صراع المستقبل في البحرين سوف يمتد اقليميا
الصراع المتواصل في البحرين بين الشعب والحكم الخليفي مرشح للتصاعد، وقابل لان يتحول الى صراع اقليمي واسع اذا لم تتم السيطرة عليه في زمن غير بعيد. وثمة حقائق تحكم هذا الصراع وتوجهه، تستدعي الدراسة والبحث بخلفية راغبة في التوصل الى حلول، بعيدا عن الاستقطابات السياسية والمذهبية والقبلية.
اول هذه الحقائق ان صعود الشيخ حمد الى الحكم قبل احد عشر عاما أحدث شرخا عميقا في الثقة التي كانت قائمة بمستويات مختلفة في العقود السابقة بين اهل البحرين الاصليين (شيعة وسنة) والعائلة الخليفية التي احتلت البلاد بالقوة قبل قرنين. ولعل الامر الاخطر في هذا الاهتزاز شعور البحرانيين انه مارس معهم خداعا كريها استدرجهم من خلاله لاقرار ميثاقه الذي كان يخطط له لان يكون بديلا عن دستور البلاد الشرعي الذي كان الوثيقة الوحيدة لشرعية الحكم الخليفي، ولم يستطع طرح بديل عنها. ثانيا: انه برغم مشاركة البعض في انتخابات مجالسه الصورية، فان عامة البحرانيين يرفضون دستوره الذي فرضه على الشعب في 2002، لانه كتب من طرف واحد واستبعدهم من الشراكة السياسية في ادنى صورها. ثالثا: ان الحاكم فرض على البلاد نظام حكم قائم على الفصل الطائفي لم تعهده البلاد من قريب او بعيد. ولضمان تطبيق نظام الفصل الطائفي عين أشد الخليفيين تطرفا في مذهبيته، وهو خالد بن أحمد آل خليفة، وزيرا لديوانه، واصبح يمارس صلاحيات اوسع من رئيس الوزراء الذي اصبحت ايامه معدودة في ذلك المنصب بعد ان أمضى قرابة الاربعين عاما فيه. رابعا: ان السياسات التي فرضها على البحرانيين خلال العقد الاخير أكدت تصميمه على الاستمرار في رعاية نظام الفصل الطائفي، بنمط غير معهود. فاذا كان العالم يرفض نظام المحاصصة الطائفية في العراق لانها تخالف رو ح الديمقراطية برغم انها توفر للمكونات العراقية قدرا من الوجود السياسي الذي يضمن حقوق ابنائها، فان نظام الفصل الطائفي في البحرين أحادي الحكم، بمعنى ان الخليفيين هم الماسكون بكل تلابيب الدولة، ويسعون لاحداث التنافر الاجتماعي بين البحرانيين الاصليين (شيعة وسنة) بالتظاهر بتفضيل طرف على آخر بمنحه شيئا من الفتات، مع احتفاظ الحكم بالسلطة الحقيقية المطلقة. خامسا: ان الشعب البحراني توارث روح النضال جيلا بعد آخر، واصبح أكثر اصرارا على تحقيق حقوقه على مستوى الوجود والحقوق. وبالتالي فقد فشل نظام الفصل الطائفي في تمرير مشروعه المدمر. هذا الوعي النضالي عميق في دماء المواطنين، ولذلك فهو لا يموت، بل يتصاعد خصوصا في نفوس الاجيال الجديدة. وحتى لو ضعفت نفوس البعض امام اغراءات نظام الحكم، فانه يتجدد في نفوس الاجيال الشابة بشكل لافت للنظر.
امام هذه الحقائق، فان النتيجة المنطقية تؤكد ان حالة النضال سوف تتصاعد في المستقبل المنظور. وقد تبدو هذا امرا طبيعيا وعاديا بعد عقود من النضال الذي لم يوصل الامور الى حد المفاصلة الكاملة. ولكن الامر هذه المرة مختلف تماما. فالحاكم الحالي، الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، يحمل عقلية عسكرية خطيرة، ويتخذ قرارات دموية لا يمكن التقليل من مخاطرها. ولتأكيد عقلية الحكم العسكري فقد قام الحاكم ووزير ديوانه بتشكيل اجهزة امن متعددة، من بينها مجموعة “فرق الموت” التي تغتال المعارضين وتوقع العقوبة على النشطاء بالاعتداء الشرس عليهم خارج الاطر القانونية، والتعرض لهم بالادى المروع، ظنا منهم ان ذلك سوف يردعهم ويقضي على حركة المعارضة الجادة. وبدلا من الاتعاض بمصير صدام حسين، فقد استقدم ديوان الحاكم مجموعات كبيرة من “فدائيي صدام” رغبة في الاستفادة من تجاربهم والتدريب الذي حصلوا عليه، وسلطهم على المواطنين، فقاموا بقتل العديد من المواطنين، وتفجير بعضهم، وخطف البعض الآخر والحاق الاذى الجسدي بهم باساليب اعادت الى الانظار الى ممارسات اجهزة امن صدام حسين. حاكم البحرين يرفض استيعاب حقيقة النهاية المدمرة لصدام حسين ونظامه. بينما يشعر استراتيجيو المعارضة للاستفادة من هذه الحقيقة لتصعيد مقاومة نظام الفصل الطائفي بكافة اساليب المقاومة المدنية، ويعتقدون ان اساليب الطاغية الحالي في مواجهة ذلك قد حققت ما يريدون. ويشيرون بوضوح الى ما تحققق خلال الاعوام الاربعة الماضية من حالة استقطاب كشفت حقيقة النظام كما لم تتضح من قبل، وادت الى وعي دولي نجم عنها صدور تقارير دولية عديدة اكدت ان الحاكم الحالي تجاوز اسلافه في ممارساته غير الانسانية، فصدرت تقارير حقوقية اكدت ممارسة التعذيب على نطاق واسع، وتقارير سياسية اكدت عودة البحرين الى صفوف البلدان التي لا تتوفر فيها الحرية. ويتوقع صدور المزيد من تلك التقارير في المستقبل المنظور برغم الهدر الهائل لاموال الشعب على المؤسسات الاعلامية والحقوقية الخارجية لضمان صمتها وعدم نقل حقائق ما يجري في هذا البلد المبتلى.
المعارضة من جانبها، شعرت خلال السنوات الاربع الماضية انها اصبحت اكثر تحررا للانطلاق في مشروع معارض جاد يستهدف القضاء على نظام الفصل الطائفي. فبمشاركة بعض الجهات المعارضة في “العمل السياسي” ضمن شروط نظام الفصل الطائفي، رأى البعض الآخر ضرورة المفاصلة مع النظام وعدم الانصياع لشروطه والسعي الحثيث لكسر انظمته وقواعده. هذه المفاصلة ادت الى ثلاث نتائج مهمة: اولها انها عمقت الشعور بالقوة لدى رموز المعارضة التي ترفض نظام الفصل الطائفي ودستوره وقوانينه، فاصبحت تتحرك بوعي لكشف ما يجري في البحرين بحرية اوسع بعيدا عن اساليب المجاملة والمسايرة، وكشفت، برغم امكاناتها المحدودة، عمق الازمة في البلاد، بشكل اصبح يزيل الضبابية في نظرة الآخرين للوضع نتيجة مشاركة البعض في العمل ضمن المنظومة الخليفية. ثانيها: ان التحرر من قيود ذلك النظام ساهم في بلورة مواقف دولية اكثر وضوحا بعد ان انكشفت لها الحقائق بعيدا عن مساحيق التجميل التي انفق الاحتلال الخليفي اموال الشعب عليها. وما هو متوفر الآن من قرارات وبيانات دولية يؤكد نجاح تلك الاستراتيجية، برغم السعي المتواصل من قبل الحاكم ووزير ديوانه لتأجيل موعد المفاصلة النهائية. ثالثها: ان تجربة السنوات الاربع الماضية من العمل ضمن أطر نظام الفصل الطائفي كشف عدم جدواه جملة وتفصيلا. فقد فشلت هذه المشاركة في تعديل المسار الدستوري واصبحت هي نفسها رهينة لدستور الاحتلال الخليفي، وادت مماحكات الفرقاء ضمن المجالس الخليفية الى تعمق الاستقطاب الطائفي، حتى يبدو للبعض ان المشكلة انما هي في اشخاص طائفيين برز بعضهم في وقت قصير في تلك المجالس واستهدفوا الرموز الدينية لغالبية المواطنين. هذا الاستقطاب الطائفي يعتبر احدى ثمرات الموافقة على العمل ضمن قوانين نظام الفصل الطائفي. وبالاضافة لذلك تراجعت اوضاع المواطنين سياسيا واقتصاديا. فخلال السنوات الاخيرة ضاعف الحاكم ووزير ديوانه جهودهم للسيطرة على الاراضي والسواحل من جهة وتجنيس الاجانب من جهة اخرى، وسمح لحلفائه بتملك ما تبقى من مساحات محدودة من الاراضي، الامر الذي ادى الى ازمة اسكان مستعصية. وبذلك اصبح وضع المواطن البحراني يعاني من ضغط الحياة المادية بمستويات غير مسبوقة. وهكذا يتضح فشل العمل ضمن منظومة نظام الفصل الفصل الطائفي من جهة، وفاعلية العمل خارج تلك المنظومة.
هذا الاستقطاب الواضح في الوضع البحراني يمثل المدخل لاستشراف مستقبل البحرين، وما تمت الاشارة اليه من توجه نحو المفاصلة الكاملة بين طرفين: البحرانيين والاحتلال الخليفي. ويمكن القول ان المقاومة المدنية التي انتهجت خلال الحقبة الماضية تمثل المنحى العام لمواجهة نظام الفصل الطائفي. وهي مرشحة للتصاعد خصوصا مع تبلور وعي شعبي دفع الخليفيين لاعادة السجون على مصاريعها واعاد محكمة امن الدول الى الوجود، واستصدار قوانين جائرة من قبل المجالس الخليفية الصورية التي اصبحت مهمتها محصورة بالتصديق على ما تريده العائلة الخليفية المحتلة. الوضع يسير نحو من المزيد من الاستقطاب والمواجهة، وهو الامر الذي يستدعي الدراسة الواعية والموضوعية ممن يهمهم امر البحرين. الامر المؤكد ان المقاومة المدنية متواصلة وان المعارضة الصاعدة بين الاجيال الجديدة نجحت في كسر الكثير من الممنوعات، وأسست لعقلية متجددة من الرغبة في التحرر من نظام قائم على احتلال الارض بالقوة والمؤسست على نظام فصل طائفي مقيت. انه صراع المستقبل المنظور بين طرفين يتميز احدهما بالظلم المطلق، وثانيهما بالظلامة غير المحدودة. وان صراعا من هذا النوع لا يمكن احتواؤه بسهولة. انه صراع من اجل الوجود بين طرفين: محتل يسعى لتوسيع نفوذ احتلاله، ومظلوم يسعى لرفع الظلامة عن نفسه. وصراع المقاومين ضد المحتلين امر خطير لا يمكن القضاء عليه بالقمع. ومع تعمق نظام الفصل الطائفي، اصبح الوضع مهيأ لصراع مرير لن تستطيع القوى الاقليمية، وربما الدولية، البقاء بمنأى عنه. فمن المسؤول عن نزع فتيل هذا الصراع المدمر؟
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا، يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
30 يوليو 2010