فصل جديد من المواجهة مع المحتلين، بعد الصفعات الدولية لنظامهم
يمكن القول ان الذكرى الثامنة المشؤومة للميثاق السياسي الذي فرضه حاكم البحرين على اهلها، كانت منعطفا مهما في التاريخ القصير لمشروعه السياسي الذي فرضه على البلاد والعباد بالقوة. ففيما كان الحاكم وطغمته يسعون للاحتفاء بتلك الذكرى السوداء، برزت الى الوجود تطورات عديدة كشفت حالة الضعف والخواء لذلك المشروع الذي لم يعمر طويلا.
من تلك التطورات ثلاث قضايا ظهرت تباعا واصبحت تمثل تهديدا خطيرا لذلك المشروع. فما ان حل العام الحالي حتى ظهر تقرير “فريدوم هاوس” الذي ألغى كافة الادعاءات الخليفية بالحرية والديمقراطية. فقد أعاد التقرير السنوي الذي تصدره تلك المنظمة المرموقة تصنيف البحرين من دولة تتوفر على “حرية جزئية” الى دولة “لا تتوفر فيها الحرية”. ان هذا الاستنتاج خطير جدا في نظر الحكم الخليفي الذي بدأ يتحول الى احتلال غاشم لارض وشعب ويفرض عليهما ما يشاء من قوانين واجراءات غير مشروعة. فهو تأكيد لما كررته المقاومة البحرانية طوال العقود الاخيرة بان آل خليفة رفضوا التحول من عقلية الاحتلال الى عقلية الحكم المدني الحديث، وأصروا على الاستمرار في نمط التعامل الذي تمارسه قوى الاحتلال اينما وضعت اقدامها. ويؤكد كذلك فشل الدعاية الاعلامية والسياسية التي انفق آل خليفة الملايين عليها ضمن مشروع التشويش والتضليل الذي اعتمد عليه مشروع حمد السياسي. فلن يكون الخليفيون بعد اليوم قادرين على ايهام الآخرين بوجود مشروع سياسي فاعل، فضلا عن كونه ديمقراطيا. وفي الوقت نفسه ستجد المقاومة البحرانية نفسها في موقع يوفر لها قدرا كبيرا من المصداقية امام الرأي العام الدولي ولدى مؤسساته واجهزته. فما دامت البحرين لا تتوفر فيها الحرية فقد اصبحت بلدا محكوما بالقمع والاستبداد الذي يصادر الحريات.
وبصدور تقرير منظمة هيومن رايتس ووج الشهر الماضي فقد اكتملت دائرة الحصار على الاحتلال الخليفي الذي سعى لاستصدار صكوك البراءة من المنظمات الحقوقية الدولية وتشدق وزراؤه ومسؤولوه بعدم وجود سجناء سياسيين. لقد ارتكب حكم الشيخ حمد أخطاء استراتيجية فادحة اهمها اعادة فتح السجون على مصاريعها وتسليط المعذبين على الابرياء بلا رحمة. كان باعتقادهم انهم قادرون على اخفاء جرائم التعذيب، اما بمنع الضحايا من اعلان ظلامتهم وتخويفهم من الافصاح عن ذلك، او بابقائهم فترات اطول داخل الزنزانات حتى تختفي آثار التعذيب. ولقد فاتتهم المقولة الشهيرة بان الحقيقة تأبى الا ان تظهر نفسها. كان امام الاحتلال الخليفي خياران: فاما ابقاء البحرانيين في قيودهم داخل غرف التعذيب، او الافراج عنهم بعد “اختفاء آثار التعذيب”. وكان للخيار الاول تبعاته السياسية، فقد استمرت حركة الشاعر المطالبة باطلاق سراح السجناء، وكانت هناك التقارير والتصريحات الصادرة عن الجهات الدولية، وكان هناك التفاعل الشعبي الذي تحدى الارهاب الخليفي، فلم يجد الحاكم الطاغية سوى اطلاق سراح اغلب السجناء السياسيين برغم صدور احكام قاسية من محاكمه القرقوشية. وقد اثبت حمد بتلك الخطوة تفاهة نظامه القضائي وعدم اعترافه باحكامه وانه هو الذي يقرر سجن الابرياء او اطلاق سراحهم متى شاء. وتحركت المنظمات الدولية (في ما عدا منظمة العفو الدولية التي استطاع الخليفيون شراء بعض العاملين فيها بالمال) لتظهر ظلامة البحرانيين على ايدي المحتلين الخليفيين. وبذلك تحول المشهد ضد هذا النظام الجائر. وعندما صدر الشهر الماضي تقرير منظمة هيومن رايتس الذي اثبت بدون ادنى شك ممارسة التعذيب بحق البحرانيين على ايدي قوات الاحتلال الخليفية، اتضحت، مرة اخرى، صدقية المقاومة التي كانت تستغيث بالعالم لانقاذ شعبها من براثن العدوان الخليفي.
اليوم يقف البحرانيون مرفوعي الرؤوس، بينما اصبح الخليفيون متهمين بابشع الجرائم ضد الانسانية وفي مقدمتها التعذيب. وزادت محنة النظام عندما صدر تقرير منظمة حماية الصحافيين الامريكية التي اكدت ان البحرين تصادر حرية التعبير وتنكل بالاعلاميين. تلك الشهادة كانت ضربة موجعة اخرى اصابت الاحتلال الخليفي في مقتل، وأكدت مقولات المقاومة حول انعدام الحريات العامة في ظل الحكم الخليفي. ومن المؤكد ان الطاغية لن يلتزم بتوصيات المنظمات المذكورة، لانه يعتقد ان بامكانه شراء المواقف والتشويش على الحقائق بشراء مواقف الاشخاص والمنظمات بالمال. ان حمد بن عيسى لن يأمر باعتقال الاشخاص الذين وردت اسماؤهم في تقرير منظمة هيومن رايتس ووج كمعذبين محترفين لاسباب عديدة من بينها: اولا ان هؤلاء المعذبين سوف يعترفون بانهم كانوا ينفذون الاوامر الصادرة اليهم من “جهات عليا” متصلة بقصر الحاكم ورموز العائلة الخليفية. ثانيا: انه يؤسس حكمه على القمع والاضطهاد وليس على اساس حكم القانون، وانه يتبادل مع المعذبين مصالح مشتركة، فهو يحمونه من غضب البحرانيين وهو يحميهم من طائلة القانون. ولكنه سوف يدفع اثمانا اكبر اذا تجاهل المطالب العادلة بمحاكمة هؤلاء المجرمين ومن سبقهم من المعذبين خصوصا ايان هندرسون وعادل فليفل وعبد العزيز عطية الله آل خليفة وسواهم.
ان محنة النظام سوف تزداد هذا العام بسبب اصرار الحاكم على اجراء انتخابات صورية لمجالسه التافهة. هذه المجالس لم توفر له الدعاية التي كان يبحث عنها لاضفاء الشرعية على حكمه. وقد قرر الطاغية هذا العام الامعان في قهر ابناء البحرين، وذلك بتشجيع المعذبين بخوض انتخاباته الصورية. وبهذا سوف يوفر فرصة اخرى للمقاومة البحرانية لتصعيد نضالها السلمي، بالاستمرار في فتح ملفات هؤلاء المعذبين، وتأكيد عدم احترامه للمؤسسات الدولية التي كررت المطالبة بمحاكمتهم، في اطار اتفاقية منع التعذيب التي وقعتها البحرين في 1997. وسوف يتحول مشروعه السياسي الى كارثة ضده، لانه سوف يؤكد الادعاءات التي سجلت ضده طوال السنوات السابقة. فمشهد شخص مثل عادل فليفل وهو يعلن ترشيح نفسه ويظهر نفسه كعضو منتخب في مجلس تشريعي سوف يفتح الجدال حول التعذيب وسوف يظل الحاكم نفسه مهددا بالقضاء الدولي كداعم للتعذيب وممول له، بالاضافة الى جريمة اخرى اصبح الحديث عنها يتكرر على السنة نشطاء المقاومة البحرانية. فقد اصبح الطاغية متهما بابادة اهل البحرين الاصليين من خلال عدد من الاجراءات: اولها التجنيس السياسي الذي يهدف لاستبدالهم بالاجانب من كل حدب وصوب. وثانيها استهداف البحرانيين في انماط معيشتهم، سواء بمنع توظيفهم او حرمانهم من السكن ام ابعادهم عن السواحل وحرمانهم من ممارسة مهنة الصيد التي ورثوها من اجدادهم. وهناك ارقام وحقائق حول هذه الامور جميعا من شأنها ان توفر أدلة دامغة ضد الحاكم شخصيا. فاذا ما بذل النشطاء شيئا من الجهد في هذه الجوانب فانهم سيكونون قادرين، بعون الله، على محاصرة رموز الاحتلال الخليفي داخليا وخارجيا. يضاف الى ذلك ان النشطاء قد بدأوا في اتخاذ اجراءات قانونية ضد واحد من أبشع المشرفين على جرائم التعذيب وهو خليفة بن علي بن راشد آل خليفة، السفير الخليفي في لندن، الذي كان وزير الامن الوطني الذي اتهمته منظمة هيومن رايتس ووج في تقريرها الاخير بارتكاب جرائم تعذيب ضد السجناء البحرانيين.
لقد بدأت مسيرة التخلص من الاحتلال الخليفي باساليب سلمية متطورة ومتحضرة. وهي عملية لن تتوقف بعون الله لانها ضرورة يقتضيها منطق العدل والحرية، وتفرضها دماء الشهداء التي اراقها الخليفيون بظلمهم وارهابهم. ولقد كان بامكان الحاكم الطاغية تغيير مسار الامور عندما ورث الحكم عن ابيه في 1999 ولكنه أبى الا السير على خطى آبائه الذين مارسوا الاعتداء والظلم والقهر بحق ابناء البحرين على مدى عقود متواصلة. لقد وصل الاحتلال الخليفي الى آخر فصوله بعد ان استيقظ المارد البحراني على ايقاعات أنات المعتقلين و الشهداء والمعذبين. وأصر الا ان ينال حريته بعد عقود من التعرض للاستعباد والنهب والسلب على ايدي المحتل الخليفي الجائر. فلتتضافر الجهود على ارضية اسلامية ووطنية وانسانية ضد المحتل الغاشم، وسوف يكون النصر للمستضعفين والمظلومين والمحرومين بعون الله تعالى.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
26 فبراير 2010