سنهزم الظلمة عندما نرفض الاستحمار
يوما بعد آخر تتكرس مقولة استحالة المواءمة بين عقلية القبيلة ومستلزمات الدولة الحديثة، بين منطق الاحتلال والغلبة والقهر والاستعباد، ومنطق المواطنة المتساوية، بين اطروحة الحكم الذي يتوارثه الابناء عن الآباء، واطروحة التعددية والتداول على السلطة. وعليه يستحيل تقارب الفريقين على ارضية من التعايش السلمي، لسبب بسيط مفاده ان اصحاب الحكم القائم على عقلية القبيلة ومنطق الاحتلال والحكم التوارثي لا يمكن ان يقبلوا بما يطرحه دعاة الدولة الحديثة والمواطنة المتساوية والتعددية والتداول على السلطة.
هذه حقائق يسعى رموز الاحتلال الخليفي للتعتيم عليها بأساليب التضليل والتشويش والتلاعب بالالفاظ حتى يتم افراغها من اي محتوى. فما أتفه كلام ولي العهد الخليفي عندما يدعي في مقابلته مع قناة سي ان ان، ان “النظام السياسي في البحرين قائم على اساس التعددية الحزبية”. هذا الكذب الفاضح لا يصدقه الا الحفنة الانتهازية التي تخدم الاحتلال، والعقول التي تمتلك قابلية كبيرة للاستحمار، وما اكثر هذه العقول في زمن اشترى الحاكم فيه من الناس عقولهم وضمائرهم ومواقفهم بأبخس الاثمان. وعندما يقبل الفرد ان يبيع نفسه فانه يتخلى عن كرامته، ويوقن يقينا تاما بان ما يفعله الطاغية انما هو عين الصواب، حتى ان كان هذا الفعل ضده وضد مصالحه الشخصية. ولذلك لم يكن غريبا ان يكرر الوزير الذي طرده المحتلون من حكومتهم، مواقفه الداعمة لنظام الاحتلال الخليفي، وان يعبر عن “تجديد البيعة” للطاغية، بدون قيد او شرط. فالحاكم اعرف بمصلحته، فعندما طرده من منصبه فانما ذلك لحكمة في نفس ذلك الحاكم الموهوب الذي لا ينطق عن الهوى، ولا يحق لأحد منازعته في “الحق الالهي” الذي سخره الله له. هذه القابلية للاستحمار والاستعباد اصبحت تتعمق في نفوس الكثيرين ممن حصروا نظرتهم للدنيا والحياة بانها السعي المتواصل لتحقيق اللذة بأي ثمن، وان الموت نهاية الوجود، وان الله خلقهم عبيدا، وعليهم ان يقبلوا ذلك، و “ان يكونوا واقعيين” في تعاطيهم مع هذه الطغمة الفاسدة.
وتؤكد وقائع الاسبوع الماضي جوانب من نمط الحكم القبلي المقيت القائم على عقلية الاحتلال والاستكبار والغرور. والا فكيف يمكن تفسير إصدار محكمة التمييز حكما بسجن الشباب البحراني من كرزكان ثلاث سنوات بعد ان برأتهم المحكمة من كافة التهم الملفقة ضدهم بعد ثبوت تعرضهم للتعذيب؟ وقد أدرك المعذبون الخليفيون ان تبرئة البحرانيين يؤكد دعاوى التعذيب التي استندت عليها محكمتهم برغم صوريتها، وهو ما استعملته منظمة هيومن رايتس ووج لاثبات تلك الدعاوى. كما ان القبول برأي المحكمة يستوجب البحث عن المعذبين ومحاكمتهم، وفي مقدمتهم السفير الخليفي في لندن، خليفة بن علي بن راشد آل خليفة، الذي كان مسؤولا عن جهاز الامن الوطني، وكذلك خليفة بن عبد الله آلخليفة، وزير الامن الوطني حاليا. وقد ارتأى الحاكم وطغمته ان تجريم البحرانيين، برغم تبرئتهم من محكمة خليفية اخرى، أسهل من تجريم المعذببين الخليفيين. والا فما معنى الحكم بسجن الشباب ثلاثة اعوام؟ هل ارتكبوا جميعا الجرم نفسه بالطريقة والدوافع نفسها؟ ويندر في اية محكمة في اي بلد من العالم ان يصدر حكم واحد بحق 19 شخصا، وسجنهم بنمط واحد. هذا لا يحدث الا في “المملكة الخليفية” التي “تضاهي أعرق الممالك الدستورية في العالم”. فما أسخف هذا المنطق ورواده، وما أتعس الايام التي تعيشها البحرين الأبية في ظل هذا النظام العفن الذي اصبح يصدق كذبه ويبرر اجرامه ويغسل سمعته الملوثة بالمزيد من الكذب والنفاق والخداع وانفاق المزيد من اموال الشعب من اجل ذلك. سيظل الكرزكانيون أحرارا برغم أنف الطغاة المحتلين، وسوف يقاضون معذبيهم يوما بعون الله، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان الا على الظالمين.
في هذا السياق أرغمت انوف عناصر التعذيب الخليفية على اطلاق سراح الممرض البحراني البطل، ابراهيم الدمستاني، الذي اعتقل لانه قام بواجبه الانساني بحق بحراني آخر ظلمه الخليفيون واصابوه بالشوزن وكاد يلفظ انفاسه، لولا عناية الله سبحانه وتعالى، ورعاية ابراهيم الدمستاني الذي اصبح موقفه رمزا للبطولة، واصبح سجنه محاكمة للنظام الخليفي. لقد أرغمت البيانات والمواقف الدولية أنوف المجرمين الخليفيين على اطلاق سراحه بدون قيد او شرط، وشربوا كأس السم مكرهين. جاء ذلك بعد ان وجهت منظمة العفو الدولية للعائلة الخليفية مناشدة وطلبا بتزويدها بمعلومات حول اصابة عدد من البحرانيين بالشوزن الذي يحرم استعماله ضد المدنيين. ان عودة الخليفيين لممارسة التعذيب دليل على عمق القهر في نفوسهم مما آل اليه امرهم، كنظام حكم يمارس التعذيب ويستهدف مناوئيه باعمال ارهابية في داخل البلاد وخارجها. وقد اصبح استعمال “الشوزن” ذي الطلقات الانشطارية رمزا لظلامة شعب البحرين الذي يرفض الانحناء او الاستسلام لهذه الطغمة المجرمة التي تزداد حقدا ضد سكان البحرين الاصليين (شيعة وسنة). فما دام المشروع التخريبي الذي فرضه الطاغية على البلاد قائما، فلن يتحقق اصلاح ابدا، بل ستزداد الاوضاع سوءا. وها هو يستهدف الاحرار في كل زاوية من زوايا البلاد، مستغلا حالة الصمت على منكراته من قبل قطاع واسع من المواطنين تعرضوا للترهيب او الاستغفال او التخدير لكي لا يمارسوا دورهم الجهادي الذي اشار اليه الحديث الشريف: “ان من اعظم الجهاد عند الله كلمة حق امام سلطان جائر“.
ويخطيء من يظن ان ظلم النظام سوف ينحصر بمناوئيه، فكل بحراني هدف لذلك الظلم، وقد شاهدنا كيف سلط الاحتلال ابواقه ضد جهة سياسية شجبت حصر رئاسة الحكومة بالافراد الخليفيين برغم فسادهم وفشلهم الاداري والمالي ونهبهم الواسع. وقد عاد مجددا لممارسة الظلم بصلافة وتعنت. فقد صادر الخليفيون الجهاز الآلي المحمول لدى الاستاذ حسن مشيمع لدى مغادرته البلاد متوجها الى لندن. وليس معروفا ماذا فعل الجلادون والمعذبون بذلك الجهاز الذي ابقوه لديهم فترة زمنية طويلة. انه استفزاز من الطراز الاول، الهدف منه ارسال رسالة للمعارضين بان الجلاوزة الخليفيين مستعدون للفتك في اية لحظة او اية مكان. وهذه عادة الطغاة المفسدين: “ان الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكذلك يفعلون”. ولكن فاتهم ان ابطال اوال أكبر منهم شأنا وأشد ثباتا، وأصعب مراسا، وأعمقهم ايمانا، وأشدهم اخلاصا. فالبطل يتمتع ببطولته حتى يلقى ربه، ولا يهمه ما يفعل الجبناء وخفافيش الليل وعشاق الدنيا وعبيد المال. فنظام الاحتلال المدعوم امنيا بجهاز الموساد الاسرائيلي يواصل استفزازاته ضد اهل البحرين، معتقدا ان بامكانهم استعبادهم مرة اخرى. لقد فشل الاحتلال هو ومشروعه وكافة وسائل التخدير لديه في اخضاع الشعب او النيل من كرامته او تركيعه. وسيظل شعب البحرين الأبي صامدا، صابرا محتسبا، مجاهدا ضد الاحتلال حتى تنهض الامة وتسقط اعداءها.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عند، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين.
حركة احرار البحرين الاسلامية
2 ابريل 2009