انتهى فصل الانتخابات، وتستمر ملحمة النضال
بعد انتهاء فصل قصير من “العرس الديمقراطي” وفق ما كررته السنة المستفيدين من المشروع الظالم الذي فرضه الحاكم على البلاد، عادت البحرين مجددا لمزاولة الفصول الاخرى الاكثر ضغطا عليها، وبدأت تلعق جراحها الدامية مجددا. كان الحفل هذه المرة حافلا، ليس بالافراح والمسرات، بل بالاهتمام الدولي الاعلامي و الحقوقي بما يجري وراء القضبان لمئات السجناء السياسيين الذين عارضوا المشروع السياسي الذي اثبتت المسرحية الانتخابية الاخيرة فشله في اخماد المعارضة الوطنية المتصاعدة. جاء الاعلاميون والحقوقيون من اقطار بعيدة عديدة ليكونوا شهداء على المسرح الذي تم إعداده من قبل الحكم ومن يشاركه في ظلمه، على امل اخفاء الآلام والآهات المنبعثة من كافة زوايا هذا البلد المعذب.
حاول هؤلاء ان تكون ارضية المسرح متينة لتمنع صراخ سجناء الرأي وآهات امهاتهم. ورفعوا الضجيج عاليا وهم يتراقصون على خشبة المسرح، امعانا في محاولاتهم اخفاء اصوات المظلومين. ولكنه فشلوا في ذلك، فقد اعتلت اصوات ضحايا التعذيب على ضوضاء موسيقاهم، وصكت اسماع “الضيوف” الاجانب، فراحوا يتساءلون عما يجري تحت خشبة المسرح. وهنا بدأت الفضيحة، عندما اتضح ان ذلك التطبيل والرقص انما كان بهدف اخفاء المشكلة وليس حلها. عندها هرع ذوو الضمائر محاولين الاستماع الى ما يقوله الضحايا المخفيين تحت خشبة المسرح. عندها اكتشف الكثير منهم حقيقة ما يجري في هذا البلد المعذب، وادركوا ان الراقصين كانوا يخفون جرائم كبيرة لا يمكن الصمت عليها. وهكذا انتهى سباق الرقاصين، واختير بعضهم لعضوية “مجلس الرقص والمجون” الذي يهدف لاخفاء اصوات المعاناة والتشويش على الواقع الأليم لابناء البحرين، وتوفير الدعم المعنوي للقتلة والمعذبين.
استغرب الضيوف الاجانب من حالة الصمت التي عمت الاجواء خلال فترة “العرس الديمقراطي” وتساءلوا عن الارضية الاخلاقية التي تسمح ليس بالصمت فحسب، بل بالمشاركة الفاعلة في الضوضاء المصطنعة الهادفة لاخفاء اصوات المعذبين والمظلومين. تساءل هؤلاء عما اذا كان دين الاسلام يجيز هذه المواقف التي أعانت الظالمين وخذلت المظلومين. وآلى بعضهم على نفسه الا ان يتعمق في بحثه عن هوية اولئك الذين تمزق اشلاؤهم يوميا بايدي عناصر “النظام الديمقراطي” الخليفي، وما اذا كانوا من قطاع الطرق او الارهابيين الاجانب. كان بعضهم يدور في ذهنه، عندما سمع للمرة الاولى عن “مؤامرة ارهابية” انه كان سيذهب الى بلد كالعراق، ليسمع التفجير تلو التفجير، وكان خائفا بدون حدود. كان يعتقد ان “ارهابيي” البحرين هم من صنف من يمارس التفجير في العراق، وانهم عبروا الحدود الى الداخل من بلدان اخرى. وكانت مفاجأة هؤلاء انهم لم يسمعوا، حتى من الرسميين اصحاب الادعاء، ان تفجيرا ارهابيا واحدا حصل منذ ان دنست اقدام المحتلين ارض اوال. ويا لها من مفاجأة. فأين الارهاب اذن؟ وبعد المزيد من التحقق اتضح لهم ان اولئك الذين يقبعون في غرف التعذيب انما هم بحرانيون ابا عن جد، وانهم لم يأتوا من خارج الحدود، بل ان جلاديهم هم الاجانب الذي استقدموا للتنكيل بهم. وحقق بعضهم بمستوى اعمق فاكتشف حقائق مذهلة لم يكن يعرفها من قبل. فقد اكتشف ان اولئك المغيبين في الطوامير تحت خشبات المسرح لم يخططوا لاسقاط اولئك الراقصين او ازاحتهم عن حكمهم، بل كانوا يدافعون عن حقهم في الوجود وعن الحقوق المسلوبة منهم. وهنا اصيب اولئك “الضيوف” بالصعق، فكيف يستطيع الاعلام الرسمي الممول من اموال المحرومين المنهوبة تغيير الحقائق والتأثير على الرأي العام خارج الحدود؟ واستنتج ان ذلك انما كان ممكنا بسبب الدعم النفسي والسياسي الذي وفره الراقصون على تلك الخشبة، من ابناء البلاد ومن اقرباء الضحايا.
انتهى “العرس الديمقراطي” بعد ايام من البهجة المفتعلة والرقص على الاشلاء، وبدأ مأتم اهل البحرين يتجدد، وكأن شيئا لم يكن. ما قيمة ذلك المهرجان الذي انفقت عليه اموال المحرومين والمستضعفين؟ لقد انفق المحتلون تلك الاموال لاستخدامها من أجل تشويه الحقائق وادانة الابرياء، ولكنها انعكست عليه سلبا. صحيح ان بعض هؤلاء “الضيوف” قد استمرأ الفساد، وهرول لاستلام العطايا والهدايا من الايدي الملطخة بدماء الآدميين. فكان نصيب بعضهم جهاز كومبيوتر من اغلى الانواع، او ساعة ثمينة لا يقتنيها الا الاثرياء، او مجوهرات غالية الثمن. هذه الهدايا رفضها ذوو الضمائر الحية الذي اعلنوا ان ضمائرهم لا تباع ولا تشترى، وانهم يخدمون الحقيقة والانسانية، وهذا حسبهم. بينما قبلها البعض الآخر وراح يسطر الكلمات الكاذبة لكي يرد الجميل ويثبت استحقاقه لدعوات مستقبلية اخرى. كيف تباع الضمائر في زمن العهر السياسي والنخاسة الاخلاقية باثمان بخسة؟ وكيف يستطيع انسان ان يتنصل من انسانيته من اجل حفنة من المال او لذة مؤقتة لا تلبث ان تزول؟ ربما كان من الامور المفاجئة للنظام وحلفائه وجود عدد لا يستهان به من ذوي الضمائر الحية والقيم الثابتة، الامر الذي أفسد عليهم افراحهم وعبر عن نفسه بمقالات اقرب الى الحقيقة، وابعد عن المجاملة والمراءاة والمسايرة. ولذلك فقد حظي السجناء بنصيب الاسد من عطاء هؤلاء الضيوف. فاذا كانت قضيتهم قد غمرت برهة من الزمن في ذلك الصخب والضوضاء و “الخيم الانتخابية” فانها لم تغب طويلا وسرعان ما فرضت نفسها على صفحات الاعلام الدولي، وعلى السنة الضيوف الذين تحولوا الى شهود ينقلون ما رأوا وشاهدوا وسمعوا الى العالم الخارجي. عائلات الضحايا كانوا هم سادة الموقف، فقد كانت كلماتهم اصدق من اقوال المنتفعين من ذلك “العرس الديمقراطي” لانها كلمات نابعة عن قلوب مفجوعة وأفئدة موجوعة. فاذا كانت الكلمة المقدسة قد صرعت على مسرح الجريمة، وفي نفوس الذين استبدلوا الآخرة بالدنيا، فانها لم تمت في نفوس الآدميين الذين ما تزال الانسانية في نفوسهم بخير.
كان الطغاة واعوانهم يخططون ليوم زينتهم بكافة الاساليب والوسائل، ولكن كان الله لهم بالمرصاد. فهو سبحانه وتعالى لا يتخلى عن عباده الصالحين، خصوصا عندما يقعون فريسة بايدي الظالمين القساة الذين لا يرحمون ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة. وأبى الله الا ان تكون كلمة المظلومين هي العليا، وكلمة الظالمين هي السفلى. فكانت المشاركة اوهى مما خططوا لها، فمن امتلك الشجاعة رفض الادلاء بشهادة الزور للنظام الخليفي التسلطي، وشارك المظلومين معاناتهم، وحول يوم الزينة الى يوم احتجاج باللسان او القلب. وذهب العباد الى المساجد مبتهلين الى الله سبحانه بان يمحق الظالمين والمحتلين. البعض وجد نفسه، تحت وطأة البهرجة والضوضاء، مدفوعا لتقديم شهادة الزور، فراح متثاقلا لحضور “يوم الزينة” امام فرعون وملئه. فما النتيجة؟ لا جديد سوى تكرر المشهد السابق الذي استطاع فيه فرعون وجنوده ان يستفردوا فيه بموسى واصحابه. وما دام المشهد لم يتغير فمن المؤكد ان يتكرر صدور القوانين الظالمة، وان يتبختر الطغاة واعوانهم ويزداد رقصهم على اشلاء المؤمنين. وليس مستبعدا ان يشهد المسرح عروضا اخرى على غرار ما يجري عندما يشعر فرعون او يزيد بان الوضع الاجتماعي يسمح له بالفتك بموسى او الحسين عليهما السلام. وما الرهائن الموثقين بالاغلال في الطوامير الا القرابين التي يبحث عنها هؤلاء المجرمون ليحققوا رغبات شيطانية مختزنة في نفوسهم. الامر المؤكد ان ما وراء المسرح لم يتغير، فالسجون هي السجون، والتعذيب هو التعذيب، والنهب والسلب والتجنيس والاحتلال كلها سياسات لا يتوقع ان تتغير، خصوصا انها تصاعدت وتكرست خلال السنوات الاربع الماضية، فما الذي سوف يغيرها هذه المرة؟
بانتهاء المسرحية الانتخابية اعيد فتح المحاكم الصورية ليساق الاحرار الى غرف التعذيب لفترات تصل الى المؤبد، في ظل صمت الابواق الاعلامية والمؤسسات “البرلمانية”. الجديد ان حقبة تاريخية جدية قد بدأت. انها بداية مختلفة هذه المرة بعد ان اثبت مناوئو المشروع السياسي التخريبي وجودهم بمقاطعة مشروع انتخابي يشرعين الظلم والاستبداد واثبت عدم قدرته على وقف الجرائم التي ترتكب بحق المواطنين والوطن. الجديد في الامر، في الحقبة الجديدة، تصاعد اعداد المنحازين للفئة الرافضة للاحتلال الخليفي، اذ بلغت، برغم جهود المتحمسين للانخراط في ذلك المشروع المدمر، ثلث المواطنين، حسب الاحصاءات الرسمية. وهي نسبة عالية لم يتوقعها دعاة المقاطعة انفسهم. وبهذا الموقف الشعبي المتضامن مع رموز الحرية وضحايا التعذيب، اصبح الوضع مهيأ لمنازلات جديدة بين الضحايا والجلادين، استمرارا لمشروع التغيير الحقيقي المنشود الذي قاده في التسعينات المرحوم المجاهد الشيخ عبد الامير الجمري، وقدم الشهداء نفوسهم من اجل تحقيقه، متقربين الى الله بمواجهة الظالمين والمعذبين والسفاحين. ومن المتوقع ان تتغير تفصيلات هذه المواجهات المستقبلية، ليبدأ الضحايا مطاردة جلاديهم امام القضاء الدولي، بتهم التعذيب والابادة. وقد بدأت الخطوات الاولى لهذه المطاردة، ويتوقع تواصلها خصوصا بعد ما حظي به الضحايا وذووهم من دعم نفسي ومعنوي خلال الفترة المنصرمة. لقد انتهى فصل آخر من قصة دامية تواصلت عقودا، وسوف تستمر حتى ينتصر المظلومون ويهزم الظالمون، وذلك وعد الهي غير مكذوب.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
31 اكتوبر 2010