فشلت التجربة الانتخابية والبحرين على كف عفريت
لم يعد امرا خافيا حالة التداعي السياسي التي تعصف بنظام الحكم في البحرين، خصوصا مع استمرار صدور التقارير الدولية السلبية حول الاوضاع السياسية والامنية في هذا البلد المبتلى. فبعد صدور تقرير منظمة هيومن رايتس ووج الامريكية في شهر مارس الماضي حول العودة الى ممارسة التعذيب بحق السجناء السياسيين، اصدرت منظمة “فريدوم هاوس” المعنية بمراقبة الحريات العامة تقريرين سلبيين تجاه حكم الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، اولهما يعيد تصنيف البحرين من كونها دولة “ذات حرية جزئية” الى دولة “لا تتوفر فيها الحرية“،
وثانيهما يطرح ارقاما وحقائق حول تراجع مستوى الحريات وحقوق الانسان على كافة الصعدان. وبدلا من التصدي لهذه السلبيات التي كشفت الوجه الحقيقي لنظام الحكم الخليفي، تواصل القمع السلطوي بمعدلات مرعبة، واصبحت وتيرة الاعتداء على البحرانيين ظاهرة يومية مقلقة لمن يراقب اوضاع البلاد عن كثب.
في هذا الجانب حدثت تطورات عديدة الشهر الماضي. اولها الزيارة التي قامت بها مفوضة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة، السيدة بيلي، الى دول مجلس التعاون، وتجربتها القاسية في البحرين. فقد اكتشفت هذه المسؤولة الدولية اساليب النظام البحريني للتعتيم على الحقائق بعد ان استمعت الى تقارير دامغة حول القمع الخليفي لأهل البحرين. ولاحظت السيدة بيل بعينها كيف ان الحاكم ضغط عليها في الساعات الاخيرة من زيارتها للبقاء في قصره ومنعها بذلك من لقاء مجموعة من النشطاء الحقوقيين كانت قد اتفقت معهم على الموعد. وأدركت السيدة بيلي بشكل واضح استراتيجية التعتيم وصدق مقولة ان “البحرين مملكة الصمت” حقا. ومن المتوقع ان تكون لزيارة المسؤولة الدولية اصداء في الدوائر الدولية لان تجربتها في هذا البلد فريدة من نوعها. فقد سمعت تقارير النشطاء وافادات الضحايا وعرفت عن كثب حجم معاناة البحرانيين الخاضعين للاحتلال الخليفي البغيض. لقد كانت الزيارة مناسبة جيدة لتوضيح جانب من الحقائق امام الرأي العام الدولي، وقد فشل النظام في الاستفادة منها وارتكب اخطاء قاتلة من بينها ابقاء الضيفة كأنها سجينة في القصر الخليفي.
اما الازمة الاخرى فتمثلت بتشكيل لجنة وطنية لحقوق الانسان، على امل ان يؤدي ذلك الى اقناع الرأي العام الدولي بجدية الحكم الخليفي في التعاطي مع ملف حقوق الانسان الاسود. وبدلا من اتخاذ اجراءات ضد المعذبين والجلادين، او محاسبة القتلة، او وقف كافة وسائل التعذيب النفسي والجسدي، اعتقد آل خليفة ان جمع الاضداد في ما سمي الهيئة الوطنية لحقوق الانسان سوف يوفر له وسيلة للتباهي والتظاهر بتطوير تلك الاوضاع. فجاء تشكيل اللجنة ليضم عملاء آل خليفة من الذين باعوا ضمائرهم ومواقفهم للشيطان، ورضوا بالوقوف ضد ابناء جلدتهم، وتقديم الدعم وشهادات الزور لنظام يرتكب من الاجرام ما لم يرتكبه غيره من انظمة المنطقة. ان المطلوب لتحسين حقوق الانسان ليس تشكيل لجان تابعة للاحتلال الخليفي، بل السماح للنشطاء بالعمل بحرية خارج اطر الاحتلال. وقد دأب الحاكم وطغمته على التصدي لكل مشروع خير لحماية حقوق الانسان. ويكفي للتدليل على ذلك محاكمة الشاب محمد المسقطي بتهمة تشكيل لجنة حقوقية بدون ترخيص من المحتلين الخليفيين. وقد حكمت المحكمة الخليفية بتغريم السيد المسقطي مبلغا كبيرا من المال لانه يدافع عن حقوق الانسان بدون موافقة الحاكم وطغمته. يضاف ذلك الى اصرار الاحتلال الخليفي على منع العمل الحقوقي المنفصل عن تأثيراته. فقد امر الحاكم بحل مركز البحرين لحقوق الانسان، ما لم يتقدم بطلب اجازة لذلك. وقد رفض الطاغية ذلك الطلب، وسجل اسم المركز كمخالف للقوانين. فما هذه القوانين التي تمنع ممارسة الدفاع عن تلك الحقوق الا باجازة الحاكم. ان المفروض ان تعمل هذه الجهات خارج الاطر السلطوية لتستطيع ايصال رسالتها الى العالم من حولها، بالاضافة الى احترام النشطاء وليس قمعهم. ان استهداف المسقطي نال من مصداقية النظام بشكل كبير، ولم يعد قادرا على اقناع احد من المقربين اليه بحكمة ذلك الموقف.
امام هذه الحقائق، ما جدوى اقامة انتخابات صورية لمجلس الشورى الذي لا يملك اية تشريعات للمحاسبة والرقابة؟ ما معنى اجراء انتخابات اذا كانت المجالس التي تضمهم عاجزة عن تقديم سؤال واحد لوزير معني بملفات حقوق الانسان؟ فالمعروف ان بعض اعضاء هذه المجالس قدم استفسارات حول التعذيب وسوء المعاملة. لقد مرت ثمانية اعوام على تجربة المجالس الصورية التي ينتخب نصف اعضائها، وما تزال التجربة مرة المذاق، فيما لا يزال الطاغية متربعا على كرسي الحكم، يستمع انات الثكالى ويتلذذ بصوت الموت وهو يحصر ارواح الشهداء. صحيح انه سمح باجراء انتخابات، ولكن ما جدوى تلك الممارسة اذا لم تؤد الى وضع جديد يمارس المواطنون فيه حياتهم احرارا من جهة وشركاء في صنع القرار السياسي والاداري من جهة اخرى؟ فمنذ ان ورث الحاكم الحالي الكرسي من ابيه، ادخل البلاد في مملكة الصمت الرهيبة التي تعمق فيها القمع وتوسعت دائرة الارهاب السلطوي. وما جرى في الايام الاخيرة من محاصرة القرى الشيعية كشف للجميع عمق حقد الحاكم الحالي وطغمته. فمن كرزكان الى سترة عاش المواطنون اياما تحت الحصار والارهاب، فقوات الشغب الاجنبية وفرق الموت تحاصرهم من كل مكان، يعتقل الشباب والاطفال وتروع النساء بدون وجود ما يستدعي ذلك. لقد اعادت تلك الممارسة الى اذهان المواطنين اساليب استباحة المناطق السكنية خلال الانتفاضة المباركة في التسعينات، وعمقت الشعور الشعبي بكراهية الحكم الخليفي الذي يمارس الاجرام على اوسع نطاق. هذا الاحتلال الغاشم اصبح لا يعبأ بما يتعرض له من شجب دولي، لعلمه بان القوى الغربية الغاشمة التي تحميه لم تعد تعير اهتماما لتلك القرارات. فعندما اقيمت جلسة استماع وتحقيق بمبنى الكونجرس الشهر الماضي حول التعذيب في البحرين، عمد الاحتلال الخليفي لارسال ابواقه للدفاع عن سياسات التعذيب التي يمارسها ضد سجناء الرأي البحرانيين. هؤلاء كانوا مدعومين بفريق عمل كانت مهمته التشويش على اذهان الآخرين بتوزيع المعلومات الخاطئة والترويج لاساليب التعذيب الخليفية.
البحرين تقف امام مفترق طرق حاد. بين ان تعود الى حضيرة الدول المتحضرة التي تمارس قدرا من الديمقراطية وتحترم حقوق مواطنيها واقامة حكم القانون المؤسس على الارادة الشعبية، او الاستمرار في الطريق الذي يؤدي الى الهاوية باستهداف النشطاء والامعان في انتهاك حقوق الناس ونهب الثروات العامة بدون خشية من محاسبة احد او وازع من ضمير. هذه التطورات تأتي في الوقت الذي يستعد فيه الخليفيون لتكريس سلطتهم وتعميق قبضتهم الشرسة على مقاليد الامور في هذه البلاد. فالانتخابات المقبلة لنصف اعضاء مجلس الشورى خطوة اخرى على طريق فرض الامر الواقع بالقوة، واجبار المواطنين على الموافقة على النهج الخليفي الموغل في القمع والاستبداد. وبعد اربع سنوات اخرى من التجربة السياسية الفاشلة ادرك المواطنون عدم جدوى الانخراط في مشاريع الاحتلال باي شكل من الاشكال. ولذلك اسبابه التي منها الامتناع عن توفير الشرعية لنظام احتلال يرفض الاعتراف بوجود شعب اصلي كان يقطن البلاد قبل مجيء الخليفيين، ومنها ايضا تعمق الشعور بالندم لدى من شارك في الانتخابات السابقة التي لم تؤد الا الى المزيد من التهميش والاستحمار والاستضعاف. هذه المرة سوف يحسم الاحرار موقفهم ويمتنعوا عن المشاركة في تقديم شهادات زور لنظام يستحق بدلا من ذلك المقاومة والحصار والاحتقار. من هنا نقولها بثقة الايمان المطلق، بان الانتخابات الصورية هذه المرة لن تكون كسابقتها، ولن توفر للنظام المحتل الشرعية التي يبحث عنها. فما دام هالك احرار وابطال ومؤمنون فلن ترتفع راية الباطل ولن يكون للطغاة اثر في حياة المؤمنين والمستضعفين والشهداء.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وتقبل قرابيننا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
30 ابريل 2010