا العدو يسير على خطى الصهاينة الذين تحالف معهم واصبح يستورد اساليبهم في التصدي للفلسطينيين المطالبين بتحرير ارضهم من براثن الاحتلال. وها هو العدو الخليفي يستقبل وفدا صهيونيا لكي يثبت ذلك التحالف غير المقدس، وليتحدى من يعتقد ان بامكانه وقف ضرر التطبيع مع الاحتلال الصهيوني.
في زمن يتحكم فيه الطغاة والمتجبرون والمتفرعنون، يصبح المرء أمام خيار مقاومتهم والتصدي لمكرهم وجرائمهم، او التعامي عما يفعلون، والسعي لاقناع النفس بامكان الاصلاح من داخل انظمتهم. لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، وتواصل الظلم والجور بدون انقطاع. وهنا اصبح المؤمن الممتحن امام قرار بين ان يكون حسينيا بمواقفه وسياساته ورفضه الظلم والانحراف والحكم التوارثي الاستبدادي البغيض، او الحفاظ على شموخ الهامة وعلو الهمة ووضوح الهدف، والنأي بالنفس والاهل والاحبة عن هذا البيت الخليفي المجرم الذي عشعش فيه الشيطان، فأضل أهله واعماهم، وأبعدهم عن جادة الطريق وفتح قلوبهم على الصهاينة والتحالف معهم. الذين يرزحون في القيود اصروا على التمسك بحسينيتهم، والتصدي ليزيد واتباعه وقضه وقضيضه، ولم يخشوا في الله لومة لائم. أولئك امتحن الله قلوبهم للتقوى، فباعوا دنياهم من اجل ضمان آخرتهم، وتقربوا الى الله بمعاداة اعدائه الخليفيين والمعذبين والصهاينة. لقد كتب الله لهم سيرة حسنة وتوفيقا بالانتماء لخط رفض الظلم والظالمين والتكبر على المتكبرين والاستخفاف بالظالمين والسفاحين. اولئك هم البحرانيون حقا، وهم الذين يستحقون الخلود والتقدير والاحترام. فلتنحن الهامات اجلالا لهذه الثلة المؤمنة التي صدق افرادها ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه من الشهداء ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد اسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
19 نوفمبر