شعب وليس طائفة: حرب المصطلحات تتواصل بالخبث الخليفي والجهل الشعبي
أصدرت ثلاث جهات محسوبة على المقاومة المدنية للاحتلال الخليفي بيانا حول مقاطعة الانتخابات الصورية لمجالس الشيخ حمد، انطلاقا من عدد من الحقائق: اولها فشل تلك المجالس في تحقيق أدنى مستلزمات الشراكة السياسية التي يفترض ان تكون اساس التواصل بين الحكم والشعب.
فالشراكة لا تتحقق بالاملاء من طرف واحد، خصوصا في مجال كتابة الدستور. فالشراكة لا تبدأ الا بعد الاتفاق المكتوب على طبيعتها وحدودها، ضمن تعاقد واضح اصطلح الناس على تسميته بـ “الدستور”. وبالتالي فالمطلوب من كل مواطن ان يسأل نفسه بصدق: هل أنا شريك حقيقي مع آل خليفة في الحكم؟ ام انهم مهيمنون عليه جملة وتفصيلا؟ وهل استطاعت المجالس الخليفية تغيير عقلية رموز الاحتلال؟ ثانيها: ان ثمن مسايرة الاحتلال الخليفي في سياساته أكبر كثيرا من مردودها، وبالتالي فمن غير المنطقي الدخول في صفقة خاسرة. هذه النقطة جوهرية لا يدركها الكثيرون، ومفادها ان الاعتراف بالدستور الخليفي الذي ألغى شعب البحرين من الشراكة السياسية يعتبر ثمنا كبيرا جدا، قررت مجموعات المقاومة عدم دفعه لان المقابل تافه. فلقد تعلم المؤمنون من القرآن قيم البيع والشراء، ورفضوا ن يبيعوا دينهم بدنيا غيرهم: “ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الجنة”، ففي مقابل النفس الفانية، يحظى بالجنة الخالدة، وهي صفقة رابحة مع الله تعالى. اما مع الطغاة، فالمؤمن لا يبيع نفسه (والنفس هن تتمثل بالقيمة الانسانية والوجود المعنوي والموقف الاخلاقي) في مقابل عضوية مجالس الطغاة التي تشرعن وجودهم، وتوفر لهم وسيلة للدعاية الرخيصة، وتمكنهم من تنفيذ مشروع إبادة أهل البحرين الاصليين (شيعة وسنة). وهنا ايضا مطلوب من كل مواطن ان يسأل نفسه: هل العمل ضمن الدستور الخليفي الذي فرضه الطاغية على البلاد في 14 فبراير 2002 صفقة رابحة؟ ثالثا: ان العمل ضمن الدستور الخليفي ضمن اي من السلطات الثلاث يدخل الانسان ضمن النظام، وبالتالي فعليه ان يتحمل اوزاره ولا يستطيع التنصل من جرائمه. فالنظام الخليفي قائم على الاجرام، ابتداء باحتلال البلاد، مرورا بنهب خيراتها، واستعباد اهلها، وصولا الى ممارساته غير الانسانية من تعذيب وتمييز وتجنيس، وجميعها حقائق موثقة من قبل الجهات المحلية والدولية. والعمل ضمن اي من السلطات الثلاث يجعل الانسان جزءا من النظام الذي يتألف من السلطات الثلاث، فلا يمكن لشخص ان يعمل ضمن اي من هذه السلطات ثم يدعي انه لا يعمل ضمن النظام، او يقول: انا لا اتحمل اوزار النظام ولست مسؤولا عن جرائمه.
وثمة بعد آخر للازمة السياسية والذهنية الراهنة تتمثل باستخدام المصطلحات. ويلاحظ هنا نوعان من هذه المصطلحات: المقاومة استطاعت فرض بعض مصطلحاتها مثل: المشروع التخريبي، الاحتلال الخليفي، قوات الشغب، فرق الموت، مملكة الصمت الخليفية وغيرها. بينما يسعى الاحتلال لفرض مصطلحاته بهدف تسويق ثقافة تساهم في تطبيع العلاقة بين المواطنين وآل خليفة. فهو يستعمل مصطلحات من نوع “الفتح” لوصف جريمة الاحتلال والعدوان التي مارسها اسلافه بحق اهل البحرين واعتبارهم “كفارا”. وما يزال يستعمل هذا المصطلح ويجبر المواطنين على استعماله بعد ان استعمله للشوارع والقاعات والمدارس. وفي السنوات الاخيرة انبرى البعض لاستعمال كلمة “الطائفة” لوصف المواطنين من المسلمين الشيعة، وهو مصطلح خطير نظرا لما ينطوي عليه من افتراضات. فالطائفة انما هو وصف للأقلية الدينية في اي بلد، ولا يطلق على اغلبية الشعب مهما كان دينهم او مذهبهم. فلا يقال “حقوق الشيعة في ايران” مثلا، نظرا لان الشيعة يمثلون الاغلبية، بل يستعمل مصطلح “الشعب الايراني”، ولكن هناك من يتحدث عن “الاقلية اليهودية” او غيرها نظرا لان معتنقي اليهودية أقلية. ان استعمال مصطلح “الطائفة” في البحرين منزلق يستدعي الانتباه خصوصا من قبل علماء الدين. فالمسلمون الشيعة في البحرين ليسوا أقلية دينية، وبالتالي فليس من الحكمة وصفهم بـ “الطائفة”. طاغية البحرين يرتاح لهذه التسمية كثيرا لانها توفر له وصفا للوضع الذي يسعى لتحقيقه، من خلال مشروعه الهادف لتغيير التركيبة السكانية. ان من الخطأ الكبير اطلاق هذا الوصف على شعب تمتد جذوره التاريخية الى عهد الاسلام الاول. ولذلك أصرت المقاومة البحرانية على المطالبة بحقوق شعب البحرين التصدي ببسالة امام جريمة التغيير الديمغرافي الذي يعتبر حجر الزاوية في مشروع الاحتلال الخليفي المقيت. هذه المقاومة كانت، وما تزال، واعية للمشروع الخليفي الاجرامي الذي يسعى لتشطير المجتمع البحراني على اسس مذهبية وطائفية. المقاومة طالبت، وما تزال تطالب، بدستور يكتبه ابناء البحرين بأيديهم، وليست مستعدة لمقايضة موقفها هذا بالانخراط في المشروع الخليفي الذي اثبتت التجربة بشكل حاسم، عدم جدواه. المقاومة كانت، وما تزال، تسعى لاقامة نظام سياسي عصري يلغي امتيازات الخليفيين المحتلين، الذين انتشروا في عهد الحاكم الحالي، في كل مرافق الدولة واستحوذوا، ظلما، على اكثر من نصف المناصب الوزارية. المقاومة كانت وما تزال، ترفع شعارا وطنيا يطالب بالمساواة بين ابناء البحرين الاصليين (شيعة وسنة) على اسس المواطنة والانسانية والاسلام، بعيدا عن ثقافة القبلية الجاهلية، التي تسعى لتكريس التمايز بين “السادة” و “العبيد”. المقاومة كانت، وما تزال، ترفع شعارات رفض “الاستعباد” و “الاستحمار” و “الاستكبار” التي يسعى الاحتلال الخليفي لتكريسها بما لديه من وسائل.
ولقد جاء البيان الاخير الصادر عن حركات المقاومة الثلاث: الوفاء وحق والأحرار، ليضع النقاط على الحروف وليؤكد وعي هذه المقاومة واصرارها على مواصلة درب التحرر من الاحتلال الخليفي البغيض، من خلال رفض المشروع التخريبي الذي فرضه الطاغية الحالي وزمرته الجائرة، ورفض الانتماء لنظام الاحتلال سواء بالعمل ضمن القوانين التي تتحكم في عمل المؤسسات المدنية، ام بالانخراط في مجالسه الصورية التي تهدف لاضفاء الشرعية على نظام غير شرعي. ونكرر هنا ان نظام الحكم الخليفي الحالي يفتقد الشرعية الشعبية، جملة وتفصيلا، لانه مفروض بالقوة، ولا يحظى بدعم شعبي، ولم يحتكم لاستفتاء شعبي على دستوره الذي كتب بأيد أجنبية، ومنع ابناء البحرين الاصليين (شيعة وسنة) من المشاركة في صياغة بنوده. وقد نجحت هذه المقاومة في السنوات الاربع الماضية في تعرية نظام الاحتلال الخليفي، وكسبت اصدقاء لها في العالم، بفضل الله سبحانه، ونشاط البحرانيين الاوفياء في الداخل والخارج. وسوف يكتشف هذا الاحتلال، قريبا، خسارته السياسية والاخلاقية الكبرى، خصوصا بعد ان شمر البحرانيون عن سواعدهم، وهتفوا ضد عقلية الاحتلال وعملوا حثيثا لكسر شوكة النظام الذي اعتمد سياسات التعذيب والاعتقال التعسفي والتجويع والاقصاء، بدون رحمة. والله سبحانه وتعالى ناصر هذا الشعب ورموزه ونشطائه، ساخط على اعدائه، فهو نعم المولى ونعم النصير.
حركة احرار البحرين الاسلامية
14 مايو 2010