لا هيبة للنظام الذي يسعى لابادة البحرانيين
في ذكرى الاربعين، نتقدم بالتعازي الى كافة المؤمنين بالخط الحسيني المجاهد، ونهيب بهم السير المتواصل على درب سيد الشهداء عليه السلام، وعدم المساومة على الحقوق والابتعاد دائما عن الظالمين والمجرمين والقتلة.
لم يعد غريبا وجود رأيين متباينين حول طريقة التعاطي مع الحكم الخليفي الجاثم على صدور ابناء البحرين، وهي ليست ظاهرة جديدة، بل انها لازمت حركة المعارضة منذ عقود. هناك اولا من يعتقد بامكان احداث تغيير من داخل الحكم واجهزته، وهناك ثانيا من لا يرى ان الحكم واجهزته تسمح لأحد باختراقها وان مقولة “الاصلاح من الداخل” فارغة وليس لها نصيب من النجاح في ظل نظام قمعي تصفوي، يمارس الابادة بدون استحياء او وجل. ويترتب على هاتين الاطروحتين برامج عملية تتسع وتضيق وفقا للظروف. هذه البرامج لها اهداف تتباين هي الاخرى. فمثلا تسعى المعارضة التي تعتبر نفسها اقرب الى “المقاومة” منها الى “المعارضة” لكسر هيبة النظام بشكل متواصل. فما دامت تعتبر النظام غير شرعي لافتقاده الاقرار الشعبي من خلال دستور توافقي بين الطرفين، فانها تسعى باستمرار للاطاحة بهيبته في نفوس المواطنين، وتشويه سمعته لدى الجهات الحقوقية والسياسية خارج البلاد. فهي ترى ان البحرين محتلة من العائلة الخليفية التي تتعامل مع البحرانيين بعقلية “الفتح” التي تكرس معاني خطيرة وان اهل البحرين لم يكونوا مسلمين حتى قام الخليفيون بـ “فتح” بلادهم. وما يزال الخليفيون يفرضون مصطلح “الفتح” ومشتقاته على الشوارع والمساجد والمراكز والمدارس وغيرها. وعلى اساس ذلك فان هذه “المقاومة” تسعى باستمرار للانطلاق بأهداف سياسية تتعلق بشكل النظام وهويته ودستوره، ولا ترى مهمتها في الجانب المعيشي للمواطنين، وفي الوقت نفسه فانها، كحركة سياسية، تشجع النقابات العمالية والاتحادات الطلابية على العمل للاهتمام بذلك الجانب، لانها تخشى ان تستبدل رسالتها السياسية باهداف محدودة تضعف المقاومة ضد النظام، وتحقق له الشرعية السياسية التي يفتقدها.
هذه “المقاومة” ترى قوتها في ضعف هذا النظام، وتسعى للنيل من مصداقيته، وتحاول باستمرار للتقليل من شأن رموزه، وحرمانه من القداسة او الاحترام. وتوجه برامجها لاستهداف رموزه بمقاضاتهم امام المحافل والمحاكم الدولية. وتنظم المظاهرات والاعتصامات لكشف جرائمهم والتنديد بسياساتهم. ومن اساليب عملها ابقاء الوضع السياسي متوترا لكي لا ينعم النظام بالامن في الوقت الذي يفتقد فيه المواطنون امنهم المعيشي. فلا يحق ان يتوفر الامن للبعض وتحرم منه الاكثرية. فالاستقرار السياسي انما يخدم الطغاة والمستبدين والمحتلين، ولا يخدم قضية المظلومين. وشعب البحرين يخضع لاحتلال غاشم يزداد رعونة واجراما عندما تستقر له الامور، ولا يعترف بأي جميل للمواطنين، بل يخطط باستمرار ضد مصلحة المواطنين الاصليين (شيعة وسنة). هذه المقاومة ترى ان النظام انما يتمثل بهؤلاء الذين يمارسون أبشع الجرائم بحق ابناء البحرين، ابتداء بالطاغية مرورا بوزرائه وجلاوزته وانتهاء بجلاديه. فمن الذي يسعى لابادة شعب البحرين الاصلي (شيعة وسنة)؟ أليست هذه من افظع الجرائم التي يعاقب عليها القانون الدولي؟ من الذي الغى الشعب من الشراكة السياسية بالغاء الدستور العقدي واستبدله بدستور الخاص؟ من الذي يمارس التعذيب بحق ابناء البحرين؟ من الذي يستهدف المواطنين في عقائدهم وممارساتهم وشعائرهم؟ من الذي بعث جلاوزته لتمزيق السواد من المدن والقرى التي كانت تستعد لاحياء مناسبة الاربعين؟ فهل هذا النظام عدو للشعب ام صديق له؟
الاطروحة الاخرى تنطلق على اساس “الحفاظ على هيبة الدولة”، وهي مقولة تتضمن الكثير من المعاني وتترتب عليها اساليب التعاطي مع النظام الجائر، وتمثل نهجا في العمل “المعارض”. فهي تتعاطى مع رموز الحكم على اساس انهم “شرعيون” فتخاطبهم بالالقاب التي تضفي عليهم تبجيلا وتعظيما، فلا تخاطبهم الا بالالقاب التي توحي بتجيلهم وان كانوا من المعذبين، ومن ذلك “سمو الشيخ عبد العزيز عطية الله آل خليفة” و “صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة”. انها تنطلق في فعالياتها بعد استحصال موافقة رموز النظام واجهزته عليها. وتنظم نفسها وفق القوانين واللوائح التي يفرضها من خلال وزارة العمل الشؤون الاجتماعية. بل انها ترفض التعاطي مع “المجموعات غير الشرعية” اي التي رفضت استحصال شرعيتها من قوانين الاحتلال الخليفي. هذا التوجه يسعى باستمرار لـ “اطفاء الحرائق” المشتعلة بين البحرانيين والمحتلين الخليفيين، معتقدا ان استمرار التوتر لا يسمح للنظام بالاستماع الى المطالب والتعطي الايجابي معها. وتسعى كذلك، لما تسميه “بناء الثقة” بينها وبين المحتلين. هذه المقولة تقوم على اساس زعم لا اساس له بان التاريخ النضالي الطويل من قبل الاحرار هو المسؤول عن ضياع الثقة بين الجانبين، وان على المظلومين ان يتنازلوا عن حقوقهم المشروعة في الشراكة السياسية والدستور العقدي كخطوة اساسية لـ “بناء الثقة”. بينما لم يقدم الحكم الخليفي يوما تنازلا حقيقيا لصالح البحرانيين، بل انه يؤسس سياساته بهدف اقتلاع الشعب الاصلي (شيعة وسنة) من هذه الارض، فبالاضافة للابادة والتغيير الديمغرافي، بدأ رموز الاحتلال الخليفي في تغيير الحقائق التاريخية، وأوعزوا الى ابواقهم لبث مقولات مزيفة حول التاريخ بهدف تمهيد الطريق لـ “حقائق” جديدة مزعومة ومختلقة تهدف لاقتلاع جذور السكان الاصليين (شيعة وسنة) من هذه الارض واستبدالهم بالمستوطنين الذين منحوا الجنسية البحرانية بقرارات من رموز الاحتلال وبدون اي مرجعية قانونية.
وفي ضوء ما تقدم اصبح واضحا ان الوضع البحراني يمر بأخطر مراحله، خصوصا مع احتدام السجال حول الوضع السياسي وتعقيداته، وسعي الخليفيين بشكل متواصل لدق اسفين الخلاف بين ابناء الوطن الواحد على اسس عرقية ومذهبية وسياسية. ولذلك اصبحت المقاومة البحرانية تتعمق تدريجيا في وجدان الجيل الجديد من البحرانيين الذين بدأوا يدركون ثمارا عملية لجهودهم. انها ثمار متعددة الاشكال والالوان والمذاقات. فمن القرارات الدولية التي تشجب الاحتلال الخليفي بسبب انتهاكاته المتواصلة لحقوق الانسان (التقرير الاخير الصارد عن منظمة هيومن رايتس ووج) الى قرار “فريدوم هاوس” الذي وصف البحرين بانها بلد “ليس فيه حرية” الى وسائل الاعلام التي بدأت تكشف بعض الحقائق التي يسعى المحتلون لاخفائها (كما حدث مؤخرا لوكالتي الانباء الفرنسية والألمانية). انها خطوات مشجعة على طريق “المقاومة المدنية” المتصاعدة التي تواصلت بدون انقطاع في الشهور الاخيرة، والتي ندعو الله سبحانه وتعالى ان يكرسها كوسائل مشروعة لمقاومة الظلم والعدوان والاحتلال. ونكررها مجددا ان لا هيبة لنظام يسعى لابادة السكان الاصليين (شيعة وسنة)، ولا تقدير او احترام لرموزه الذين ارتكبوا ابشع الجرائم ضد الانسانية. وندعو الله سبحانه وتعالى ان ينصر المؤمنين الصامدين بوجه الظلم، وان يسدد خطى جميع البحرانيين الاصليين (شيعة وسنة) للتماسك والتفاهم ورص الصفوف وشد الايدي على طريق تحرير البلاد من هذه العصابة المجرمة.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
5 يناير 2010