العمل السياسي الملتزم له شروطه وضوابطه، وهذا بعضها
من يبني الامم ويصنع المجتمعات ويحدث التغيير؟ من يقف بوجه الظلم والاستبداد بدون خوف او وجل، ويعلن موقفه منهما بدون ان يحسب للموقف الف حساب ويتردد فيه الف مرة؟ من يكون أبا ذر عصره فيقول للحاكم اللص: من أين لك هذا؟ من يقف بوجه المحتل ويخاطبه قائلا:
أيها المعتدي ارحل عن ارضي وارض اجدادي فأنت غريب؟ من يرفع المشروع الذي آمن به، لا يتنكر له ولا يساوم عليه ولا يتكيء على منطق “المصلحة” لتبرير التخاذل والنكوص؟ من يرفع راية الحسين ويشق بها الصفوف، غير آبه ان وقع على الموت ام وقع الموت عليه؟ من يرفع لواء التصدي للظلم والاضطهاد بعيدا عن الحسابات الشخصية والمنطق المادي في حساب الربح والخسارة؟ من يصارح شعبه ليقول: أنا ضعيف لا استطيع مواجهة فرعون وجنوده، بدلا من منطق التبرير وشرعنة التخاذل؟
هل من رائد لا يكذب أهله، يتصارح مع من حوله بلسان واضح، بعيدا عن منطق الهيمنة الفكرية والدينية، ويتخلى عن منطق التكفير والتشكيك في النوايا او تسخيف مواقف الصامدين؟ من يملك الشجاعة ليخاطب الطاغية بما هو فيه وليس بلغة التملق والمصلطحات المقدسة التي كادت تفقد بريقها وقداستها؟ من يقول للظالم: انت ظالم؟ وللسارق: أنت لص؟ وللجلاد: أنت معذب؟ وللانتهازي: أنت متسلق؟ ولوعاظ السلاطين: أنتم من تشرعنون الظلم وتقوون شوكة الظالم؟ ولمن نصب نفسه واعظا للثائرين المظلومين: كفى هذا الخطاب الخانع والاستهداف غير المقدس لرافعي راية الحق، المدافعين عن المظلومين؟
لو كان هناك بعض من هؤلاء لأصبحت الامة بخير، ولما استطاع المتجبرون السيطرة على مقدراتها ولفشل عشاق المناصب وعبيد المال عن تبرير سقوطهم الاخلاقي والانساني والديني! لو كان هناك من يؤمن بحديث رسول الله (ص): سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فنهاه فقتله”، لما تطاول الظالمون ولما استطاعوا تمرير مشاريعهم على الفقراء ولما تمادوا في الظلم حتى النخاع. لو كان هناك من يقرأ حديث رسول الله (ص): ان من اعظم الجهاد عند الله كلمة حق امام سلطان جائر” لما تفرعن الطغاة ولما تعاملوا باستكبار مع المظلومين. فعندما أقدم طاغية البحرين الحالي على مشروعه الاجرامي باحداث تغيير سكاني خطير، كان يستند الى حالة الصمت التي تعم البلاد في غياب روح الحرية وقيمها وروادها. ففي بطن الليل الموحش، قام الطاغية بحياكة خيوط الجريمة عازما على تغيير هوية البلاد الثقافية والدينية والقضاء على تاريخها المديد، واستهداف سكانها الاصليين (سنة وشيعة). في تلك اللحظات عقد تحالفا مع الشيطان ليفتكا معا بهذا الشعب الطيب الذي تعايش ابناؤه إخوة متحابين على مدى العقود والقرون، وراح يغرس بذور الشقاق والاختلاف، بعد ان أوكل الامر الى وزير ديوانه السيء الصيت. واستيقظ البحرانيون على واقع مرير، اختلطت فيه الاوراق، وتباغض فيه الأحباب، واختلف فيه الاصحاب، واصبح الناس مفتونين في دينهم واخلاقهم ومواقفهم. سعى الطاغية لاخفاء ذلك بالانوار التي تعشي الابصار، فأخفى معالم الجريمة ردحا، حتى ادرك الناس الحقيقة المرة، وشعروا انهم بين امرين: مواجهة الطغيان والاستبداد والفساد، او استمراء ما يجري مع الحلم بوهم التغيير البطيء.
هل تغير الباطل يوما الا اذا ثبت الحق اقدامه؟ فمن اهم أعداء التغيير؟ من يقول ان مصلحة الشعب الاصلي (سنة وشيعة) تتحقق باستمرار الاحتلال الغاشم الذي وسع عدوانه واستهدف الاحرار، ونكل بالابرياء. المواطنون اليوم يواجهون استحقاق الصمت عشرة اعوام، وهو استحقاق ثقيل يفرض نفسه على ذوي الضمائر الحية والقلوب المتحركة والنفوس التي تعشق الايمان والحرية وتنفر من الاستعباد والانحراف. يعيش البحرانيون اليوم خيار التشبث بطريق الهدى والحق، وما ينطوي عليه ذلك الخيار من تضحيات يعجز عنها البعض ولا يستسيغها عشاق الدنيا ومحبو الراحة الذين يعيشون على الاوهام ويعتقدون ان التغيير سيتحقق بدون تضحيات. كما يواجهون خيار النهوض كرجل واحد رغبة في التصدي للاحتلال ورموزه وثقافته وسياساته وترهاته، وهو خيار الحياة الحرة التي لا تتحقق الا بالتضحيات. وهل تحقق لأحد يوما عيش كريم وحرية مشرفة بدون تضحية؟ ومن قال ان الذي يضحي لتحقيق العيش الايماني السعيد يحتاج لرخصة من أحد؟ من قال ان من يتصدى لطغيان رموز حكم الاحتلال في البحرين متهور او غير واقعي؟ فهل من الواقعية في شيء ان يقبل المرء بالاستعباد والاستضعاف والله سبحانه وتعالى يقول: الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا: فيما كنتم؟ قالوا كنا مستضعفين في الارض، قال: ألم تك أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟ فما عذر من يقبل بالاستضعاف؟ وما ذريعة من يحتمي وراء هذه المقولة ليرر تقاعسه وخنوعه؟ ثمة عامل واحد يمنع اتخاذ المواقف الرسالية تجاه الظالمين، وهو الهيبة منه، ولذلك قال رسول الله (ص) “إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له: أنت ظالم، فقد تُودِّع منهم“
الجميع مطالب بتحديد موقف ازاء الظلم والاستبداد، خصوصا عندما يتفرعن الطاغية ويقمع ويقتل ويخطط لتدمير الوطن والمواطن وما يرتبط بهما من قبل. ولطالما رفع المؤمنون شعاراتهم الهادفة لاقامة النظام الاسلامي العادل بديلا لانظمة الاستبداد والظلم، ولكن ما اكثر الذين تخلوا عن هذا الشعار، واستبدلوه بمقولات “الواقعية” و “تحقيق الممكن” و “الحفاظ على امن الطائفة”. ونستطيع القول بان من المستحيل حفظ امن اي مواطن في ظل النظام الذي يحكم بالظلم. وهل ثمة من يشك في ظلم حكام البحرين وظلامة اهلها؟ ان الحديث عن الظلم يتصل بمنظومة المفاهيم والقيم التي يحملها الفرد، وبالتالي فمن الضروري فحص هذه المنظومة وتجديد فهمها ومواءمتها مع الظروف. والاهم من ذلك الابتعاد عن شخصنتها، لكي تبقى نقية، وغير ملوثة باجتهادات العقل البشري المحدود في تفكيره وآفاقه. ومن أكبر الآفات الكبرى التي تواجهنا الاصرار على الشخصنة، والابتعاد عن الحق المطلق، مع ان الامام عليا عليه السلام يقول: “لا تقيسوا الحق بالرجال، ولكن قيسوا الرجال بالحق”، او كما يقول: “اعرف الحق تعرف أهله“
انها دعوة للفصل بين المفهوم والمصداق، وهو عكس ما يجري في ساحتنا. ان الآمل ان يتمخض عن هذه الطروحات قدر من الشعور بضرورة الثبات والاستقامة على المباديء والقيم، خصوصا التي تبلورت في حقبة الصحوة، واصبحت تمثل الحالة الاسلامية او ما يسميه اعداء الامة “الاسلام السياسي”. انها دعوة للعودة الى المفاهيم الاسلامية النقية بعيدا عما لحق بالعقل من تلوث وما شابه من انحراف. اننا حملة رسالة ومباديء مستوحاة من دين الاسلام الحنيف، كما وصلنا عن رسوله الكريم (ص) واهل بيته الطاهرين عليهم السلام. ألم يحن الوقت للعمل بصدق مع الله والنفس والناس؟
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
21 مايو 2010