دستورهم منكر، ومقاطعة الانتخابات المؤسسة عليه أضعف الايمان
مرة اخرى نقف امام امتحان آخر ندعو الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا لحسن الأداء فيه. ولن يتحقق النجاح الا اذا وضعنا الله نصب اعيننا وجعلناه الرقيب على ما نقول ونفعل. اننا جميعا امام فتنة اخرى تشبه تلك التي حدثت قبل اربعة اعوام عندما وجدنا انفسنا امام خيارإقرار المشروع السياسي الذي فرضه الحكم الخليفي على البلاد والعباد.
واختلفنا في توصيفه. فالذين اعتبروه “تخريبيا” دعوا لمقاطعته بهدف افشاله، ومن الخطوات العملية على طريق التصدي له عدم المشاركة فيه: سواء بتسجيل الجمعيات ضمن القوانين الناجمة عنه، ام المشاركة في الانتخابات الصورية التي تعتبر عموده الفقري. اما الذين اعتبروه “اصلاحيا” فهرعوا لانجاحه بالعمل وفق بنوده، فسجلوا مؤسساتهم، ورشحوا انفسهم لعضوية مجالسه وادلوا باصواتهم في صناديق الاقتراع التي تم تصميمها لتوفر واحدة من أكبر شهادات الزور في تاريخ بلدنا المبتلى. وبعد اربعة اعوام على تلك الفتنة التي شقت صف المعارضة، ها نحن اليوم نجد انفسنا مطالبين باتخاذ موقف جديد، اما بالتصدي للمشروع السياسي الذي طرحه الحاكم بكافة الوسائل السلمية المشروعة واساليب المقاومة المدنية، او الخنوع امام طغيان اجهزته القمعية وابواقه الاعلامية ورموزه التي اصبحت اكثر شراسة ووحشية في مواقفها ضد كل ما هو بحراني ووطني.
كان من بين اساليب التحشيد من الاطراف التي دعمت المشروع السياسي الخليفي، استعمال الخطاب الديني، بما في ذلك “الفتوى” والاستقواء بالمرجعية، والاتكاء على مقولة “تخفيف الضرر”. ووجد معارضوا الظلم الخليفي انفسهم متهمين بمخالفة ما طرح انه “الحكم الشرعي” من جهة، وانهم يتجاهلون “الضرر” الذي سوف يتفاقم لو استمروا على موقفهم المعارض للهيمنة الخليفية التي تضاعفت منذ احتلال الحاكم الحالي كرسي الحكم. واليوم اصبحنا جميعا مطالبين بتحديد الموقف تجاه هذا المشروع مجددا. وبعد اربعة اعوام من التجربة المرة، اصبح واضحا ان الرهان على المشروع السياسي لا يستند لحكم ديني واضح، وفي هذا المجال ثمة قضيتان لا بد من طرحهما: اولاهما ان الاسلام لا يقر الظلم والاستبداد، بل ان الاسلام المحمدي يطالب اتباعه بالتصدي المتواصل للظلم بكافة اشكاله، وان يكون المؤمن في حالة مجاهدة لا تتوقف “خلق الانسان في كبد“، “وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا“.
اما الحقيقة الاخرى فهي ان الضرر قد تضاعف خلال السنوات الاربع الماضية، على كافة الصعدان. فقد تم تهميش الغالبية الكبرى من الشعب، وحرموا من حقوقهم السياسية والمدنية، ابتداء من التعيينات الوزارية (كان المواطنون الاصليون، شيعة وسنة، يشغلون ثلثي المناصب الوزارية ، خمسة للسنة وخمسة للشيعة، وخمسة لآل خليفة)، بينما اصبح الخليفيون اليوم يشغلون 17 من 28 منصبا وزاريا. وانحسرت التعيينات في المناصب الادارية المتقدمة من 20 بالمائة في العام 2000 الى اقل من 13 بالمائة. وتقلصت فرص المواطنين في الوظائف والسكن حتى لم يعد الشاب الجامعي يحلم بوظيفة كريمة او سكن لائق. وازدادت حدة القمع حتى بلغت مستويات لم تبلغها قبل 2006. وفتحت السجون مجددا، وعادت ممارسة التعذيب بوتيرة غير مسبوقة واساليب جديدة اشد ايلاما، من بينها جرائم خطف البحرانيين وتعذيبهم في وضح النهار. وسيق علماء الدين الى غرف التعذيب، وتصاعدت وتيرة التجنيس السياسي والامعان في تغيير التركيبة السكانية. وصدرت عن الحكم الخليفي قرارات جديدة تهدف لمصادرة هوية البلاد بتغيير الاسماء التاريخية للمناطق، ومنع ترميم الاماكن الاثرية (مثل جزيرة الشيخ ابراهيم)، واصبحت التصدي للمسلمين الشيعة ظاهرة واضحة في الابواق الرسمية، وكذلك التصدي لرموزهم حتى داخل المجالس الصورية المنتخبة، واصبح الاعتداء على المصلين في المساجد ممارسة واضحة، حيث اغلقت بعض المساجد ومنع العلماء والمصلون من ارتيادها. وفي الوقت نفسه وضع رموز الحكم الخليفي ايديهم على مناطق اوسع من الاراضي المستصلحة (الاراضي البحرية التي دفنت) ووضعوا ايديهم على 90 بالمائة من السواحل، وبني الجدار العازل بمنطقة المالكية. ومن خلال المشاركة في المشروع السياسي التخريبي استطاع الحكم الخليفي اختراق المواطنين، خصوصا المسلمين الشيعة، بتجنيد المزيد من العناصر التي اصبحت تتصدى علنا وبوقاحة للمعارضين في الوسائل الاعلامية.
ايها المواطنون الكرام: هذه نظرة سريعة لما “تحقق” من خلال مشروع “المشاركة” الذي فرض عليكم بترهيب سلطوي وفرض ديني، وتأسس على مقولة اثبتت الوقائع المذكورة فشلها تماما. فالضرر تضاعف مرات ومرات، ولم يستطع الذين تسابقوا على المناصب تحقيق شيء يذكر للمواطنين، واقتصرت انجازاتهم بما حققوه لانفسهم من امتيازات مادية خاصة. وخلال الازمة الحالية التي افتعلها الحكم الخليفي، لم يصدر عن هؤلاء مواقف شجاعة تدافع عن المواطنين او تتصدى للرد على الحملة الشرسة التي نظمت ضد المسلمين الشيعة وعلمائهم ومساجدهم. وكانت الحصيلة ان النظام سخر تلك المشاركة لاخماد الاصوات المعارضة والتبجح في الخارج بوجود ما يسميه “الديمقراطية” والادعاء بان معارضي المشروع الاستئصالي لا يمثلون الا قلة صغيرة. وقد صدق الامام زين العابدين عليه السلام عندما قال لأبي مسلم الزهري عندما دعي للمشاركة في الحكم الاموي: أو ليس بدعائهم إيّاك حين دعوك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسرا يعبرون عليك الى بلاياهم ، وسلّما الى ضلالتهم. داعيا الى غيّهم ، سالكا سبيلهم ، يدخلون بك الشك على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم. فلم يبلغ أخصّ وزرائهم ، ولا أقوى أعوانهم إلاّ دون ما بلغت من إصلاح فسادهم ، واختلاف الخاصّة والعامة إليهم. فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ، وما أيسر ما عمّروا لك في كنف ما خربّوا عليك.”
أيها المواطن الكريم: ان صوتك يعبر عن موقفك، وان تصويتك ليس اختيارا للشخص الذي دفعك للمشاركة، بل للمشروع السياسي الذي يستقوي عليك بصوتك، يستمد منه شرعية الحكم والظلم، ويقمع به صوتك ويصادر به حقك. وفي 23 اكتوبر سوف يطلب منك ان تصوت للمشروع الذي صادر حقوق المواطنين الاصليين (شيعة وسنة). ستكون كعمرو بن العاص الذي ثبت معاوية وخلع عليا من الحكم. اننا نحثك على مقاومة الظلم الخليفي بما هو أضعف الايمان. فالصمت سلاح قوي بايدي المستضعفين “اني نذرت للرحمن صوما، فلن أكلم اليوم انسيا”. فان كنت لا تريد التصدي للظلم والظالمين بما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فالتزم بأضعف الايمان الذي يقتضي مقاطعتهم بالقلب، وليكن حديث زين العابدين عليه السلام نصب عينيك، وأنت تعتزلهم ومشروعهم وطغيانهم، وصناديق اقتراعهم على الباطل: ” فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ، وما أيسر ما عمّروا لك في جنب ما خربّوا عليك.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
16 اكتوبر 2010