وقائع وحقائق لتفسير المفارقات بين حقبتين
ونحن بانتظار “عرس الديمقراطية الخليفية” الذي يعتبره الشعب “مأتم الاستبداد والتمييز والابادة والاضطهاد” من المتوقع ان تتصاعد حدة السجال بين من يقاوم الاحتلال الخليفي ومن يعتقد ان بامكانه إحداث التغيير من داخل نظام الاحتلال. كان البعض يعتقد ان السنوات الاربع العجاف التي عصفت بالبلاد، وسقط فيها الشهداء، واعتقل خلالها المئات، وعذب العشرات، كافية لاثبات الحقيقة التي لا مراء فيها وهي ان الاستبداد، خصوصا اذا قام على اساس الاحتلال، لا يمكن ان يتحول الى واحة من الديمقراطية، وان اللص الذي اعتاد نهب الآخرين، لن يكون بوسعه ان يتوقف عن ذلك النهب، وان الاستبداد المتوارث لن يقبل يوما بان يشاركه احد.
ولكن يبدو، كما هي العادة، ان ذاكرة الشعوب قصيرة، وانها سرعان ما تنخدع وراء السراب، وتقع في الفخ نفسه الذي وقعت فيه في السابق. ولقد حذر الحريصون على الدين والوطن وحقوق الناس من مغبة السقوط في مشروع التخريب الخليفي الذي فرضه الطاغية بالنار والحديد، مؤكدين ان الانخداع بالشعارات الجوفاء التي اطلقتها ابواق الدعاية الخليفية سوف يضاعف الاضرار على اهل البحرين قاطبة. ولذلك نطرح هنا بعض الرؤى على امل ان تقرأ بعقول منفتحة وقلوب نقية، ونية صافية هدفها نيل رضا الله سبحانه، بعيدا عن الغلواء والعصبية والمواقف المسبقة، واملنا ان يكون القراء من “الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه”. وفي هذه اللحظات التاريخية من صراع الحق الذي يمثله سكان البلاد الاصليون (شيعة وسنة) والباطل الذي يمثله المحتلون، اصبح السجال الايجابي مطلوبا، ومقارعة الحجة بالحجة ضرورة لتفعيل العقل المسلم الرسالي المسؤول. فما الذي حصل؟
اولا: ساءت الاوضاع المعيشية للمواطنين، فاصبح الشاب البحراني لا يحلم حتى بامتلاك شقة سكنية بعد ان جاء المحتلون بالمستوطين من كافة اصقاع الارض، وفتحوا المجال للاثرياء الخليجيين لشراء الاراضي المحدودة المساحة. وانتشرت حالة فقر رهيبة، كشفت بعض جوانبها مؤخرا قناة “الجزيرة” وقبلها قناة سي ان ان.
ثانيا: تعمقت الظاهرة الطائفية، واصبح هناك استمراء لها، بحيث ان النصف المنتخب من مجلس الشورى، ساحة للاعتداء على مقدسات الغالبية من المواطنين. وشن رموز المشروع الطائفي حملات عدائية ضد علماء الدين الكبار، ابتداء بالشيخ عيسى قاسم، مرورا بالمراجع الكبار، السيد علي خامنئي، والسيد علي السيستاني، وصولا للامام الخميني رحمه الله. فأصبح هذا “البرلمان” الذي يضاهي اعرق البرلمانات الديمقراطية في العالم، ساحة لسب الفقهاء والعلماء، بدون ان يحرك ذلك ساكنا من اعضاء ذلك المجلس، بالانسحاب او الرد اللائق. وبذلك ساهم هذا “الصرح الديمقراطي” في استمراء الاعتداء على العلماء والفقهاء، فهل ثمة ضرر أكبر من ذلك؟
ثالثا: ساهمت مقولة “التغيير من الداخل” في احتواء عناصر عديدة كانت محسوبة على المعارضة للدفاع عن النظام الخليفي في المحافل الدولية. فما ان يقوم معارض بحراني بندوة في لندن او واشنطن او جنيف، حتى تساق تلك العناصر لتقديم شهادات الزور للمحافل الدولية تقول: “ليس هناك تمييز ضد احد في البحرين”، او “ليس هناك تعذيب” وغير ذلك.
رابعا: تعمقت جريمة التجنيس والابادة في ظل “الديمقراطية الخليفية” وضاعفت الضرر، ولم تنجح سياسة “التغيير من الداخل” او “تقليل الضرر” في وقف الجريمة او احتواء آثارها. بل لم تنجح تلك السياسة في الحصول على اعتراف من المحتلين بجريمتهم. ان طرح الاسئلة على وزراء الاحتلال اسلوب فاشل، لم يحقق شيئا على الاطلاق، بل ربما ساهم في اضفاء الشرعية على تلك السياسة، لانها، في نظر العالم، خضعت لـ “النقاش والاسئلة” في المجلس الخليفي. هذه حقيقة مرة لن يقبلها المشاركون في اعداد فصولها واستكمال ابعادها. وقد خرج احمد عطية الله آل خليفة، العنصر الاساس الذي كشف تقرير البندر جرائمه، من احد “الاستحوابات” في موقع أقوى مما كان عليه من قبل. فأين تقليل الضرر في ذلك؟
خامسا: حدثت حالة من الاستقطاب بين ابناء الوطن الواحد بشكل لم يسبق له مثيل، وتمخض عن ذلك خطان واضحا المعالم، احدهما يقاوم الاحتلال والاستبداد ويرفض العمل ضمن الاطر التي فرضها المحتلون، ويدفع ثمن ذلك باهضا بالسجن والتعذيب وتشويه السمعة والحملات الاعلامية المغرضة، والآخر يعتقد بامكان احداث التغيير من الداخل. وليس في ذلك ضير، كما ليس فيه ما يدعو للتشكيك في النوايا. وليس من حق احد اصدار الاحكام ضد الآخرين او محاكمة نواياهم، فكل ذلك منوط بالله وحده، الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور.
سادسا: ان العمل ضمن اطر الاحتلال الخيفي اضعف وهج المشروع الاسلامي الذي وضع على الرف لكي لا ينزعج الخليفيون والامريكيون، ولكي لا تغضب السعودية.
سابعا: ان حقبة السنوات الاربع الماضية شهدت عددا من التطورات الخطيرة. اولها عودة المحتلين لارتكاب جرائم التعذيب على اوسع نطاق، وقد صدرت تقارير عديدة حول ذلك، ولم تنجح المجالس الصورية في وقفها او محاكمة مرتكبيها، او حتى مساءلة الوزراء المسؤولين عنها. فوزير التعذيب المعروف، خليفة بن عبد الله آل خليفة، ما يزال يتوعد بالمزيد من التعذيب، وهذا ما ذكره مؤخرا بوضوح للمواطن المظلوم، عبد الرضا . وزير التعذيب هذا ورؤساؤه يشعرون بوجود غطاء سياسي من اجهزة الاحتلال ومن بينها المجالس الصورية التي يستعملونها للرد على دعاة الاصلاح والمقاومين. ثانيها: الاعتقالات والقتل خارج نطاق القانون، كما حدث للشهيد علي جاسم. ثالثا: عودة محاكم امن الدولة بأبشع صورها، حيث تصدر الاحكام بحق الابرياء حبا في الانتقام وبعيدا عن روح العدالة.
ثامنا: استطاعت المقاومة البحرانية تحقيق نجاحات واسعة خلال السنوات الاربع الماضية، فقد نجحت جهودها في استصدار تقارير دولية تدين الاحتلال الخليفي بالتعذيب الممنهج، والتمييز على نطاق واسع، والحكم بنظام استبدادي لا يتوفر على الحرية. كما استطاعت تحريك الشارع بوتيرة لم تتوقف، وما تزال مستمرة. وهذا يؤكد ان حالة المفاصلة بين خطين سياسيين متباينين ضرورة، لتحقيق ما تحقق. فالسفينة التي تحمل ربانين، كل منهما يريد تسييرها باتجاه مضاد للآخر تبقى واقفة وقد تعصف بها الرياح وتغرقها. فمنذ 2006، حدثت تطورات ايجابية كثيرة لصالح الشعب البحراني، اهمها كشف هوية نظام الاحتلال الخليفي، ووعي الشعب البحراني بخطر هذا النظام، واصراره على المفاصلة معه، والتمرد عليه ومواجهته بكافة الوسائل السلمية المتحضرة. فرب ضارة نافعة كما يقال.
تاسعا: ان البعد المهم في تقرير الربح والخسارة، وتقليل المضرة او زيادتها، يجب ان يتضمن الثمن المدفوع لتحقيق ذلك، ان كان هناك ربح او تقليل للضرر. وفي اعتقادنا ان ضرر الغدة السرطانية يتواصل، حتى لو استعملت العقاقير الطبية لتخفيف الآلام. وتعتبر عقلية “الاحتلال” غدة سرطانية لا بد من ازالتها، وهي خاصة بالبحرين دون غيرها، لان حكومات الخليج الاخرى تنتمي للارض التي تحكمها، ولم تحتلها بالقوة.
وعندما ينبري البعض لوصف “الانجازات” فانه لا يذكر الثمن الذي تحققت به تلك الانجازات ان وجدت. والثمن الباهض الذي دفعوه هو الاعتراف بدستور يلغي وجود اهل البحرين قاطبة كشركاء في الادارة السياسية والتقنين. فالدستور المفروض على الشعب انما كتبه طرف واحد وفرضه على المواطنين بالقوة والترغيب والحملات الاعلامية التي لا تتوقف. والقبول بهذا الدستور يتضمن الاعتراف بآلية كتابته، والغاء حق الشعب في كتابة دستوره بيده، وهو الحق الاساس الذي يجب ان تنطلق على اساسه حركة المعارضة. وقد رفع في 2002 شعار “اكتب دستورك بيدك”، ورفض الفقهاء كتابة الدستور بأيد اجنبية. ولذلك فالقبول بالدستور الذي فرضه الطاغية على البلاد والشعب في 14 فبراير 2002، يعتبر ثمنا باهضا جدا يتجاوز في اهميته ما يطرحه البعض من انجازات هامشية، كان الآخرون من غير اصحاب المشروع الاسلامي القيام بها على احسن وجه. فما قيمة ان يوجه سؤال لوزير او مسؤول او الاعتراض على قرار هنا وآخر هناك، اذا كان ثمن ذلك القبول بتقنين الغاء الشراكة السياسية؟ ما قيمة العمل ضمن دستور يكرس الهيمنة المطلقة للاحتلال؟ ما الشرعية التي ينطلق عليها العمل السياسي اذا كان مؤسسا على دستور يغضب الله ورسوله، ويفتقر الى ابسط مقومات العدالة؟ أين هو تقليل الضرر عندما تعطى اغلبية الشعب مقاعد في المجالس الصورية أقل مما تستحقه؟ ان في هذا قبولا بالتمييز المقنن، والاستبداد المقنن، وتكريس الاحتلال بقانون يلغي السكان الاصليين (شيعة وسنة) من اية شراكة سياسية ذات معنى؟ وكيف نبرر اقرارنا دستورا يلغي وجودنا في مقابل “انجازات وهمية” ليس لها انعكاس على واقع المستضعفين والمظلومين.
لن نخجل من طرح ما نعتقده موقفا مبدئيا مسؤولا لاعادة صياغة العقل المجتمعي بما يحصنه ضد اساليب مسايرة الطغاة، او تطويعه للقبول بتقديم شهادات الزور، او الرضى بالعيش تحت الحكم الجائر، او تبجيل الطغاة والظالمين، او التخلي عن مسؤولية الحفاظ على الهوية التاريخية والثقافية والدينية للبلاد، او التطبيع مع اعداء الامة، على اختلاف مشاربهم، بالتذرع بالواقعية والعقلانية.
هذه بعض الحقائق من وجهة نظرنا، نطرحها وصدورنا تتسع للحوار الهاديء رغبة في التوصل الى الحق ايمانا منا بان “الحق أحق أن يتبع”، ورغبة في ان نكون، واهلنا في البحرين جميعا من “الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه“، بعيدا عن العصبية والتبعية غير الواعية، وتجميد العقل والتخلي عن التفكير.، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
حركة احرار البحرين الاسلامية
25 يونيو 2006